الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية الإنسانية الجزء الأول مفهوم الحرية الإنسانية

سعد شاكر شبلي

2012 / 6 / 29
حقوق الانسان


ميز الله تعالى الإنسان على المخلوقات الدابة على وجه الأرض بمميزات كثيرة ، حيث تأتي الحرية الإنسانية في مقدمة هذه المميزات التي وهبها الله له حتى أصبحت الحرية حقاً من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان بدون الحرية، فحين يفقد المرء حريته، يموت داخلياً، وإن كان في الظاهر يعيش ويأكل ويشرب، ويعمل ويسعى في الأرض. ويشكل مفهوم الحرية الإنسانية موضوعاً مهماً لدى كافة الأديان السماوية ، حيث لا يمكن لأي عقيدة تحترم عقل الإنسان ، لا تحترم حريته ، فالعقل من دون حرية هو عقل معطل وملغى، ، حتى أن الإنسان لا يزال يتكيف بموجب هذه الحرية مع بيئته وظروف حياته عبر أوجه عديدة من التكامل والترقيات المعبر عنها بالإرادة والاختيار ، ولقد بلغ من تعظيم شأن "الحرية" بالنسبة للإنسان أن جعل الله تعالى السبيل إلى إدراك وجوده يكمن في العقل الحر، الذي لا ينتظر الإيمان بوجوده بتأثير قوى خارجية، كالخوارق والمعجزات ونحوها حين قال في محكم كتابه العزيز : ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) فنفي الإكراه في الدين، الذي هو أعز شيء يملكه الإنسان، للدلالة على نفيه فيما سواه وأن الإنسان مستقل فيما يملكه ويقدر عليه لا يفرض عليه أحد سيطرته، بل يأتي هذه الأمور، راضياً غير مجبر، مختاراً غير مكره .
كما جعل الله رسالاته السماوية تدور حول أفعال الإنسان الإرادية ، فقد قرن الدين الإسلامي الثواب عند الطاعة والعقاب عند المعصية أي إن الجزاء والعقاب البشري يرجع إلى إرادة البشر واختيارهم. وهكذا فقد أصبح لكل إنسان أن يقرر مصيره بيده ، غير إننا نتعايش مع كثير من الذين يدفعهم الكسل وحب الذات إلى التقصير في أداء الواجبات الاجتماعية اللازمة ، وينسبون الشقاء الذي يلاقونه إلى القضاء والقدر ، في حين أنهم كانوا يملكون الحرية الكاملة ، ولم يستغلوا هذه الحرية استغلالاً حسناً بل أساؤا التصرف إليها وجلبوا الشقاء لأنفسهم !! ، بعد أن قرر الله تعالى في القرآن الكريم ميزة قيادة الأرض للرجال الصالحون فقط ، كما جاء في قوله تعالى في سورة الأنبياء الآية : 105 [ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر إن الأرض يرثها عبادي الصالحون ] . في حين إن المقصود بالقضاء والقدر يكمن بالسنن الإلهية التي تحكم في هذا الكون ويدار بها العالم ، حيث يفرض القضاء الإلهي الحتمي على العباد ميراث حكومة الأرض ، لكنه يوجب على هؤلاء العباد الوصول إلى مقام الصلاح، الذي هو قدر اختياري واستحقاق تلك الدرجة – القدر - يتطلب العمل لأجله من خلال عدم القبول بالتخلف والسعي للوصول إلى جميع درجات الكمال المادي والمعنوي بفضل الإيمان والعلم ، والتحلي بالفضائل الخلقية والملكات الطاهرة، عبر الجهد والجد لكي يستحقوا لقب الإنسان الحقيقي، وهذا القدر الاختياري ، ليس المقصود بالقدر المتعلق بالبشر ويكون مصيراً حتمياً لا أثر لاختيارات وإرادات البشر فيه ، كدوران الدم في الجسم ودقات القلب. كما إن القضاء والقدر قابل للتغيير والتبديل بحسب مشيئة الله تعالى ، حيث لا تكون بعض الصفات الوراثية مصيراً حتمياً على الإنسان ، وذلك بعد أن يقرر الله تعالى ما يشاء من تعرض هذا الإنسان لبعض العوامل التي يمكن أن تغيّر تلك الصفات ومنها عوامل البيئة والتربية والتعلم .
إن مفهوم الحرية الإنسانية التي تسعى هذه المقالة لبيانه يدل على التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية، والتي تشمل : التخلص من العبودية لشخص أو جماعة أو للذات، حيث وضع الإسلام الأسس التي تكفل التخلص من نظام الرق، وأبطل استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، فلا عبودية إلا لله الفرد الصمد (...وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ...) وأعلن أن الناس سواسية لا يتفاضلون إلا بالتقوى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) .. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) . وفي كل ذلك تقرير لوحدة الأصل مما يقتضي عدم التمايز بالجنس أو الطبقة. كما تعني هذه الحرية التخلص من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض معين، أو التخلص من الإجبار والفرض. ولا يختلف المهتمين بهذا الشأن على مضامين الحرية الإنسانية التي تعددت مناهج دراستها وفقاً للمعايير الفلسفية والقانونية والاجتماعية ، أو من خلال ما تتميز به معانيها الايجابية أو السلبية، فتبرز هذه المضامين في :-
أ . الجانب الفلسفي في القدرة على التحرك واتخاذ القرارات بدون عوامل ضاغطة من خارج إرادة الإنسان ، لا على أساس ربط الحرية بالقضاء والقدر.
ب. الجانب القانوني فأنها تعني القدرة على إبرام العقود وتنفيذ الالتزامات القانونية وفق إرادة الإنسان الحر.
ج. الجانب الاجتماعي فهي تحرِّض الإنسان على رفض الخضوع لإرادة إنسان آخر ، أي إنها ضد العبودية بمعناها العام .
د. المعنى الايجابي للحرية يكمن في توظيف قدرات الإنسان في المبادرة والاختيار إلى أقصى حد ممكن ، فلا بد من سيطرته على الوسائل التي تؤدي لتحقيق مشيئته واتخاذ القرار أو القيام بالعمل المناط به .
هـ.المعنى السلبي للحرية يركز على التخلص ( التحرر ) من التدخل الخارجي عند اتخاذ القرار.
إن إقرار الحرية من قبل الأديان السماوية وخصوصاً الإسلام لا يعني بطبيعة الحال أطلاقها من كل قيد أو شرط، لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى، التي يثيرها الهوى والشهوة ، ومن المعلوم أن الهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه ، ولذلك لا بد من منع الأتباع عنه ، فالإنسان مدني بطبعه، يعيش بين كثير من بني جنسه، لذا لم يقر الدين الإسلامي لأحد بحرية دون آخر، ولكنه أعطى كل واحد منهم حريته كيفما كان، سواء كان فرداً أو جماعة، ولذلك وضع قيوداً ضرورية، تضمن حرية الجميع ، ومن خلال هذه القيود والضوابط ندرك أن الإسلام لم ُيقرْ الحرية لفرد على حساب الجماعة، كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد، ولكنه وازن بينهما، فأعطى كلاً منهما حقه، وتتمثل هذه الضوابط في الآتي :
أولا : ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه.
ثانيا : ألا تفوت الحرية حقوقاً أعظم منها،وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها.
ثالثا : ألا تؤدي حرية الفرد إلى الإضرار بحرية الآخرين.
وبهذا فإن الحرية في مجمل الأحوال نسبية، إذ لا حرية مطلقة تؤدي إلى الفوضى وتطيح بالنظام العام، وتتعارض مع فكرة الدولة في مقوماتها الأساسية .
كما وُتعدُّ الحرية من الودائع الفطرية في بناء الإنسان ، حيث إن الأحكام العقلية تجري بإرادة الإنسان واختياره ، وهذا ما يميزه عن الحيوانات التي تدرك الواقعيات المرتبطة بها عن طريق الغرائز حيث تمثل الهداية الفطرية لله تعالى "إياها ، أي إن صاحب الغريزة يكون مجبراً وليست له إرادة أو اختيار في الأفعال الغريزية ، أما الإنسان فهو يدرك الواقعيات عن طريق العقل دائماً ، فهو حر في تنفيذ أوامر العقل أو عصيانها ، وهذه الحرية هي أعظم ما يميز الإنسان عن بقية الموجودات في عالم الأحياء ، وخير مثال على ذلك – لا الحصر - ما بينه الله في القرآن الكريم من خلال ما جاء في :-
(1) سورة الإنسان الآية 2 : [إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ] . أي خلقنا الإنسان من خليط نطفة الرجل والمرأة ، ثم نمتحنه عبر إرادته العقلية التي هي غير موجودة لدى الحيوانات رغم أنها تتكون أيضاً من خليط من نطفة الذكر والأنثى ، لكن الله يبتلي الإنسان فقط كونه يمتلك الحرية والاختيار.
(2) سورة الإنسان الآية 3 : [إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا] . حيث يستطيع الإنسان أن يشكر نعمة الهداية الإلهية بحرية ويؤدي واجبه على أحسن صورة أو يكفر بالنعمة وينحرف عن طريق الحق والإستقامة .
(3) سورة هود الآية 56 : [مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ] . أي إن المخلوقات الأخرى مجبرة على إتباع المنهج الفطري الإلهي دون زيادة أو نقصان .
(4) سورة الأنعام الآية 153 : [ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ] . وهنا يبين الله تعالى بأن الطريق الذي جرى تشريعه في رسالة الإسلام هو صراط الله المستقيم ، وهناك هداية فطرية تسير بموجبها الحيوانات التي لا تملك اختياراً في سلوكها ، بينما يكون الإنسان حراً في إتباع الهداية التشريعية أو عدم إتباعها .
(5) سورة النحل الآية 68 : [ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ] . ويعبر الله تعالى في هذه الآية عن الهداية الغريزية للنحل بالوحي كونها مجبرة في سلوك طريقها التكويني ، وليس حالها كحال الإنسان الذي يكون مختاراً في سلوك طريقه .
(6) سورة الشمس الآيات 8 – 10 : [ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10) ] . فالإنسان يتنعم من فيض الإلهام الإلهي فيلهمه الله تعالى الخير والشر ، وله الحرية الكاملة في أن يتبع قوانين الله وأحكامه فينال السعادة والكمال ، أو يتخلف عنها فيقع في ورطة الشقاء والفساد .
(7) سورة الزمر الآيات 17 – 18 : [ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (18) ] . وهنا بشر الله تعالى عباده الذين يستخدمون عقولهم في إتباع الهداية الإلهية حيث لهم الحرية في حسن الاختيار.
(8) سورة آل عمران الآية 40 : "[ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (40) ]. ومعنى هذه الآية إن الحرية المطلقة والاختيار الكامل إنما يختصان بذات الله فقط .
ولا يفوتنا هنا التطرق إلى أنواع الحريات الإنسانية التي تقسم إلى قسمين رئيسين هما : حريات الإنسان المتعلقة بحقوقه المادية وحريات الإنسان المتعلقة بحقوقه المادية . وهذا ما سيتم تناوله في جزأين مستقلين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا الأولى عربيا وإفريقيا في حرية الصحافة | الأخبار


.. الأمم المتحدة تحذر من وقوع -مذبحة- جراء أي توغل إسرائيلي برف




.. أهالي الدقهلية يشاركون في قافلة لإغاثة أهالي فلسطين


.. يوم حرية الصحافة العالمي: قتل في غزة، قيود في إيران وسجن في




.. طلاب جامعة مكسيكية يتظاهرون تضامنا مع فلسطين