الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معارضة من أجل الوطن أم ضده؟

محمد جمول

2012 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


مع أني محسوب على المعارضة السورية منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، ومع أني دفعت شيئا مما كان يمكن أن يدفعه أي معارض سوري من سجن وملاحقة ونقل تعسفي وإبعاد عن الوظيفة، ومع أن السلطات الأمنية لم تغير رأيها فيَ حتى هذه اللحظة على ما أظن، ومع أني لم أغير قناعاتي الأساسية بضرورة أن تكون سوريا بلدا ديمقراطيا تحكمه التعددية السياسية والعدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون وحرية الإعلام، مع هذا كله منذ شهور وأنا أسأل نفسي إن كنت قادرا أن أكون معارضا كما صارت كلمة "المعارضة" تعني في هذه الأيام.
حين وجدت أن المعارضة تعني أن تقول عن الأبيض إنه أسود، وحين تبين لي أن عليك أن تتجرد من الأخلاق وأن تكذب من دون حرج ولا تردد، وأن تصر على أن كل أكاذيبك صادقة، وأن ترتكب جرائم يندى لها الجبين بحق البشر لتنسبها لغيرك، وأن تسمي الأشياء بغير أسمائها، تساءلت إن كان كل ما عشته في الماضي من قناعات يمكن تسميته معارضة أم لا. وتبين لي أن النظرة الموضوعية إلى الواقع والوقوف إلى جانب الحقيقة، ولو كانت مرة وتجلب لي الخسارة على المستوى الشخصي، تنفي عني صفة المعارض. ومن خلال ما أتابعه على قنوات التلفاز التي تستضيف غالبية المعارضين السوريين تبين لي أني فقدت صفة المعارض لأني عاجز عن تسمية عمليات خطف النساء والرجال واغتصابهم ( أعني الجنسين، وهذه حقائق وأحداث أعرفها ويعرفها كثير من المعارضين الذين لم يدينوها ولم يتعرضوا لها) أعمالا سلمية وثورية بريئة وطاهرة وتخدم الشعب.
ومع أني استحضرت في ذهني كل ما أعرفه عن ثورات الشعوب العظيمة، وحاولت أن أجد فيها مكانا لاغتصاب الرجال- عدا عن النساء - وقتل الأطباء والمعلمين واختطاف المسافرين على الطرقات أو تدمير الحافلات التي يركبونها وحرق المدارس والمستشفيات، لم أجد فيها مثل هذه الممارسات. على العكس تبين لي أن الثوريين الحقيقيين كانوا يصرون على تطمين خصومهم داخل الوطن قبل أنصارهم بأنهم سيجدون البديل الأفضل في المعارضة التي تسعى إلى بناء وطن يضمن للجميع كرامتهم، ويدافع عن ممتلكاتهم الخاصة والعامة ويقدم لهم نموذجا أفضل من الواقع الذي يجب العمل على تغييره. ولم يكونوا يشكلون فرق موت لقتل كل من ينتقدهم ولو بكلمة واحدة. كانوا على ثقة بأنهم يمتلكون الحجة والفكر والقدرة على إقناع الآخرين بجودة ما لديهم من أفكار وبرامج وأهداف. وبالتالي لم تكن هناك حاجة لمقارعة الكلمة والرأي بالبندقية والساطور والعبوات الناسفة.
مع المعلومات التي بدأت بالظهور في الأيام الأخيرة عن معارضين يساريين يعملون على تمويل المجموعات السلفية التكفيرية بدعم قطري وسعودي وإسرائيلي وبرعاية من تيار سعد الحريري، يشعر كل من اعتنق الفكر اليساري الثوري أنه كان ضحية خديعة كبيرة من بعض قادة هذا اليسار الذي ارتمى في الحضن الأمريكي. خديعة وفضيحة تجعل اعتراف وليد جنبلاط بأنه كذب على جمهوره لمدة 25 سنة موقفا في منتهى الرجولة والصدق والطهر الثوري لأن هؤلاء أقل من أن يمتلكوا شجاعة الاعتراف بخدمتهم لأهداف الغرب الإمبريالي الذي ادعوا أنهم يقفون ضده على مدى عقود من الزمن.
خلال فترة عشتها وسط المعارضة الوطنية السورية، كان واضحا أن القوى اليسارية والماركسية والقومية تأخذ على النظام الحاكم في سورية مهادنته للإمبريالية الأمريكية وعدم اتخاذ المواقف الثورية التي يريدها معظم الشعب السوري. ومن هنا كان يبدو جليا أن الشعب السوري يعرف عدوه جيدا، وهو الإمبريالية الغربية والصهيونية اللتان لم تكونا في أية لحظة إلا عدوا للشعوب عموما، وللشعب العربي تحديدا، وبشكل خاص الشعب الفلسطيني. ومن هنا أجد صعوبة، بل استحالة في أن أكون معارضا يطالب هذا العدو وحلفاءه بحمايتي بعد قتلي وتدمير بلادي وحرمان أحفادي من العيش بعد زراعة أرض وطني باليوارنيوم المنضب كما حدث في العراق وليبيا وكل بلاد دمر الأمريكيون وحلفاؤهم أرضها وشعبها ليزرعوا فيها حريتهم وديمقراطيتهم.
بعد تفكير وتقليب لكل الممكنات والمستحيلات تبين لي أني عاجز عن أكون معارضا على ضوء ما رأيته من غالبية المعارضة السورية هذه الأيام بعد كل مارأيته من قتل وتعذيب وتخريب وتخويف على يديها. وتساءلت كثيرا: إن كانت تقوم بكل هذه الممارسات وهي في طور المعارضة كيف سيكون حالها لو وصلت إلى السلطة؟ وهنا أعني المعارضة التي يصفق لها الغرب الاستعماري ويضفي عليها كل صفات الطهر والنقاء التي سبق له أن أضفاها على عملياته التي قادت إلى إبادة واضطهاد ونهب الشعوب. لقد كنت ولا أزال معارضا لكل خطأ وظلم واضطهاد وفساد وتعذيب من أي جهة كانت، ولكن لا يمكن أن أكون أداة في يد أعداء وطني وشعبي من أجل تدميرهما. وقفت في صف المعارضة عن قناعة وإيمان بضرورة أن يصبح وطني أفضل وأجمل، وفي مواجهة كل خطأ أو فساد، ولم يكن يخطر ببالي أن أكون معارضا أقف في مواجهة وطني وشعبي. فلم يكن يخطر ببالي أن المعارض يدور على أبواب الدول الغربية متسولا يطالبها بتدمير بلاده بعد أن رأى ما جرى في العراق وليبيا وغيرها من البلدان التي نُشرت فيها الديمقراطية والحرية محمولة على صواريخ وطائرات ودبابات الناتو والغرب عموما.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها