الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا كراهية ولا حب مجرد تناقض في المصالح

فداء عيتاني

2002 / 9 / 25
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 
الثلاثاء 24 سبتمبر 2002 17:55

 
هل كان يحق لروما في عهد نيرون حين احترقت بشكل ملتبس ان تسأل لماذا يكرهوننا؟ في العقد المنصرم تكبدت أفريقيا بضعة ملايين من القتلى في الحروب وبضعة مئات الآلاف من الموتى نتيجة الإيدز، ومجاعات تدور بين دول القارة السوداء تحصد بشرا برغم وفرة الإنتاج العالمي، دعنا من أفريقيا. لقد انهارت الأنظمة المالية التي قادتها نظريات البنك الدولي وصندوق النقد في العديد من الدول سيئة الحظ في شرق آسيا وتركيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، سبب ذلك في مئات آلاف حالات الجوع والتشرد والموت والمزيد من التخلف في دول أصلا تعاني من تخلف تقني وحضاري، دعنا من ذلك، لقد شنت حرب ضد العراق الذي اجتاح الكويت وكلفت بعجز في موازنات الدول النفطية الخليجية لا زالت تجاهد حتى تؤمن استقرارها النقدي، وفي ناحية أخرى وأمام دول تترنح سكرى بين نصائح البنك الدولي صاحب البرشامة الطبية الصالحة لكل أمراض الاقتصاد، وبين تخلف حضاري متمادي وسخط شعبي، يقف وزير الطاقة الأميركي ابراهام سبنسر ليحدد للدول النفطية سعر برميل النفط "المقبول والعادل" بينما تكبدت هذه الدول مشقة الاجتماع في كارتيل لتحقيق مصالحها ودراسة "المقبول والعادل" من زاويتها الخاصة.
في نهاية المطاف شنت الولايات المتحدة حربا ضد أفغانستان لا يعلم احد إلى ما آلت إليه من نتائج عدا ع رفع موازنة الدفاع الأميركية إلى 355 مليار دولار واطلاق العنان أمام المجمع الصناعي الحربي لتطبيق برامج خيالية لا يحتاجها احد، وعدا عن إنشاء خط أنابيب بحر قزوين لوصل النفط إلى البحر المتوسط، وإسقاط أية محاولات لدول صناعية ومتخلفة للاعتراض، وإسقاط كل التساؤلات الأميركية الداخلية التي يمكن اختصارها بكلمتين: "إلى أين؟". وقبل كل ذلك ترفض الولايات المتحدة بشدة وطولا الأعوام الست الأخيرة الموافقة على بروتوكول كيوتو الذي يشكل المخرج الوحيد للحد من التلوث على كوكبنا وبالتالي الحفاظ على الحياة على متنه.
هل نسأل لماذا يكرهوننا؟ لا، ان الإدارة الأميركية تسأل هذا السؤال- اللغز، وقد تألفت لجنة خاصة لدراسة الردود والاحتمالات. وذلك بالتوازي مع نفض الغبار عن مشروع حرب النجوم الذي كان يبرره في عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان وجود الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية وتشكيلهما لـ"محور الشر" بحسب التسطيح السياسي الدارج. بينما اليوم يبرر العمل على مشروع مكلف كهذا "محور شر" آخر هو بن لادن ودول مارقة تكاد لا تتمكن من كبح العجز المالي العام وتشكل موازناتها العسكرية السنوية اقل من 5 بالمئة من موازنة الدفاع الأميركية المعلنة، عدا عن موازنات أجهزة التجسس المتعددة في أميركا.
في 22 من الشهر الحالي يكتب الدكتور نبيل شرف الدين في إيلاف منتقدا ما يدعوه "بزنس الكراهية" التي تفجرت بشكل واضح في مصر مع نشر مقالة للسفير الأميركي في القاهرة في صحيفة محلية، يدافع فيها عن سياسة بلاده ويحاول تقريب وجهات النظر وصد الهجمات ان صح التعبير.
السفير الأميركي هو السفير الأميركي، ولمن يرغب بالمتعة في القراءة عن الموضوع اللجؤ إلى روايات غابريال غارسيا ماركيز وخاصة "خريف البطريرك" التي يصف فيها جنرال أميركي لاتيني بمثابة "صوت سيده" بحسب ماركة الاسطوانات الشهيرة، اما في الكلام السياسي فان السفير الأميركي هو من ينفذ مصالح بلاده حتى لو كانت تفكيك البحر وحمله قطعا على سفن البحرية الأميركية (بحسب الرواية ذاتها) انه الذي يقف في بيروت ليقول للبنانيين من من منظماتهم السياسية تشكل إرهابا وتهديدا للحريات حتى لو كانت تمتلك اكبر كتلة برلمانية منتخبة بحرية كاملة من قبل مواطنيها.
هل هناك كراهية؟ لا بالقطع لا، اننا في حالة تناقض في المصالح، وما يذكره الدكتور شرف الدين حول الغباء في التحدث عن صراع الحضارات صحيح بالمطلق، فقد تم القضاء على كل الخيارات الحضارية الأخرى، اليوم نحن نعيش في تناسق حضاري شبه تام، ثمة خيارين، وبحسب التسطيح السياسي والفكري الأميركي السائد، هناك "نحن" و"هم"، طبعا التمايزات الحضارية لا تزال قائمة، ولن تختفي بالكامل، فحتى الهنود الحمر في اميركا الشمالية والجنوبية لا زالوا بشكل ما يحتفظون بملامح حضارية، الا انها تعرضت لتصفية كاملة من حيث الفعل الحضاري، والان اـ"لنحن" والـ"هم" السائدة تعني نمط الحياة الأميركية ونمط حياة التخلف، وفي الواقع الواحدة تؤدي إلى الأخرى. لقد سقطت كل أنماط الحياة ما عدا النمط الاستهلاكي الحالي، وأصبح المقياس هو القدرة على الاستهلاك حتى في دول غير منتجة، وربما خاصة في الدول المتخلفة غير المنتجة، اما الحديث عن صراع حضاري فينقصه التواضع والتبصر، لا حضارات بعد الان، ثمة استهلاك واسواق تحكم شوطها الوجود أو العدم، فحين تعصف الحروب الأهلية في افغانستان لا احد يكترث، انهم قبائل لا يمكنها استهلاك المنتجات الحديثة، ليس لتخلف متأصل، بل لقدرات شرائية متدنية، حتى اسلحتهم يرثونها من التركة السوفياتية، اما التدخل المباشر في افغانستان فهو موضع مراقبة وتحليل اعلاميين، فهناك تعمل الالة العسكرية مستهلكة كل التقنيات الحديثة، وتتطلب تطويرات سيكون المجمع الصناعي الحربي الأميركي والغربي أكثر من سعيد بتلبيتها، بالسعر المناسب طبعا.
هل نكره نمط العيش الأميركي؟ لا بالقطع لا، نحن نكره ان يتحول كتابنا إلى واحدة من اثنين، الزعيق ضد أو الزعيق مع، ان كتابنا الصحافيون ولقلة الاستثمارات المالية في المهنة وبالتالي ارتفاع المنافسة بين ابنائها، يرفعون عقيرتهم ويدبجون مقالاتهم في الشتم والمدح، ولا طرق اخرى للفت الانتباه، ولا للحفاظ على الوظائف والمكاسب، شتم السفير الأميركي أو مدح الحكام، شتم إسرائيل أو مدح السلطة الفلسطينية الصامدة البطلة شتم ياسر عرفات أو مدح فلسطين والعمل الفدائي الاستشهادي، انها وجوه العملة نفسها المصبوبة من نفس القالب واسمه: ارتزاق.
طالما ان شعوبا باكملها وبرغم غرقها في التخلف المتعدد الاوجه تتلمس تناقض مصالحها مع الغرب الصناعي، وهي تعبر كل حقبة عن هذا التعارض باللجؤ إلى بدائل معينة، فان الاعلام الذي يستثمر فيه ندرة من اموال وكثرة من مكاسب نصف شرعية (أو في المنطقة الرمادية بين الشرعي وغير الشرعي) يعمد إلى التعبير المفرط عن اتجحاهات الرأي العام من ناحية (على وقع الشعار التاريخي: الجمهور عايز كده) وتوفيقها مع مصالح الدول بانظمتها المشكوك دائما داخليا وخارجيا بشرعيتها. فنصل إلى مقالات في شتم السفير ومطالبة الحكومات بمواقف، الموقف ممن اصبح بمثابة ولي نعمة وضمانة استمرار لانظمة لا تناوب على السلطة فيها، ككل الدول العربية، وكل الدول المتخلفة عامة.
وحين تشتد الازمات تختار الشعوب في ردود فعل عشوائية الراديكاليات، القومية العربية، الماركسية، الإسلام، كل ذلك سيء للأنظمة، ويسر السفير الأميركي، غدا سيأتيه الحكام طالبين الضمانات، غدا ستشرع اسواق الأسلحة في المزيد من النمو، ثمة تظاهرات محتملة في الشوارع يجب قمعها والقمع أكثر من الحرب يستلزم تقانة عالية، انها اسواق جيدة للتقانة، وشعوب ناكرة للجميل تجاه حكامها.
هل هي مؤامرة؟ بالطبع لا، انها حركة عجلة اقتصادية مستمرة منذ مئة عام وأكثر، انها طبيعة التنظيم البشري الذي نعيشه، انها مجحفة ولكن لا يحلمن احد بتغييرها، تذكروا (بالمناسبة مع محاكمة بينوشيه في التشيلي) تذكروا الليندي، حين اضطرت المخابرات المركزية للتعاون مع شركة أي تي تي الهاتفية لاقناع سيلفادور الليندي بالعدول عن اجراء تغييرات جذرية، و"تطرف" الجنرال بينوشيه فأودى بحياة بضعة عشرات من الالاف من التشيليين الذين لم يكتشف حتى اللحظة ماذا حل بهم بالضبط، تذكروا عبد الناصر القائد المحبط، والمهزوم، تذكروا ياسر عرفات بمسيرته المكللة بالهزائم والتنازلات، تذكروا البوسنة الهرسك حروب الخليج مشادات اسعار النفط سلسلة التدخلات المعلنة والمستترة الأميركية في انظمة حكم حول العالم.
كل ذلك يدفع إلى التساؤل، لماذا يكرهوننا؟ هذه المرة نحن من نسأل هل تستحق العملة حتى لو كانت صعبة كل هذه المسيرات من القتل وفرض استمرار التخلف الحضاري والتقني على شعوب الارض، عداك (مرة اخرى عدا عن) تهديد مصير الكوكب بالفناء نتيجة سؤ استغلال الطبيعة؟ نعم، من زاوية قصر النظر البشري نعم.
اذا من المبرر تماما ان تأتي ردود فعل صحافيين في بلاد متخلفة على قدر من استهلاك الادرينالين في الدم، وفي استخدام الاعصاب بالكتابة بدل استخدام الدماغ في التفكير، انه منطق الاشياء، والحديث عن موضوعية الاعلام ترف يصح على الخبر، وينتفي عن أرض الواقع.
عذرا حضرة السفير الأميركي أينما كنت، لا كراهية ولا مشاعر عدائية، انه مجرد تناقض في المصالح.
خاص بأصداء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: فكرة وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة غير مطروحة ق


.. استقبال حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة




.. أسرى غزة يقتلون في سجون الاحتلال وانتهاكات غير مسبوقة بحقهم


.. سرايا القدس تبث مشاهد لإعداد وتجهيز قذائف صاروخية




.. الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يترشح لانتخابات الرئ