الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد النقد لقصيدة - موسيقى - للشاعرة بشرى البستاني

نازك ضمرة

2012 / 6 / 30
الادب والفن



نقد النقد
لقصيدة الشاعرة بشرى البستاني
والمعنونة ((موسيقى))
**
نازك ضمرة / أمريكا
**
قرأت الدراسة النقدية عن قصيدة " موسيقى " للشاعرة بشرى البستاني والمعنونة " تحولات الجسد ..قراءة في قصيدة موسيقى للشاعرة بشرى البستاني " وكان النقد للدكتورة منال البستاني في الحوار المتمدن العدد : 3764 في 20 / 6 / 2012 ، وسجلت عليه بعض الملاحظات منها أنني لا أتفق مع الناقدة البستاني في الإصرار على غموض النص الشعري المعنون " موسيقى " لتطيل شرحه وتفنيد مفرداته ومعانيه تفكيكا وتركيبا وبحرية وإلباس كتابتها النقدية لباس البحث العلمي والذي قد يؤذي مثل هذا النص الأدبي الجميل، وربما لتفرض على القارئ نمط تفكيرها وفهمها للنص، فنحن لسنا أمام نص سوداوي حتى نخفف الصدمة بتهدئة أعصاب القارئ أو السامع، وتريح أيا منهما وانفسنا من عناء البحث عن مفاتيح للنص الشعري الذي بين أيدينا، وهو اليوم نص للشاعرة الكبيرة بشرى البستاني، وربما كون الناقدة منال البستاني قريبة من الشاعرة، وربما تعرف الكثير عن شخصيتها وهمومها وما يرضيها وما ينكدها، لذا أعطت نفسها المزيد من الحرية في الخوض بمواضيع ومواقف قد تزيد النص تعقيداً، ونخشى التقليل من دور القارئ، لذا أرادت أن تجعل من النقد درساً تعليميا ، تضمنته شطحات وفلسفات ليست بالضرورة لازمة لتحليل هذا النص الساحر، ولسنا متأكدين إن كانت تريد إثارة الجدل، أو تحجيم دور القارئ بتشتيت ذهنه، وإنقاص قدرته على استخدام ملكاته للاستيعاب والاستمتاع بهذا الشعر الذي يحكي رحلة تستوعبها قصة قصيرة نموذجية جاذبة، لكنها عصارة فكر بشكل مضغوط ومركز، ونستعجل القول بأن القصيدة أدت كل ما أرادته الشاعرة.
إن القارئ المنجذب لهذا النص سوف يتحرك بحرص وأناة للاستمتاع بطلاوة هذا الشعر، يستظل بظلاله، ويحاول أن يتعايش مع هفهفات الأرواح والأنفاس التي تتحرك داخل النص، والشاعرة ترسم اللوحة الفنية بنبض فلكي ساحر، فتحملنا عبر خيوطها وخطوطها العنكبوتية، أوهي خيوط شعاعية إشعاعية، وكأنها تعيد خلق حدث من جديد، يوصلنا عبر التعايش معها او فهم مساراتها إلى ومضة التنوير التي تريح نفوسنا في نهاية النص، هذه القصيدة هي نموذج للشعر الإنساني العاطفي العفوي، وفي الوقت نفسه دواء شاف للنفوس المريضة والمتعبة، وهنا نشير إلى أن الشعر الجيد هو شفاء للنفوس حين يكون ملامساً لشغافها، وشفافاً يكشف الصدق والبراءة والإيمان والقدرة الخارقة لدى مؤلفة النص، وسنكتشف مدى تمسك هذا الشاعر أوالشاعرة بخيط طائرة التحليق المزينة والمجملة وهي تتراقص في الفضاء الرحب مخترقة المسافات والأجواء، حرة تسمو إلى الأعالي وهي تمتطي صهوة الريح، وبرغم مغالبته لها، ومحاولته صدها والعبث بمساراتها والتحكم بها، إلا أنها هي التي تستفيد من هذه المعاكسة، فتتراقص الطائرة المحلقة متحررة في عالم خاص لها وبها، لا رقيب ولا معارض ولا معيق كالحلم، وهنا نحلق بأرواحنا وعقولنا معها ونحن نقرأ نص بشرى البستاني، هذا الخلق الشعري الإبداعي، عبره ننسى همومنا، وتتداعى الذكريات والأحبة والأمنيات إلى عقولنا، فنحس ببعض الطيش والعطش والشوق لمرافقة هذا التحليق الملائكي، وبهذا يدخل عنصر الشفاء إلى قلوبنا العليلة والمصدومة لكثرة ما أصابنا من إحباطات سابقة، او ضغوط من مصادر مختلفة بشرية ومعيقات طبيعية او مخلقة، فالشعر ليس خطاباً توجيهياً أو خطابياً أو تصريحاً لحالة حقيقية، بل هو أفكار تتوالد ونبضات لا إرادية وعفو الخاطر في لحظة تركيز وضغط نفسي ومعاناة تحت تأثير حزن او هم أو حتى فرح منتظر أو حاصل، وبقليل من رقابة داخلية من أعماق الشاعر، فيتوالد النص الصادق حراً متكاملاً ليكون نصاً علاجياً لنفوسنا، فالنص هنا إشعاعات مريحة ومقلقة في آن واحد لمن يملك ناصية القول، وقد يتوارد إلى ذهن القارئ بأنها تشويش أو خطاب شرودي، لكنك حين تمسك بطرف خيط طائرة الورق المحلقة، يعتريك الإحساس بالتصحيح والتلميح والتصريح. وتسمو روحك وأحاسيسك إلى موقع الحدث ونشاطات تلك الطائرة بمشاعرها السماوية الطليقة، ترى وتسمع أنينها والتواءاتها وهفهفات تحركها شمالاً ويميناً، هروباً واندفاعاً، رفرفة وجموداً، اقتراباً وابتعاداً، علواً وهبوطاً، فتكتمل الصورة الملونة والمخلقة عبر النص الذي تداخل في وعيك وعينيك، فرسخ في أعماق مشاعرك.
وليست حقيقة معرفة الشاعرة أو الشاعر معرفة شخصية عن قرب بضرورة لتكشف ما يقوله الشاعر وما في دواخله بشكل مفصل أو بشرح طويل، كما يبدو ، ولا أتفق مع الناقدة في إقحام مريم العذراء على مجال هذا النص وعوالمه الشاعرية، مع أنني أكبر الخيال الخصب والقدرة الفنية الأدبية والنقدية الحسية وغير الحسية الذي ظهر عبر سطور الناقدة منال البستاني ، وفي فكرها ، وخلال اجتهادها المخلص للدخول إلى عالم النص والوصول إلى تفاصيل تتخيلها، أو تضفيها من جانبها ومن صدى قراءتها ، وأضيف بأن إدخال الثوب الأخضر على مجال النص الذي بين أيدينا هو تدخل من الناقد، وينأي بالنص عن الجو الذي أرادته الشاعرة، والثوب الأخضر له معان كثيرة قد نضطر للتطرق لها لاحقاً، مع مراعاة أن هناك غصوناً تهفو في أجواء النص الشعري الذي نحن بصدده، والأغصان التي تهفو نفهم انها غضة طرية مرنة، وليس شرطاً أن تكون خضراء، لأن أوراق الغصون هي التي تكون خضراء. لكن مثل هذا التمادي يبعد النص عن البؤرة التي تتحرك في وسطها الشاعرة، فترى انقشاع الظلمة وبروز النافذة لدخول الهواء المنعش والمتحرر والذي يحمل أخباراً سارة تغير مود الكآبة الذي غالب الشاعرة طويلاً.
ولا نقصد هنا توضيح هذا النص الجميل، ولا شرح ما أرادت شاعرتنا بشرى البستاني إسعادنا به، وذلك حتى يستمتع كل قارئ به حسب رؤاه وخبرته وثقافته ومركزه الاجتماعي، وظروفه النفسية وما يحيط به او بها.
ثم إن التطرق إلى الذكورية والشمس والقمر وأيهما الذكر وأيهما الأنثى، هو كلام يعتمل في نفس الناقدة، ولا يمت للنص بصلة، وأخشى أن يكون غير ذلك . . . . ..
وأخيراً إن مجرد عنونة القصيدة بمفردة (موسيقى) تقربنا كثيراً مما أشرنا اليه في مواقع مختلفة من السطور القليلة السابقة، والموسيقى سماع وإحساس وتماسك وانسجام لا تمسكه اليد، إراحة للنفس وشفاء لها، والإبداع الشعري لا يستشير التاريخ ولا ينتظره، ولا حتى المعتقدات ولا الأديان، وإن عبرت عن الطبيعة فالنص والكلام هو سيد الموقف، وتزدهي الطبيعة بجمالها لأن الحواس أوصلت الرسالة للعقل، فكان الكلام هو الذي خلد ذلك الجمال، والشعر والإبداع الموسيقى هو مادة خلود لأنهما مشاعر وأحاسيس تتوالد في أعماق النفس البشرية بصدق وعفوية.
وفي المحصلة إن مجمل نقد النص هنا هو تدخل سـيكولوجي في تركيبـة مشـاعر الشـاعرة بشــرى البستاني، ودعوة منسابة بمنهجية مقننة لانسـحاب صـوفي ضاغط ومنكفئ، عبر الشــعور بأقصـى إبداع وإنتاج ، وهو ما يســمى منتـهى الإحساس بالوصــول والكمـــال complacency ، وهذا ما يقلق الرجل كمعادل كامل للوجود ككل. إذ إن العمار والخراب والنمو والدمار كله بيد الإنسان بجنسيه الأنثوي والذكوري، ولأجل الحفاظ على بقائه، وليس لغير ذلك.
ثم إن التجربة الشعرية ماهي إلا حياة أو إعادة حياة، وليست موتاً كما وصفته الناقدة، بل هي تعبير عن الخلق والإبداع والتواجد وحتى المشاغبة، ومما جاء في مقال الناقدة منال:
(فالتجربة الشعرية ليست إلا موتاً يعتصرها لكن الشعر غذاءٌ روحيٌ يحقق لها الانسجام الكامل مع الذات ومع الآخر، وبعذرية الشعر تتخصب الروح، لأن الشعر لا يخضع لقوانين الطبيعة بل يجسِّد فيها الفعل الإلهي ووحدة الذات. فالشعر هو الوحدة الكونية الفعّالة، وهو القوة الروحية الأنثوية، وهو أمواج الطاقة الإبداعية التي تتدفق عليها من علو..)
وفي رأينا، لا ضرورة لوصف حالة نفسية برزت بإضاءة شعرية بأنها تجسيد الفعل الألهي، كما جاء على لسان الناقدة منال البستاني في الفقرة التي بين قوسين أعلاه، فنحن بشر وسنبقى، ولا نستطيع إلا أن نعيد إنجاز ما فعلناه أو تمثيل ما تمنينا أن نفعله، وللقارئ الموازنة والشاعرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا


.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا




.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر