الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة

جابر السوداني

2012 / 6 / 30
الادب والفن


قصة قصيرة

عيدان عامل بناء فقير من أهل الثورة يكدح بشرف ويجني رزقه بعرق جبينه لم يؤذي أحدا طوال عمره وحيد ليس له إلا زوجته وأربع بنات جميلات وطالبات مدارس كان يحبهن ويحسن تربيتهن ويحرص عليهن ويصطحبهن معه في الأعياد إلى زيارة المراقد الدينية والمتنزهات ، وهن يجتمعن حوله حين يعود عصرا من عمله يمسحن عن وجهه عناء يومه المتعب ويقاسمهن طعامه ويمازحهن بإلفه تجعلهن مطمأنات للمستقبل ،
ظل عيدان سعيدا وراضيا حتى جاء المشؤوم مسؤول البعث في القطاع الذي يسكنه عيدان وبلا سبب أو مبرر ناصبه العداء وكان لا يفوت مناسبة من مناسبات البعث الكثيرة إلا ويطرق باب عيدان ويهدده بالسجن إذا لم يشارك فيها فمرة يوم النخوة ومرة يوم الزحف الكبير ومرة يوم الفتح الخطير ولخ وعيدان كان يتقيه بلباقة ومسكنة وذات يوم طرق هذا ألبعثي باب عيدان في الساعة الواحدة ليلا ومعه مجموعة من صغار العبثيين مسلحين ببنادق كلاشنكوف ويرتدون بدلات عسكرية (زيتوني ) فتح عيدان الباب فأحاطوا به وسحبوه بصمت بعيدا عن باب منزله وزجره مسؤول القطاع وقال له يا عيدان أنت رجل خارج على (خط الحزب والثورة)
فأيقن عيدان بخطورة الأمر والتفت إلى الوراء لعله يحظى بنظرة وداع من وجوه بناته وزوجته لكنهم سحبوه ولما أحس بالضعف ابتلع ريقه بصعوبة وقال برجاء واستعطاف (استحلفكم بروح الحسين أن تعفون عني أنا صاحب بنات ورجل كبير السن ومستعد أن ادخل في - خط الحزب والثورة- )
فرد عليه مسؤول القطاع ( عليك أن تتطوع في قاطع للجيش الشعبي وتذهب غدا إلى جبهات القتال وبذلك تكون قد وضعت قدميك تماما على بداية (خط الحزب والثورة )
بعد أن وصلوا به إلى مقر المنظمة الحزبية انقطع رجاءه من عائلته وأمضى بقية ليلته محتجز وخلال ساعات الليل تزايد عدد المحتجزين معه ووضعوهم في حافلات مدنية تحيطها قوة من الانضباط العسكري حتى لا يتمكن احد من الهرب وتم تزويدهم بالتجهيزات العسكرية والسلاح وقبل شروق الشمس تحركت الحافلات متوجهة بهم إلى قاطع ( الشوش ) وبعد مسيرة تواصلت حتى متنصف النهار توقفت في احد مقرات القيادة الرئيسية للجيش وأمروهم بالترجل وارتداء الزي العسكري ثم شحنوهم في سيارات حمل عسكرية نوع إيفا لتواصل بهم المسير نحو الحدود العراقية الإيرانية في منطقة الشوش
في الغروب وصلت بهم الإيفات إلى نهاية المطاف لم يخطر ببال عيدان أن هذه هي ليلته الأخيرة في العراق وان العودة إلى زوجته وبناته أصبحت مستحيلة ومع طلوع الفجر اجتاح الإيرانيون قاطع الشوش برمته وأسروا عشرات الآلاف من أفراد الجيش الشعبي بضمنهم (عيدان ومسؤول القطاع أيضا ) وتمكن الإيرانيون من إخلاء الأسرى وأرسلوهم إلى العمق الإيراني ، ولما شاهد عيدان مسؤول القطاع محتجزا معه في قفص الأسر شعر بالقلق وقال وهو يطيل النظر إلى السماء (اللهم تعهدني برعايتك الكريمة وارحمني برحمتك يا ارحم الراحمين ولا تسلط عليّ هذا ألبعثي يظلمني مرة أخرى ) ثم قال مع نفسه إننا في الأسر وإذا آذاني لن اسكت له انه بعثي ولا يستطيع أن ينكر
وفي اقل من أسبوعين تحققت مخاوف عيدان وانظم ألبعثي إلى جماعة التوابين وأصبح يتنمر من جديد بطرق عجيبة غريبة وذات مرة جاء إلى عيدان وقال له ( اسمع يا عيدان أنت رجل خارج عن - خط الثورة والإمام -)
فرد عيدان قائلا ماذا حدا مما بدا بالأمس كان (خط الحزب والثورة) واليوم أصبح (خط الثورة والإمام) لكن التوابين سحبوا عيدانا من فراشه في الليل وضربوه بقسوة حتى أدموا انفه ورأسه وتورمتْ عيناه ثم أعادوه إلى فراشه وانصرفوا عنه
أمضى عيدان بقية ليلته يئن وفي الصباح استجمع كل شجاعته وذهب إلى العبثي التواب وصاح به أمام الجميع (ماذا تريد مني؟ في العراق كنت تركب على ظهري وهنا أيضا تركب على ظهري؟) فقاطعهُ التوابُ قائلا ( وعندما نعود من الاسر إلى العراق سأضل أركبا على ظهرك أيضا لأني أصلح لكل الأزمان والمناسبات )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية


.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال




.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه


.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو




.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال