الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسات التمثيلية وإشكال الديمقراطية

سامر أبوالقاسم

2012 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


مع توالي الوقائع والأحداث المرتبطة بالممارسة السياسية غير السليمة لكل من الحكومة والبرلمان، والدخول في بؤرة افتقاد بوصلة إرساء مقومات الدولة الديمقراطية الحديثة كما تصورناها إبان التصويت على الدستور الجديد.

وفي ظل التخبط الحاصل في الأداء الحكومي المفتقد لإستراتيجية إصلاحية مضبوطة وواضحة، والأداء البرلماني المطبوع بالارتجال وعدم الانسجام، والتعليق المتتالي لحاجات وانتظارات الكتلة الناخبة إلى أجل غير مسمى، والعودة إلى خيار إثقال كاهل المواطنين بالزيادة في أسعار قوته اليومي.

ينتصب النقاش اليوم بقوة حول الديمقراطية التمثيلية وأزمتها العميقة في حالتنا الوطنية، ويعود التداول في شأن حقيقة تجسيد هذه الديمقراطية للإرادة الشعبية والحق في مشاركة الأغلبية في القرارات التي تهم الشعب المغربي بكل فئاته وشرائحه.

الوضع السياسي والاجتماعي اليوم، يحبل بكل الدوافع التي ترغم العديد من الفئات على العودة إلى الضغط على الحكومة بملفات مطلبية آخذة في التوسع والانتشار، وهو ما يعود بالفاعلين السياسيين والاجتماعيين من جديد إلى طرح التساؤلات الجوهرية حول ماهية الديمقراطية التمثيلية وأزمتها.

فمن الأمور المقلقة الآن، عدم القدرة على تخمين حدود التأثير السلبي المتوقع للردود الشعبية الرافضة لإجراءات وقوانين ومشاريع حكومية، ولتراجع الحكومة عن مجمل الوعود الانتخابية لأحزاب الأغلبية، ولأسلوب تصفية الحسابات داخل البرلمان بين مكونات الأغلبية والمعارضة، وهو ما يعتبر في منطق التحليل السياسي الرصين تهديدا للديمقراطية، خاصة وأن المفترض في الحكومة هو كونها نتاج صناديق الاقتراع، ونتاج تصويت أغلبي على برنامج والتزامات قدمتها أحزابها للأمة في استحقاق انتخابي.

إن ضغط فئات من الشعب المغربي اليوم على الحكومة والبرلمان، بشكل مباشر أو عن طريق التمثيلية النقابية وغيرها، بخصوص الشغل والسكن والصحة والتعليم.. يطرح إشكالا جوهريا، فالإذعان له يعتبر إذعانا خارج منطق الديمقراطية التمثيلية، وعدم التجاوب معه، بل ومقابلته بقرار الزيادة في الأسعار ـ يعتبر طعنا في جوهر الديمقراطية التي هي أصلا قائمة على خدمة الصالح العام والتزام الأغلبية باتخاذ قرارات شعبية مرتبطة بتحسين أوضاع المُنتخَبين.

وعلينا نحن كمغاربة، أن نستحضر دائما درس ما عرفته العديد من بلدان العالم من حراك اجتماعي، أدى في بعض الحالات إلى إسقاط أنظمة حكم عمرت طويلا، أخذا بعين الاعتبار ـ طبعا ـ اختلاف الظروف والمعطيات، وتفاوت ما حققه هذا الحراك من إنجاز على أرض الواقع، من أجل الوصول إلى اتفاق حول منهجية التعاطي مع إشكال الديمقراطية التمثيلية عموما، التي هي اليوم محط تساؤلات عميقة، أكثر من ذي قبل.

إن النظام التمثيلي كمفهوم، لا ينبغي التعامل معه بعد التعديل الدستوري الأخير كما كان قائما في تجربة بلدنا في السابق، أي بعيدا عن لعب الأدوار والوظائف المنوطة به، وفي منأى عن ممارسة الاختصاصات والصلاحيات التشريعية والرقابية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا، بما يضمن نوعا من الحماية الاجتماعية لمختلف الفئات والشرائح داخل المجتمع.

فالضجيج الذي تعرفه المؤسسات التمثيلية اليوم، هو محط نقاشات عمومية واسعة تعكسها مختلف وسائل الإعلام، خاصة وأن دور الوساطة ـ الذي من المفروض أن يلعبه البرلمان بين الحاجات والانتظارات والطموحات الشعبية وبين مضمون وشكل تدبير السياسات العمومية من موقع مؤسسات الدولة ـ يتم تهميشه بالانشغال بقضايا تهم بالأساس الحسابات الضيقة للفرقاء السياسيين.

من هنا يتضح أن مثل هذا التقصير من البرلمان في أداء مهامه تجاه مجتمعه، من حيث تحمل المسؤولية في تمثيل شعبه، ونقل هموم معيشه اليومي، والتفاعل مع مطالبه المستجدة، والبحث عن حلول للمشاكل ذات التأثير على استقرار وضعه المادي والاجتماعي والنفسي، وتوجيه العمل الحكومي لما فيه المصلحة العامة للشعب، له من قوة التأثير السلبي ما يجعله يشكل سببا في مآلات أوضاع بعض البلدان التي عرفت حراكا اجتماعيا عاصفا.

فالبرلمان اليوم، كما باقي المؤسسات المنتخبة، مع هذه التفاعلات الجارية، ومع هذا الأداء المنحرف عما هو موجود من أجله، يمكنه فقدان مصداقيته فقط لعدم تركيز أهدافه المرتبطة بأدواره، خاصة في مجال خوض معارك التمثيلية الحقيقية، في إطار استراتيجية مواجهة الإكراهات ورفع التحديات من أجل قيام مجتمع العدالة وتكافؤ الفرص، وكسر احتكار الشغل والتعليم والصحة والسكن، وبناء اقتصاد وطني قادر على محاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي.

إن البرلمان المغربي يسير اليوم في اتجاه تعميق الهوة بينه وبين منتخبيهم، وإضعاف أدائه التمثيلي، وابتعاده عن الاهتمام بظروف عيش المواطنين، وهو ما قد يترك الفرصة سانحة للحكومة للاستمرار في عدم مراعاة حاجات الشعب ومشاكله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة