الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في السوقِ الجَديد ....

ابراهيم البهرزي

2012 / 7 / 1
الادب والفن



هذهِ البضاعة لم تكن ْ رائجة ً يا صغيري
فخمة ً وغيرُ اصيلةٍ ! ...


الانَ وانتَ تقتادني عِبْرَ رطانةِ الالوانِ
لن اكشفَ عن عمايَ الا للشايِ الاسود ِ
في ذلكَ الركن الذي لم يعد موجودا ً
ككلِّ الاركان....
على دكةِ الصيرفيِّ
حيثُ مكانَ السَماورِ القديم ِ
بالضَبط ِ قربَ نقطة ِ الشرطي ِّ
حيثُ مكتبة َ الشاعرِ المهاجرِ .....


هذ ا المُنادي الذي اسمَعَه ُ
ببحَّته المُخَنّثة ...
مُنادي الصُحف ِ هذا
وبائعَ الاكياسِ الورقيّة ِ قديما ً
كانَ نادلنا الصَغير , أيّامَ تلكَ التكية ِ
كانَ يَسْترقُ السمعَ لمكاشفات ِ الكأسِ الاخيرِ
ويُعَبّؤها في اكياسِ الورقِ
زُوّادة ً لنداءاتِ السوقِ الجديدِ ....
ها أَسمَعُ بَحّته ُ الخليعةَ , كبير ُ السوقِ يبدو ! ,
يطوفُ حَوله ُ غلمان ُالازمنةِ المتداولةِ ....


عاملة ُ الكوافير ِ, كانت رفيقتي القديمة َ
(ليسَت ْ رفْقةً دَنسَةً بمعنى الكلمة ِ ياصغيري !, ولكنّها رفقة ً على أيِّ حال ...)
هي التي اسمعها تروّج ُ لمستحضراتِ التجميلِ ,
لا بأسَ كما سمعتُ مِن اهل ِالسوق ِ
أَنَّ مناضلة ً جَيّدةً لا بدَّ أَنْ تكونَ على قدرٍ من الجَمالِ... ,
وتلكَ الشاعرة ُ لماذا ؟
أَلَمْ تكن مُكتفيةً عن هذا الانتشارِ الرخيص ِ
بتلك َ الزاوية ِ المصونة ِ التي ابتكرناها ؟
والارملةُ الشبقةُ التي كنا نسترُ شهوتها بصالونٍ مُغلقٍ ..
اما كانَ أجدى منَ التصابي على المَنصّات ِ؟



ليس َ مُهمّا ً عندي أنْ تكتشفَ كم كنت ُ ماجنا ً ياصغيري
ليسَ مُهمّا ً ابدا ً
كانت ْ مُجوناتي صَغيرة ً وسرّيةً ,مستورة ً بالتراضي ودَفعِ الاذى ..
أُعطي بلا مِنّة ٍ وآخذُ مِن ْ غيرِما هِبَة ٍ
لا مُناديا ً
ولا مُساوما ً
ولا مُنتقماً أكسرُ عظمَ غريمي حين أخسرُ الرهان ...



القيظ ُ في السوقِ يمنحُ رائحة َ الاجسادِ غيرَ رائحة َ التعب ِ القديمةِ ,
رائحةَ قتلى مغدورين َ وأناثٍ مُغتصَبات ٍ ,
رائحة َ الانكشاريِّ القديم وجُورابَه ُ المتعفّنُ بالدم ِ
وروثُ الخيولِ يتناثرُ من سلالِ الفاكهةِ ,
سروالُ الفلاحِ المُنقّعِ بالعَرقِ والمَني وقمامَة ُ أبطِ الفقيهِ مُلبّنَ الشفتين ِ
تخطفُ عَبقَ النعناع ِ وبَرقَ البطيخِ الذي يَخطف ُالشميم ...



باعةٌ يخبؤن َ تحت َ نعومةِ نداءاتهم عَبَوات َالمكيدةِ الناسفة ِ
وَشُراة ٌ تتخاطفُ فكرة َ النهبِ عيُونهم
والشحّاذ ُ المستكينُ يترقبُ جَنّة َ الفوضى
والعابرون َ, هُم العابرونَ
يلتقطونَ صورة ً للسُوقِ
من اجلِ ارشيفٍ فولكلوريٍّ
يَعينُ على وحشةِ المنفى ....



هل تصدّقُ يا صغيري ان َّ وفرةَ الالوانِ
مُقدّمةً صحيحة ً لاجتراحِ الجَمال ؟
كانتْ الالوان أقلَّ , ولكنّها أكثر !....
كانَ الباعة ُ أقلَّ صَمتا ً
والشراة ُ أقلَّ يدا ً
لكنَّ السوقَ اَلقديم
كانَ أكثرُ عطراً بقليلِ الفاكهة ِ
لان َّ الشاري لم يكن البائعَ نفسَه ُ
والبائعَ لم يكن الفلاح نفسَه ُ
والفلاحَ لم يكنْ الفقيه نفَسه ُ
والفقيهَ لم يكن الشرطيَّ نفسَه ُ..
كان هناكَ من يستحي انْ يبيع َ ويشتري
وكانت هناكَ ثمَّة مقهى
حيثُ نقطةَ الشرطيِّ
لمن لا يدّعونَ مِهَنَ سواهم
كانوا يشربونَ الشايَ الاسود َ وينتظرونَ مهنتهم الصِرفَة َ
بالاملِ ينتظرونَ وبالجَسارة ِ
لكنّها مِهنهُم ْ هُم ُ...


هذهِ البضاعة ُ لم ْ تكن ْرائجة ً ياصغيري
فخمة ً جدّا ً
مُقبضةً
لا عِطرَ لها
لا زَنِخاً ولا شَذيّاً....

29-6-2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بكائية على زمن لن يعود
فاتن واصل ( 2012 / 7 / 1 - 14:09 )
تنشقت روائح القصيدة كلها واستطعت بدخان كثيف ينبعث من بين السطور أن ارسم لوحات ولوحات ، وفى لحظة أصابنى الدوار ولحظة أخرى اعتصرت الروائح معدتى فلم تبقى فى جوفى سوى الطعم المر ، ياللحسرة على السوق القديم ... منذ متى وانت قابع ترسم بكاميرتك الحساسة تلك وقع كل الدقائق والساعات ..!! انت تسحب من الزمن روحه وتحفر قبرها بكلمات تعصى على المعانى فلا يمكن ان يغلق القبر بل تتحول الحياة كلها الى قبر .. فى أى الزوايا كنت تجلس لتسجل ما سجلت بهذى العين شديدة الخبث شديدة العبقرية ... يا انسان العراق الاول البدائى شديد التحضر كلماتك أسرت كل ما تبقى بى من شجون.. قلمك فذ.


2 - إبراهيم البهرزي يسرد اللحظة القادمة شعرياً!
أحمد الناصري ( 2012 / 7 / 1 - 14:25 )
يا إبراهيم مشروعك الشعري يعيد التوازن للمشهد المخرب والمقلوب، عدا عن أنه مساهمة بالشعرية العربية وجدلها الاسلوبي وكقضية لغة أستثنائية تتحقق بالشعر. أنت تعيد للمشهد معناه الأصلي والمحتمل رغم قتامة اللحظة!! مودتي المعهودة.


3 - روح مبدع
عبله عبد الرحمن ( 2012 / 7 / 1 - 15:07 )
تحياتي للشاعر المبدع ابراهيم البهرزي
رسمت لنا صورة قاتمة ، لفظها مبحوح ، الوانها فخمة لكنها اصطناعية لا روح فيها
ثمة امل مكسور ، ثمة دموع لا نستطيع ان نقبض عليها ،ثمة عمى لا يضيرنا ان نكشف عنه لغير الشاي الاسود
كل الابداع شاعرنا


4 - تعدد مستويات الأمتاع
أوروك ( 2012 / 7 / 1 - 17:41 )
تحية لك أيها الشاعر الفذ...كما يقول أحمد الناصري..مشهدك يعيد التوازن للواقع المخرب عدا أنه مساهمة بل وأعتقد مساهمة كبيرة بالشعرية العربية لأنه مستويات عدة من الأمتاع الشعري فمن البصري والصوري الى اللغوي الى الشعري ذاته حتى يتحول الى تكوين مركب شديد الكثافة وممتزج من المتعة الخالصة ان صح تعبيري..ماذا أقول بعد؟ أستمتع جدا بقراءتك وكأنني أجوب العالم..لا تحرمنا من جديدك..دمت بكل خير


5 - السوق
nedaa Aljewari ( 2012 / 7 / 1 - 17:49 )
تحية طيبة
جرجرتنا الى بكائية انفعالية للصورة التي رسمتها بقتامة للسوق الجديد ولنندب حظوظنا
!!!!لألوان السوق القديم فرغم قلتها كانت مبهرة!!!وسواد الشاي يجعلها أكثر انتعاشا
ولا منتقما أكسرعظم غريمي
ولا أحرق قطع الدومينو
ولا أمزق ورق اللعب
ولا أسكب الماء أو الشاي الأسود بوجه غريمي
حين أخسر الرهان!!!!تبقى مبدعا وأشعارك روعة


6 - القك مستمر ايها الشاعر
محمد جميل ( 2012 / 7 / 1 - 18:50 )
لقد ملئت حسرة كبيرة صدري على الايام القديمة حين قرات قصيدتك الجميلة وهنا تحديدا روعة الشعر حين يكون معبرا عبر تكثيف شديد للصورة ممزوجة بكلام مرسوم بحرفية عالية
تعيد تسمية الاشياء باسماءها ولكن بمواربة واضحة كطلقة مسدس .ازعم انك تعيد للشعر تالقه حيث قل كثيرا ما يمكن ان ينتمي الى الشعرفي سماء الانتاج الابداعي الحالي حيث كثر الحبر ولكن قل المحتوى الابداعي.
تحياتي ايها الرائع.


7 - (السفر في تيه الغابات)
سعد نزال ( 2012 / 7 / 2 - 09:07 )
لا اعرف يا ابو رهام العزيز لم جاء ببالي قصيدتك التي نشرتها في مجلة الطليعة الادبية في ثمانينات القرن الماضي والتي تقول بها : قمر الحب اعمى. تلمست تحت المطر , كف من قادني للمطر فاذا عروة الكف سائبة في يدي , ويدي سائبة ... ............... ...... كلمات جميلة يابرهوم


8 - العزيزة فاتن واصل
ابراهيم البهرزي ( 2012 / 7 / 3 - 06:41 )
محبتي اولاً فاتن
نحن نحيا في اسواق ٍ شديدة المكر والتقلبات , في بالي وانا اقرأ حروفك بنشوة ساحرة , في بالي سوق مصر الجديدة , كما هو سوق العراق الجديد , يوما ما ساطوف معك هذا السوق العجيب لنقرأ دكاكينه ومصطباته وتحولات البائعين والشراة وسأرى , ان لم يكن بعينيَّ ,فبذكاء عينيك , فنطازيا اسواقنا العربية ..
دمت الغالية ..


9 - العزيز احمد الناصري
ابراهيم البهرزي ( 2012 / 7 / 3 - 06:44 )
وجدي عليك ايها الرفيق !
الخراب ثخين وقلوي ومتماسك والرؤية تعشو بفعل العمر واشياء اخرى
ولكن سنرى عمق الخراب معا , نحن نحزن ايها الرفيق بشدة , ولكن لن نسقط محبطين تماما
الّوح لك على البعد والقرب ...


10 - العزيزة عبلة عبد الرحمن
ابراهيم البهرزي ( 2012 / 7 / 3 - 06:51 )
بحرارة الشوق أسلّم
غير بحّة السوق الشيطانية هناك بحّة ملائكية , بحّة غير هؤلاء الشياطين من الباعة والشراة , يحزن ان لا ننصرف للكتابة عنها بسحر المحبة
نشرب قهوة طيبة مهيّلة للآخر غير الشاي الاسود الحزين ونكتب قصيدة شوق
ولكن متى ؟
اسواق بغداد مثلما اسواق مصر مثلما اسواق دمشق مثلما اسواق اربد مكتظة بما يشغلنا عن بهاء تلك البحة الساحرة الاخرى ..
غير انّا سنكتب يوما عن ذلك السحر , اوعدك عبلة ..


11 - العزيز اوروك
ابراهيم البهرزي ( 2012 / 7 / 3 - 06:54 )
دمت بخير
نتعاون دائما , منتجٌ ومتلقٍّ , ونتفاعل
عسى نقترب من تلك (الحقيقة الشعرية ) بعيدة المنال
عسى
عسى يا اوروك


12 - العزيزةnedaa al jeware
ابراهيم البهرزي ( 2012 / 7 / 3 - 07:00 )
تحية محبة
كانوا ياغالية ,وكما تعرفين , في الاسواق القديمة لا يحتاجون لقَسَم ٍ لاثبات الصدق
الكل يقسم الان باغلظ الايمان وذلك من اجل اكتمال مشهد الخديعة
وكسر عظم وحياة ووجود الاخر
دمت يا صديقة الهاجس المشترك كريمة ابية كعهدك ...


13 - العزيز محمد جميل
ابراهيم البهرزي ( 2012 / 7 / 3 - 07:05 )
تحية محبة
كطلقة مسدس !
كنت دقيقا جدا
كطلقة مسدس , عجلى , حاسمة ,
الوسيلة الاشد وضوحا في حياتنا العامة ,
البضاعة الاكثر رواجا في اسواقنا المسلحة
دمت لي صديقا صريحا


14 - العزيز سعد نزال
ابراهيم البهرزي ( 2012 / 7 / 3 - 07:09 )
تحية حنين
احسدك اولا على ذاكرة افتقر اليها
وهذا من سجايا وفاءك الذي ما زادته نوائب العراق الا اصالة ونجاعة
ايها الجنوبي الطيب
يا بقيّة اهل ٍ صاروا بعيدين عني ..
لك ولهم جميعا وعدي وعهدي بالوفاء

اخر الافلام

.. فيلم زهايمر يعود لدور العرض بعد 14 سنة.. ما القصة؟


.. سكرين شوت | خلاف على استخدام الكمبيوتر في صناعة الموسيقى.. ت




.. سكرين شوت | نزاع الأغاني التراثية والـAI.. من المصنفات الفني


.. تعمير - هل يمكن تحويل المنزل العادي إلى منزل ذكي؟ .. المعمار




.. تعمير - المعماري محمد كامل: يجب انتشار ثقافة البيوت المستدام