الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة قانونيــة: السلطــات العراقيــة القادمــة ومهمـة صيانــة الدستـور الدائــم

فلاح اسماعيل حاجم

2005 / 2 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


باجراء الانتخابات رغم صعوبتها البالغة والمخاطر الجسيمة التي كانت ؛ولا تزال؛ تهدد مصير الشعب العراقي ووجوده ككيان موحد يكون الشعب العراقي قد خطى الخطوة الاولى باتجاه بناء دولة الحق و المؤسسات؛ الدولة التي تمتلك كافة المقومات لأن تكون الشكل الامثل لما يمكن ان نطلق عليه الدولة النموذجية ذلك ان بلدنا يملك من الثروات؛ البشرية والمادية؛ ما يؤهله لأن يحتل مكانا متقدما في المنظومة الدولية المعاصرة.
عاشت الدولة العراقية منذ تاسيسها في بداية القرن المنصرم ضروفا استثنائية بالغة التشابك و التعقيد؛ وربما أكثرها قتامة كانت الفترة الممتدة من عام 1963 وحتى الانهيار المخزي لسلطة البعث الشمولية في التاسع من نيسان 2003. لقد تميزت الفترة المذكورة بالاجهاز الكامل على كل ما يمكن ان نطلق عليه المورث الثري لخيرة الحقوقيين العراقيين؛ ذلك الموروث الذي أغنى المكتبة الحقوقية العربية و العالمية والذي ينبغي ان يجند الان لاعادة بناء ما دمر و الانتقال بالعراق الى مكانه اللائق كوريث شرعي لحضارة أهدت البشرية اولى القواعد القانونية. لقد عاش العراق ولفترات طويلة في ظل دساتير مؤقتة و مرنة كان تعديلها يخضع؛ في اغلب الاحيان؛ لارادة الحزب الحاكم او نزوات القائد الفرد مما ادى الى تحويله (الدستور) لمجرد ديباجة للمراسيم الجمهورية وصورة شكلية لقرارات الاجهزة التنفيذية للدولة؛ وتدنت مكانة القواعد الدستورية في سلم المصادر القانونية مما افقد تلك القواعد سموها و المكانة التي يجب ان تحتلها. ثم ان التدخل المفرط من قبل المؤسسة السياسية في الدولة(الحزب الحاكم) افقد الدولة (توأمها) الشرعي اي القانون.
ان عملاً كبيراً ينتظر المشرع العراقي ليوم لتجاوز الاثار السلبية للمرحلة الفائتة وانجاز الدستور الدائم للعراق؛ ذلك الدستور الذي يراد له ان يكون جامدا؛ بمعنى ان تكون آليات تعديل مبادئه الاساسية من التعقيد بحيث لا يتيح للاكثرية البرلمانية استثمار فترة تواجدها في البرلمان لتمرير التعديل الدستوري الذي من شأنه الاضرار بالثوابت المتفق عليها في القانون الاساسي للدولة. فمفاهيم قانونية مهمة من قبيل شكل الدولة؛ اي العناصر الثلاث التي بدونها لا يمكن ان تستقيم الدولة ككيان سيا- حقوقي وهي التركيب المساحاتي للدولة (بسيطة او فيدرالية) وشكل الحكم (جمهوري او ملكي) ونظام الحكم (ديمقراطي؛ علماني او ديني...الخ) بالاضافة الى الحقوق الاساسية للمواطن؛ ينبغي ان تكون خطوطاً حمراء لا يمكن بأي حال التجاوز عليها.
ان مسألة حماية الدستور لا تقل اهمية؛ ان لم تكن اهم؛ من قضية اعداده و اقراره وتتم هذه الحماية من خلال الرقابة على دستورية القوانين واللوائح القانونية ورصد خروقات اجهزة الدولة للقواعد الدستورية. و هنا لابد من الاشارة الى الاساليب المتبعة لحماية الدستور والتي وجدت تطبيقاتها في مختلف المنظومات القانونية ومن بينها :
1-الرقابة الشعبية : اذ يمنح الدستور الحق للشعب ولكل مواطن امكانية الاحتجاج على خرق الدستور و الطلب الى الاجهزة المختصة(المحاكم الدستورية) لمعالجة الخرق؛ ويتم ذلك وفق آليات ينظمها القانون. هذا الاسلوب تضمنته دساتير كل من( المانيا و غانا و سلوفاكيا).
2- الرقابة غيرالحكومية : اذ تتمكن اجهزة على شاكلة مفوضية حقوق الانسان و مراقب الدولة او اللجان البرلمانية المختلفة بمهمة الرقابة الدستورية. الاسلوب المذكور كان سائدا في الدول الاشتراكية
( المانيا الديمقراطية, رومانيا).
3- رقابة رئيس الدولة : حيث تتضمن صلاحيات رئيس الدولة مسألة الرقابة الدستورية باعتباره ضمانة للقانون الاساس. وجد هذا الاسلوب تطبيقاته في كل من ( رومانيا و اوكراينيا و فرنسا ).
على ان اكثر الاساليب شيوعا هما الاسلوب السياسي و الاسلوب القضائي اذ يتلخص الاول بتأليف هيئة مستقلة ليس لها صلة باي من السلطات الثلاث ( التشريعية و التنفيذية و القضائية ) مهمتها التحقق من دراسة اللوائح القانونية الصادرة عن اجهزة الدولة المختلفة ومدى مطابقتها للدستور. ويرى مؤيدو هذا الاسلوب انه اضافة الى كونه يؤمن الحماية للقواعد الدستورية فانه يعتبر ضمانة لمبدأ الفصل بين السلطات. ولا يشترط لعضوية هذه الهيئة تحصيلا علميا في مجال القانون؛ وعادة ما يطلق على اعضلء هذه الاجهزة تسمية المستشارين وليس الحكام او القضاة. وقد وجد هذا الاسلوب تطبيقاته في الدول الاوربيه (فرنسا) وبعض الدول النامية (المغرب والسنغال وتونس وكازاخستان). اما الاسلوب القضائي للرقابة الدستورية فيفترض تشكيل اجهزة مختصة من قضاة محترفين تكون مهمتهم الاساسية النظر في القضايا المتعلقة بخروقات القواعد الدستورية؛ ويتجلى هذا الاسلوب بنظامين مختلفين هما:
اولا: النظام اللامركزي ( الامريكي ) الذي يوكل قضية الرقابة الدستورية للمحاكم العامة؛ اي تلك التي تقوم بالنظرفي القضايا المتعلقة بخرق الدستور مثلما تنظر في القضايا المدنية و الجنائية. وهنا لابد لي من الاشارة الى ان هذا الاسلوب قد يكون ناجعا بالنسبة للدول التي لها تاريخ طويل في الممارسة الدستورية وليس لدول خرجت للتو من نظام كان ينكر ابسط القيم القانونية ( العراق مثلا ).
ثانيا: النظام المركزي ( الاوربي ) و المتلخص في انشاء محكمة متخصصة تكون مهمتها النظر في دستورية القوانين و اللوائح الاخرى و مطابقة اعمال سلطات الدولة لروح الدستور. ان قراءة لنص المادة الرابعة و الاربعين من قانون ادارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية توضح لنا بوضوح ان المشرع العراقي اخذ بالنظام الامريكي ( اللامركزي ) في الرقابة على دستورية القوانين اذ نصت في الفقرة 2 على ان ( الاختصاص الحصري و الاصيل؛ وبناء على دعوى من مدع او بناء على احالة من محكمة اخرى؛ في دعاوى بان قانونا او نظاما او تعليمات صادرة عن الحكومة الاتحادية او الحكومات الاقليمية او ادارات المحافظات و البلديات و الادارات المحلية لا تتفق مع هذا القانون).
انني ارى ان الواقع الحالي للعراق يملي بالضرورة انشاء محكمة دستورية مختصة ليس فقط لانها ستؤمن قدسية القانون وسموه فقط وانما لان ما تراكم من قضايا جنائية و مدنية سيثقل المحاكم العامة مما سيؤثر سلبا على عملها ( مهما كبر ملاكها و تعددت لجانها ). ثم ان الاخذ بالفيدرالية كشكل للدولة سيضع على عاتق هذه المحكمة مهمات غاية في التعقيد اذ يترتب عليها فض النزاعات بين المركز و الاطراف ونزاعات الاطراف فيما بينها ورقابة دستورية القوانين واللوائح الصادرة عن اجهزة الاطراف وعدم اتاحة الفرصة لبروز ضاهرة تنازع القواعد القانونية؛ اضافة الى حل الاشكالات الناتجة عن توزيع الصلاحيات بين اجهزة الدولة الاتحادية و الاجهزة المحلية و غيرها مما سيفرزه المستقبل وهو كثير دون شك.
استنادا الى ما تقدم ارى ان من بين اكثر المهمات الحاحا والتي تقف امام المشرع العراقي بعد سن الدستور الدائم هي صياغة مشروع قانون خاص بالمحكمة الدستورية العراقية ليضع اللبنة الاولى في اساس الرقابة الدستورية على القوانين واللوئح التي ستباشر السلطات العراقية الدائمة بسنها في المستقبل المنظور؛ وهي مهمة ليست بالسهلة مثلما هي مهمة نبيلة.

٭- المادة معدلة جذريا لمقالة نشرت للكاتب في الصحافة الالكترونية العراقية العام المنصرم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و