الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأقزام- قصة قصيرة

عبد الفتاح المطلبي

2012 / 7 / 2
الادب والفن



(الولوج إلى العالم القزم )
رُغمَ ما اتخذتهُ من احتياطاتٍ وتغييراتٍ في سلوكِ طريقي إلى عملي لكن هاجسا يتحرك كدودةٍ في دماغي المتعب يلح على توقع أمر ما من قبيل ما أحاول الحيود عن حدوثه و إنقاذ هذه النفس المولعة بالحياة ، وعندما أقنعتُ نفسي بعد طول تفكير أن ركوب الباص يحتمل أن يكون مصدرا لخوفي إذ من المتوقع أن يدس راكبٌ ما كيسا يحوي قنبلة أو يلصق عبوة ناسفة في المقعد الأخير من الباص لذلك فضلت الذهاب سيرا إلى عملي فهذه أمورٌ باتت واقعية وليست من بنات الخيال ، وعندما أصل إلى جسر الشعب الصغير الذي بعبوره أبلغ بداية الشارع المؤدي إلى عملي لكنني وعند توقف السير بسبب الزحام أو تهور البعض أصابُ برهاب المفخخات فأحاولُ إشغالَ نفسي بالنظر إلى الشجيرات الصغيرة والكثيفة المحاطة بالأدغال مشكلةً ما يشبه الغابة الصغيرة وفكرت أن النمال التي تلجأ إليها ربما تراها غابة كثيفة من الأشجار وإن النمال لو رفعت رؤوسها ربما ترانا عمالقة برؤوس شاهقةٍ إلى السماء البعيدة وأثناء حث دماغي على إبداع تلك التخيلات الصامتة حدث ما كنت أخشاه ، لقد تجاوزني صوت انفجارٍ وحملني العصف بدوامته اللولبية فوجدتني أنا وكثير من الناس في عالم الغابة التي اجترحها تخيلي حين كنت سائرا على جسر الشعب وقد اتسعت كثيرا ولم نكُن فيها إلا أقزاما يلوذون بأشجارها و أدغالها هروبا من رعب يحيط بالجميع وكنت لا أفقه شيئا مما جرى إذ أن كلما كان قبل هذه اللحظة صار فيما وراء الحيث
(في المشفى)
كانوا يتحلقون حوله وكان الطبيب يقول لذويه بأسى بالغ إنه الآن في مرحلة موت سريري في غيبوبة تامة ، لاوعي له في هذا العالم في هذه الحالة يستمر الجسد بمواصلة وظائفه دون الوعي لينتقل نشاط دماغه إلى عالم ما تحت الوعي لذا ترون كُرتيّ عينيه تدوران في محاجرهما دورانا دائبا ، يرجح الرأي الطبي أن رؤىً و أفكارا ربما تدور هناك لا أحد يعرف ماذا يجري بغياب الوعي الذي تراجع تماما وأخلى الساحة للاوعي ولكي يبرهن الطبيب على ما قاله وإن الشعور والحس بالواقع منتفيان تماما عمد إلى قرص عضد الجسد المسجى أمامه ثم خدشه بالمشرط ووخزه به لكن لا استجابة فالرجل في عالم آخر..............................
( العالم الآخر)
كان الناسُ جميعا يختفون داخل الغابة التي ولجتها على حين غرة خوفا من شيء ما ولأنني من الوافدين الجدد إلى غابتهم ولبقاء رغبتي الشديدة وولعي القديم بالحياة ولكي أفهم ما يجري كان علي أن أستوضح الأمر، قيل لي أنه ومنذ قرون كثيرة مضت أننا كنا طوالاً كالعملاق الذي يحاصرنا الآن ويحسب علينا خطواتنا ويضطرنا للبقاء في حدود غابتنا لا نستطيع خروجا ولا مغادرة فنحن بلا الدغل الكثيف من شجيرات الشوك والعليقات السامة وبلا الغابة مكشوفون للعملاق يتصيدنا وقت يشاء، يقول المتحدث أن جده قال لأبيه والعهدة على أبيه الذي نقل ذلك عن جده أن شيئا ما قد حدث وجلت فيه القلوب وبُحّتِ الحناجر ودمعت العيون على الغريق النبيل جد أجدادنا الذي لا مثيل له وكان وجهه كالقمر ، لذلك اختلط الأمرُ عليهم وظن من ظن منهم أنه القمر الذي ابتلعه الحوت الأزرق وراحوا ينشدون في ليالي المحاق نشيدا تناقلته الأجيال جيلاً بعد آخر(( يا حوت يا بالي خلّي قمرنا العالي)) وراح كل جيل يضيف شيئا على النشيد وابتدع آخرون طرقا أخرى تمجد قمر القبيلة الذي ابتلعه الحوت قريبا من بحيرة ساوه التي كانت فيما مضى بحرا تقطنه الحيتان و هكذا انشغل الأجداد بذكرى الغريق النبيل جد أجدادنا الذي لا مثيل له الجليل الجميل الورع التقي الفارس الشجاع السخي العالم ال......ولو بقيت تعد صفاته وسجاياه فلن تنتهي قبل ثلاثة أيام بلياليها وهكذا ترك الأجداد كل شيء وكرّسوا حياتهم لذكرى ذاك الجد العظيم الذي ابتلعه الحوت ، يحيون ذكراه كل شهر بعد المحاق،راحت عظمة الذكرى تكبر وتكبر حتى أمست أكبر كثيرا من الأصل الذي يحاولون نسخه وما كان ذلك جزافا إذ أن حياة البعض ممن يروج لذلك كانت تعتمد على استمرارها وشيوعها،نسوا عظمة الجد النبيل وانشغلوا بالقمر كلما غاب في المحاق حملوا طبولهم ودفوفهم وراحوا ينشدون في احتفال كبير حتى يذعن الحوت ويطلق سراح القمر المبلوع ليظهر من جديد وما أن يبلغ محاقه من جديد حتى نعيد الأمر بحماس أكبر وراحت الأناشيد تتراكم والمراسيمُ تتسع وهذا كلام رجل الغابة حين استوضحته الأمر ثم أردف قائلا لم ينتبهوا إلى ما راح يحدث لهم فكلما تناسوا عظمة الجد النبيل وتشبثوا بإعادة تمثيل تلك اللحظة الفاجعة ولكي يفعلوا ذلك على أكمل وجه عليهم العودة في نفق الزمن إلى الخلف لكن بوابة الزمن لا تسمح بذلك إلا إذا تنازلوا عن حجومهم وارتضوا أن يتصاغروا للزمن وهكذا وسنة بعد أخرى تضاءلت حجومهم يوما بعد يوم فوجدوا أنفسهم كما ترانا أقزاما وصار غريمنا الذي طالما ظنناه حوتا ابتلع جدنا القمر عملاقا يحاصرنا بعدما كنا يوما ما نطاوله قامةً ولم نكن نعرف ذلك حتى دهمتنا تلك القدم الهمجية الكبيرة وتلك الهراوة المعلقة على كتف العملاق الذي راح يدهسنا ويقتلنا بفظاعة دون أن تؤثر فيه سيوفنا المعقوفة التي لا تصل إلى ما تحت جلده السميك ولما عجزنا عن مجاراته التحقنا كما ترى إلى الغابة نرثها جيلا بعد جيل والعملاق يرثنا والغابة جيلا بعد آخر، جلس العملاق وأحاط الغابة بما فيها الذين هم نحن بساقيه الطويلتين يشرف علينا من فوق ومن كل الجهات وكلما أنشدنا طقوس قمرنا الغريق نسمع قرقرات بطنه الجائعة كيف لا وهي قرقرات بطن عملاق شره ، ينتابنا هرج ومرج، نجتمع تحت أشجار الغابة ، نلقي خطبنا الخجولة همسا خوفا منه فقد أعد قدرا كبيرا خارج غابتنا وراح يجمع حطبا ويشعل نارا تحت القدر وصار الماء يغلي في قدره، كان يفلّي الغابة بحثا عنا يلتقط بعضنا ويسلقه ثم يأكله ويكوم عظامه جنب الغابة حتى صارت كومة العظام تلة كبيرة يراها الرائح والغادي وعندما تعب من حمل الحطب للقدر الذي يفور دائما أجبرنا على حمل حطب سلقنا على ظهورنا وأن نضعه بأيدينا تحت القدر ، أقنعنا ذلك العملاق المتوحش إن القدر هو مصيرنا وعلينا تقبل الأمر قال: إن أجدادكم سُلِقوا هنا فلا تكونوا عاقيّن وعليكم تقديس هذا القدر من أجل أرواح أجدادكم بدلا من الصراخ والعويل على حوت اندثر باندثار البحر وها نحن كما ترى لم يتبق منا إلا القليل لقد تعلمنا كيف نفدي القدر بأرواحنا وارتاح العملاق المتوحش لأننا رحنا نسلق بعضنا ونضعه في فمه الكبير الذي لا يشبع ويريد المزيد وهو الآن حزين لأن أعدادنا تتناقص وها أنت قد أتيت في وقت يغض طرفه عنا ويشجعنا على التكاثر ليبدأ من جديد بيدَ أنه مازال يجبرنا على حمل الحطب من الغابة إلى تحت قدره الذي يفور نسمع أزيز جيشانه من بعيد ، ولما أكمل الرجل حديثه واستوعبت الأمر شعرت ببؤسٍ لا مثيلَ له و إن الحياة التي كنت أحرص على الاحتفاظ بها لم تعد في هذه الغابة التي صارت فيها النمال كالفيلة وديدان العشب كحيات الأناكوندا يمكن أن تبتلعك إحداها في أية لحظة يكون فيها الطالع مجافيا وحرونا وقررت الخروج من هذه الغابة مهما كلف الأمر مازال العملاق الهمجي يغض الطرف قليلا وحال خروجي إلى الأرض الجرداء خارج الغابة تلقفتني ريحٌ قوية حملني إعصارها وقذف بي إلى حيث لا أعلم وفجأة سكن كل شيء وكأنني نزلت من علٍ كالهابط بمضلة من السماء عندها شعرت بانتظام نفسي وفتحت عينيّ ، كانت الأنابيب تتخلل ذراعي وخرطوم الأوكسجين يغطي نصف وجهي وسمعت أحدهم يقول ، معجزة حدثت بعودته إلى الوعي ، قليلا ما يحدثُ ذلك، تذكرت اللحظة حين تجاوزني صوت الانفجار وألقى بي العصف إلى الغابة حيث كان يختبئ الأقزام وعلمتُ أن كل ما رأيته محض ارتباكات اجترحها اللاوعي العميق مستغلا تعطل الوعي عن واجباته ليختلق كل تلك الهلاوسَ وعلى مقياس( إذا غاب القط ألعب يا فار ) .............................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل