الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رشة عطر وقصص أخرى (نقد)

نافذ الشاعر

2012 / 7 / 3
الادب والفن


لقد قامت مدارس ومناهج نقدية عديدة لدراسة الأعمال الأدبية، من أهمها: المنهج اللغوي، والمنهج البنيوي، والمنهج الفلسفي، والمنهج الجمالي، والمنهج السيكولوجي، والمنهج الاجتماعي، والمنهج المقارن.. الخ
وإننا نظلم الأعمال الأدبية حين نجردها من مضمونها الفلسفي الإنساني، ونقتصر على النقد البنيوي من خلال تحليل أسلوبها، وتركيب عناصرها الفنية. فالأدب في جوهره رسالة، ومن غير المعقول أن نجرد الرسالة من محتواها، ويكون إعجابنا منصبا فقط على شكل المظروف، وطابع البريد، ونوعية الورق، ومستوى الخط!
فالمنهج الفلسفي يهدف إلى تحديد القضايا الفكرية التي يثيرها العمل الأدبي، ثم تحليل هذه القضايا من وجهة نظر فلسفية، مع عدم إغفال طريقة التعبير عنها؛ سواء كانت مذكرات على لسان الكاتب، أو مونولوج داخلي أو خارجي، أو بناء درامي، الخ.. ومن ثم بيان القيمة الفلسفية والإنسانية التي يدعو إليها هذا العمل..

وسوف أحاول في هذه الدراسة السريعة أن أتناول أربعة من أعمال الأديبة فاديا عيسى قراجه من الوجهة الفلسفية والسيكولوجية لفهم الدلالات التي تحملها هذه الأعمال، وهي قصة الغرق في قارورة رجل، وقصة قالت شهرزاد، وقصة رشة عطر، وخاطرة نثرية بعنوان أحبك.. وقد صدر للأديبة فاديا عيسى قراجة ثلاث مجموعات هي : مساحة للحياة، ورغبات بيضاء، وزقورة مريم.. وعلى حد علمي ليس للأديبة فاديا عيسى روايات طويلة، وإنما كل كتاباتها عبارة عن قصص قصيرة، لأنها على ما يبدو تحب التركيز وتستطيع أن تضع فيها الفكرة التي تضعها في الرواية الطويلة..

أسلوب القصة عند فاديا عيسى:
ومن الملاحظ أن التكنيك الذي يقوم عليه بناء القصة لدى فاديا عيسى هو استخدام المفارقة في نهاية القصة.. والمفارقة في قصصها غالبا ما يكون في جملة أو جملتين في نهاية القصة، وتأتي هذه المفارقة دوما مخالفة لتوقعات القارئ، وأحيانا توفق في توظيف هذه المفارقة لخدمة الفكرة، وأحيانا لا يحالفها التوفيق..
وكأنها بهذه المفارقة تقول لا تصدقوا كل ما قلته لكم فقد كنت أمزح؛ لأن الحقيقة على عكس ما قلته وما توقعتموه! وربما تأثرت في هذا التكنيك بالمسلسلات التلفزيونية التي غالبا ما تنتهي الحلقة عند حادثة مشوقة، تجعل المشاهد في ترقب وشوق لمعرفة ما تحمله الحلقة القادمة؟
فعلى سبيل المثال:
في قصة "للرجال فقط" تتحدث عن اجتماع مجموعة من الرجال في زنزانة السجن يدخنون الكيف، وبعد أن لعب الكيف في رؤوسهم، أخذ كل واحد يروي مغامراته القديمة مع النساء.. وبعد ذلك تختم هذه القصة بمفارقة تقول: " وهذا ما كان يحصل كل ليلة في زنزانة المخصييِّن"!

وفي قصة "ساعة على الهواء"، التي تدور حول بنت فقيرة هربت من الفقر لتبحث عن الثراء بامتهان مهنة الرقص، ولكن الزمن كان لها بالمرصاد حيث تسلل الشيب إلى رأسها والتجاعيد إلى وجهها، ولم يحفل أحد بمصيرها، فكما صعدت صعودا مفاجئا هوت أيضا بشكل مفاجئ، وداسها الزمن تحت أقدامه، فتوضح هذه المفارقة بقولها: "أطلت المذيعة بابتسامتها المراوغة... رحبت بأعزائها المشاهدين في برنامج " ساعة على الهواء" اعتذرت عن استقبال الراقصة المخضرمة و ذلك لأسباب صحية, ويسعدها وجود راقصة شابة معها, والتي تكرمت بتلبية دعوتها رغم ازدحام مواعيدها".

* وفي قصة "أبواب ومشانق" تتناول عمليات النصب والاحتيال من بعض السماسرة، الذين يكونون شخصيات جذابة يورطون في أعمالهم أكبر عدد من الموظفات الطامحات للشهرة، والرغبات في الهروب من حياة الفقر والعوز، وبعد أن تشترك إحدى هذه الموظفات في هذه اللعبة، وتنال مبلغا كافيا من المال لقاء مساهمتها في عملية نصب كبيرة على رجل عجوز، إذ بها تفقد سعادتها وتقع تحت حالة من الخوف والذهول عندما قرأت خبرا في الجريدة عن الشخص الذي تم النصب عليه يقول: " شنق عجوز نفسه في إحدى ضواحي المدينة النائية"

*وفي قصة "أحلام رجل في السبعين"، تروي فيها تصرفات رجل في السبعين وقع في حب فتاة لعوب، تكتب إليه الرسائل وتدسها في صندوق بريده، وكان منتهى سعادته أن يقرأ ما كتبت له هذه اللعوب، بحيث يحرص على هذه الرسائل كما يحرص فقير معوز على وجدانه لكنز ثمين، فلما علم أنها وضعت له رسالة هب من فراشه بالرغم التعب والإرهاق.. وبالرغم من تأخر الوقت ونزول المطر وبعد المسافة.. بالرغم من ذلك كله هب من نومه يبحث عن سيارة تقله، ليجلب هذه الرسالة، وبعد أن أحضرها وعاد إلى بيته تكون المفارقة التي تقول: "... لقد نسيت الرسالة في السيارة "
وهكذا قل في كل قصص فاديا عيسى لابد أن تنتهي بمفارقة من هذا النوع، وهو تكنيك أساسيي يقوم عليه بناء القصة لديها..

أسلوب السرد:
أحيانا تسرد قصصها بضمير المذكر، ومن وجهة نظر الرجل وليست المرأة ، كما في قصة أبو عبدو النسونجي، لكننا بالرغم من ذلك تشعر بالأنوثة في ثنايا سطورها، وتشعر أن الكاتب امرأة وليس رجل. ويبقى القارئ مستغرب ومتحير من الأسلوب حتى يكتشف بعد عدة سطور أن الكاتب رجل وليس امرأة عندما تقول: " أما من هو "أبو عبدو" فأجيبكم بكل فخر واعتزاز هو خال زوجتي.."
وقصة "للرجال فقط" أيضا روتها بضمير المتكلم المذكر على لسان بعض المساجين الذين يسترجعون ذكرياتهم مع النساء.. لكنك لا تشعر فيها أن الكاتبة أنثى مثل الرواية السابقة!

وأحيانا تروى قصصها بأسلوب السيرة الذاتية، وأخطر ما في هذا النوع من القص أن القارئ يقع في ظنه أن هذه القصة سيرة شخصية لكاتبها، مثل قصة "نافذة جدتي"، وقصة "خيانة زوجة"..

أما العناوين فأغلبها غير مناسبة للمضمون، وكثيرا ما تجد أنها لا تلخص المضمون مثل أبواب ومشانق، فلو كان عنوانها "مديحة أبو الدهب" لكان أفضل، وكذلك قصة "الجمعة".. وكذلك "للرجال فقط" فالأفضل أن يكون العنوان "رجال ونساء" ومثل نافذة جدتي، فالأفضل أن يكون "صندوق جدتي". وقصة "خيانة زوجة" فالزوجة لم تخن زوجها، وهكذا في جميع القصص..
أما لغة الكاتبة فهي لغة مسبوكة بها مفردات معجمية قديمة ومتماسكة لا شك في هذا، وقاموسها العربي ملئ بالتعابير وبالكلمات البليغة..

1- الغرق في قارورة رجل:
كثيرا ما تستمد فاديا عيسى قراجة، أفكارها من الكتاب المقدس، لهذا سارجع في دراستي إلى الكتاب المقدس لفهم عالم هذه الكاتبة..
فعلى سبيل المثال نجد قصة "الغرق في قارورة رجل" تستمد فكرتها من أية وردت في الإنجيل تقول: "لا تدينوا كي لا تدانوا، لا تقضوا على احد، كي لا يقضى عليكم.. لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم"..
إننا نجد أنفسنا، في هذه القصة، أمام زوجة أدركت أنها طالما خانت زوجها فلابد أن يكون زوجها قد خانها أولا؛ لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم.. لذلك تقول المرأة لزوجها: "لقد فقدت بكارتي؛ هل تسمح أن تخبرني متى فقدت بكارتك"؟

وحقا لقد صدق حدسها!
وهذا ما حدث مع فارق طفيف؛ فقد تسولت إحدى المومسات اللذة من زوج هذه المرأة عندما كان فتى صغيرا، فكانت تلك المومس طالبة ولم تكن مطلوبة.. وليس هذا فحسب بل إنها امتصت روحه وسلبتها منه، فلم يستطع أن يسترجعها بعد ذلك، فهذه الروح للرجل بمثابة البكارة للأنثى، إن ذهبت فلن تعود ثانية..
وهذا ما حدث مع الزوجة ولكن بصورة معاكسة، فقد جاء رجل يتسول اللذة منها، فكان الرجل طالبا والمرأة مطلوبة، فمنحته أعز ما تملك وهي بكارتها، فكأنه امتص روحها وسلبها منها، فأصبحت بلا روح، لكن المفارقة هنا أن الجميع حرم المتعة من هذه الشجرة المحرمة..

إن الاحتفاء بالبكارة في هذه القصة، إن هو إلا احتفاء باللذة الطازجة، فالبكارة هنا هي المتعة الخالصة التي يبحث عنها الرجل والمرأة على حد سواء، ويرجوان من خلال افتضاضها التحليق في نشوة صوفية عالية لا تنال إلا من هذه الطريق..
ثم تتساءل الكاتبة: " هل تعرف معنى أن تفقد الكلمة بكارتها..؟" وتقصد بهذا أنها تريد أن تسمع من زوجها كلاما جديدا تسمعه لأول مرة، ولا يكون قد طرق سمعها قبل ذلك، كما لا يكون قد قيل لامرأة غيرها أيضا، وتلكم هي بكارة الكلمة..
أو ربما تقصد بقولها: " تفقد الكلمة بكارتها" أنها سوف تقول لزوجها كلاما بكرا يسمعه لأول مرة، لكنه مع ذلك يفقد كل لذة الشيء البكر، لأن ما سيسمعه آنفا كلاما يخلو من السرور أو المتعة أو البهجة..
أما "القُبلة المحرمة" التي اختلسها رجل لأول مرة من امرأة ما، فإن فيها شيء من معنى البكارة أيضا، لكنها وإن كانت فيها لذة خالصة، فإنها ستكون بعد ذلك بمثابة السم الزعاف الذي يسري في عروقه وأوصاله حتى يقتله وهو لا يشعر، فتقول: " هل تجرعت طعم السم المدسوس في رضاب القبلة"؟

ما أعنيه هنا أن الرجل يحب من المرأة أن تكون (ثيبا وبكرا) في نفس اللحظة!. والمقصود بالبكر: طهارة المرأة ونقاء ماضيها؛ كالبكر التي لم تنكشف على رجل قط! والمقصود بالثيب هو تدلل الثيب وتحببها وتغزلها في زوجها.. فهي بما لديها من خبرة ودربة، أدركت أين تكمن شهوة الرجل من الأنثى، وبالتالي فهي على دراية كافية لتؤجج شهوة الرجل وتثير عاطفته..

وهاتان الصفتان قلما تتحققان في امرأة في هذه الدنيا، فإن رزق الرجل ثيبا تؤجج عاطفته وترضي شهوته، فلن يجد فيها ما يبدد قلقله وحيرته، لأنه سيبقى منغص القلب ومكدر الخاطر بأن تلك المرأة مسها رجل غيره فيبقى منها في شك وحيرة، يدقق في كل ما يصدر منها من أفعال وأقوال وإشارات!.. وربما لهذا جاء النهي في الإنجيل: " من يتزوج مطلقة فانه يزني" والمقصود بأنه يزني يعني التنفير من هذا الزواج لئلا يقدم رجل على الزواج بمطلقة.. أو ربما المقصود بقوله "بأنه يزني" أنه لابد أن يبقى في نفسه شهوة خفية لافتضاض البكارة التي حرم منها في المطلقة التي تزوجها، وبالتالي لابد أن يبحث عنها في نساء أخريات، فيقع في الزنا!
وقد يكون الرجل متزوجا من بكر جميل رائقة.. لكنه يحس فيها البرود والفتور والحياء والخفر وقلة الدراية وعدم المبادرة، إما لقلة خبرتها وحنكتها بتلك الأمور. وإما لخشيتها إن أبدت التدلل الزائد عن الحد، أن تدخل الشك والريبة إلى قلب زوجها فيتساءل: من أين تعلمت هذه الأمور؟!

لذلك كانت صفة نساء الجنة تنفي عن المرأة هاتين الصفتين، فكأنهن أبكارا وثيبات في نفس اللحظة، لأن نساء الجنة ذوات ماض ناصع لم تشبه أي شائبة، ولم ينكشفن على رجل من قبل ولا من بعد: (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ }الرحمن56
والصفة الثانية التدلل والتحبب والمبادرة إلى التغزل: {عُرُباً أَتْرَاباً} (الواقعة 37)، ومعنى (عٌربا) كما قال المفسرون: يستطعن أن يعربن ويفصحن عما في نفوسهن دون خوف أو وجل، فالكلمات الرقيقة تتدفق منهن بلا أدنى مشقة أو حياء أو وجل..
وان تكون المرأة ثيبا وبكرا في نفس اللحظة هذا ما جاءت إليه الإشارة في القرآن الكريم: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً}التحريم5

والملاحظ أن قوله تعالى: (ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً)، ذهب كل المفسرين أن معنى الآية: أن الله عز وجل سيبدل الرسول صلى الله عليه وسلم نساء غير نسائه، منهن الثيب ومنهن البكر..
لكني أقول إن هذه الآية لها معان أخرى غير ما ذهب إليه المفسرون: وهو تزويج النبي صلى الله عليه وسلم نساء كل واحد منهن تتصف بصفتين حبيبتين إلى قلب الرجل، وهي أن تكون المرأة ثيبا وبكرا في نفس اللحظة، وهذا لا يتم في هذه الدنيا..

2- قصة قالت شهرزاد:
لقد اتخذت فاديا عيسى في هذه القصة أسلوبا جديدا للسرد يشبه أسلوب جمال الغيطاني في روايته "رسالة في الصبابة والوجد"؛ حيث مزجت فيها بين القديم والجديد، بين الأعشاب وبين الفياجرة، وبين النعسان وبين اليقظان، وبين الانتصاب وبين الفتور..
وقد اعتمدت على أسلوب المقامات الذي يقوم على السجع مع استغلال أدوات البلاغة من ترادف ومقابلة وطباق وجناس..
ومضمون هذه القصة أن شهرزاد روت هذه الحكاية قديما كنبوءة مستقبلية تحققت في القرن العشرين. ومضمون هذه النبوءة: أن الرجال سوف يتشبهون بالنساء، ومن ثم يصابون بالعجز الجنسي ويعزفون عن نسائهم.. مما حدا بصناعات الأفلام الجنسية أن تصبح في مركز الصدارة، ومما حدا برواج العقاقير الطبية لمعالجة هذه المشكلة، وتوافدت النساء على المشعوذين والمشعوذات، وتوافد الرجال على الأطباء والعيادات، وأصبح الرجال لا يصلحون لشيء سوى المطبخ والحمام، حتى أهملوا فنون الحرب والقتال، وتركوا المجال للنساء لتمارس البطش والاستبداد..

والعجيب أنه بعدما تروي شهرزاد هذه الصورة السوداوية القاتمة التي تقلب الواقع رأسا على عقب، يكون الحل لوقف هذه المأساة أو الملهاة: "بأن يهب شهريار واقفاً, وعن رجولته باحثاً, وبالانتصاب متباهياً, وفي بقر بكارة جواريه مسرفاً, وبالرقص على الدماء التي تنزفها العفة منذ آلاف السنين مدندناً, ومسبحاً.. نكاية بتلك الشمطاء التي لا تتنبأ إلا بالضلال لأجل الضلال.."

فهل الحل الأمثل لهذه المأساة أن يقوم شهرزاد بإثبات رجولته بهذه الوسيلة الحيوانية، وهل الرجولة التي تقصدها الكاتبة هي الرجولة الجنسية فقط؟
لا شك أنه حل هزلي ينسجم مع النبوءة الهزلية التي أجرتها على لسان شهرزاد، وكأني بالكاتبة تريد أن تقول: أن الإنسان كلما أسرف في المتعة الجنسية، كلما فقدت هذه الغريزة لذتها ومتعتها، فتصبح تؤدى بفتور وميكانيكية بلا طعم أو لون.. وعندها تجد تجارة الأفلام الإباحية لها رواجا، كما تجد العقاقير والمنشطات الجنسية لها مباعا..

لكننا إذا سألنا أنفسنا لماذا أصبحت تلك التجارة تجارة رائجة؟
تكون الإجابة الطبيعة أنها لفتح الشهية للجنس كما نفتح شهيتنا للطعام برش التوابل عليه..! فالأفلام الإباحية ظاهرة مرضية وليست ظاهرة صحية، فعندما نجد شخصا لا تنفتح شهيته للطعام إلا بعقاقير فتح الشهية فندرك أن فيه علة ما.. وعندما نجد شخصا لا تنفتح شهيته للجنس إلا بالأفلام الإباحية والمنشطات الجنسية، فهذا ينبئ عن وجود علة، مثلها مثل الطعام تماما..

لذلك أول من اخترع هذه الأفلام هم الغربيون الذين أسرفوا في الشهوات؛ حيث أصبح الشخص لا يجد المتعة الجنسية في زوجته مهما كانت بارعة الجمال، فيحاول أن يعيد اللذة الجنسية التي يفتقدها في زوجته بهذه الأفلام، فكأن زوجته أصبحت محرمة عليه وهي بين يديه، ومحروم من جمالها الذي أمام ناظريه، يعني محرم عليه أن يفك مغاليقها، وأن ينال كنوزها، فهي أمامه كأنها كتاب طلاسم صماء لا متعة فيه، وهذا ما أشار إليه سبحانه وتعالى في سورة النساء بقوله: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ؛ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ؛ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً}النساء160
يعني عندما ظلم الإنسان وتجاوز الحد، سلبه الله النعمة التي بين يديه، فأصبحت بين يديه ينظر إليها وهو محروم منها، فكأنها غير موجودة أصلا، وأصبح وجودها كعدمها..


3- قصة "رشة عطر":
(رشة عطر) قصة واقعية فيها رصد لتفاصيل الحياة الزوجية، وخصوصا بداية التغير والملل والرتابة.. التي تتسرب إلى نفس الزوجين، أو الزوج على وجه الخصوص، فالقصة تقارن بين مشاعر الزوج عندما يكون زواجه لازال طازجا، في شهوره الأولى، وبين ما بعد إنجاب الأولاد وهموم الحياة.. وفي هذه الزحمة ينسى الأزواج والزوجات الرومانسية ويجرفهم تيار الحياة، ويلح عليهم الواقع بمطالبه..
وقد رصدت الزوجة هذه التغيرات الكثيرة، ولنتأمل القرائن السردية التالية: "تأخر العودة إلى البيت، بعدما كان البيت كله يضبط الساعات على موعد حضوره.. واستبدال القهوة الممزوجة بالحليب بالقهوة السادة.. وبدلا من مداعبة أطفاله أصبح يسأل عن سير دراستهم فقط، وبدلا من مدح زوقها في ترتيب المطبخ، أصبح يتبرم من كل شيء فيه.. وبعد حب استماعه لأطفاله ومشاكستهم، أصبح لا يطيق سماع حتى مجرد همساتهم.."

إننا نجد الزوج في هذه القصة قد بدأ يتنكر لحبه القديم، ويتخلى عنه كما تتخلى الشجرة عن أوراقها الذابلة في الخريف.. ولم تبين لنا الكاتبة أسباب ذلك؟ فربما أدرك الزوج أن زوجته أصبحت كنبات العنب يزحف ثم يتشبث، وتشبثها في نهاية الأمر يكون خانقا، فأراد ألا يجعل لها جذورا في قلبه، وبدأ يجعل بينها وبينه مسافة آمنة!
لقد كانت أولى الآفات التي نخرت في حياتهم الزوجية هي الألفة، فتقول:"إن تجرأت وحاولت الكلام يُفهمني بأنه حريص على متابعة فيلم أجنبي, وغير راغب بسماع أحاديثي المكررة مثل وجهي.."
وهكذا فإن الألفة بينهم أدت إلى فقد الإحساس بالجمال، أو كما يقول "شوبنهور": "إن عامة الناس فقدوا الإحساس بالجمال بسبب الألفة، كما لو كانوا محاطين بروائح تنبعث من متجر للعطور، فإنهم يصبحون معتادين على هذه الروائح، وغير قادرين على تعرف الجمال المميز لها بعد ذلك"

لقد أدركت الزوجة بداية الخلل في حياتها الزوجية، من اختلال العملية الجنسية بينهم، أو كما يقول "سندل": إن الدافع الوحيد والسليم في الزواج السعيد أن يكون بين الزوجين حب غامر على أساس جنسي صريح.." فاستعانت لإصلاح هذا الخلل برشة عطر، ولكن هل يصلح العطر والعطار ما افسد الدهر؟
وككل نهايات قصص فاديا عيسى لابد أن تنتهي القصة بمفارقة.. والمفارقة هنا بعد أن كادت رشة العطر أن تصلح ما فسد، فبدأت تثير الزوج وتنبهه لفتنة زوجه وحاجاتها، وبدأت توقظ الزوج وتخرجه من حالة السآمة والرتابة والملل.. بعد هذا كله، وبعد أن وصلت الأمور إلى هذا المستوى من السخونة؛ إذ بباب الشقة يدق دقات متتالية، فقد عاد الأولاد وجدتهم من زيارة أقربائهم سريعا؛ فأفسدوا على الزوجة وزوجها أسعد اللحظات.. لحظة التوحد والفناء..!

وما يلفت الانتباه في هذه القصة وفي أغلب قصص فاديا عيسى هي المبالغة في وصف تفاصيل الحياة الجنسية، والتعامل مع هذه التفاصيل برفق وهوادة، وكان الجدير بها أن تنتزع منها روحها، بعدما أدت دورها..
إنها حقا أوصاف جريئة، تحت دعوة الأدب الواقعي والواقعية.. لكن الأدب الذي يسمو بالمشاعر الإنسانية هو الأدب الذي تقرأه ابنتك وأختك وأنت مطمئن أن ليس هناك ما يجرح مشاعرها أو يخدش حياءها في هذا الأدب..

4- خاطرة نثرية :
أما خواطرها النثرية فهي النثر الحداثي الذي ذاع في نصف القرن الأخير، وقد أعلى من شان هذا اللون من الأدب ما يسمى المنهج البنيوي الذي غلب على الساحة النقدية للأدب، لكن يبدو أخيرا أنه تم الحكم عليه بالفشل، نتيجة لعاملين أساسيين: الأول يرجع إلى قصور هذا المنهج في النهوض بمهمة النقد المتكامل للنص الأدبي. والثاني: يرجع إلى سوء ترجمة مصطلحات هذا المنهج، وعدم تعريبها بصورة واضحة.. والملاحظ أننا أصبحنا نجد من هب ودب يكتب "نقدا بنيويا" ، ويتحدث عن "الأسلوبية" مرددًا مقولات رولان بيرت، وميشيل فوكول، ودى سوسير الخ ..
وإن أصحاب هذه الاتجاهات عتموها أمام القارئ تحت اسم تحديث الفكر النقدي العربي.. سعيا وراء إبراز قدرة أصحابها على ركوب موجات الحداثة، أو اعتبارهم روادا لها داخل حدود ثقافتهم المحلية..

إننا في هذه الخاطرة نجد أنفسنا أمام جمل وعبارات ترسم لنا في مجملها صورة مسكونة بالإشارات والدلالات، وتصلح مدخلا لمحاولة قراءة المشهد المعقد والملتبس.. فتبدأ خاطرتها بقولها: "قلت لك ذات عشق:أنت أصابعي بك أرتدي شكي, بك أخلع يقيني .. أنت انفراج الفرح والحزن بين العين والسين.."
لقد كان من المنطقي أن تقول: بك أخلع شكي، بك أرتدي يقيني..
ثم تقول جملة بلا معنى: أنت انفراج الفرح والحزن بين العين والسين؟
فهل أتت بهذه الجملة للضرورة الشعرية من أجل الوزن القافية فقط، أم أنها تقصد أن الفرح يكون بين العين وأسنان الفم.. أو أن العين والسين اختصار لكلمة عيسى أو يسوع؟
ثم تقول: "أنت أصابعي فلا تعزف إلا لحن جوعي, لحن توقي, لحن جنوني.." فهذه جملة بليغة شديدة العمق، حيث اعتبرت أن روح الحبيب قد تلبستها فلم تعد تفعل شيئا إلا بإذنه ووحيه، وبالتالي هو الذي يقرر مصيرها، ولكن روح الحبيب لم تشفق بها، فبدلا من أن تكون الأصابع وسيلة لتجنب الهلاك والردى، أصبحت الأصابع تعزف لحن جوعها وتوقها وجنونها.. ولم تعد تستمع لصوت العقل فيها، لأن روح الحبيب تلبستها وسدت منافذ تفكيرها، وهل يستمع الإنسان لصوت العقل إذا علا صوت الحب وعربد..؟
لكنها في الجملة التالية تناقض نفسها، فبعد أن كانت أصابعها تعزف لحن جوعها وتوقها وجنونها.. أصبحت تعمل الشيء المعاكس تماما، فأصبحت ترتفع بها فوق هامة الهاوية: "أنت أصابعي .. بك أرتفع فوق هامات الهاوية , وعليك يسقط ثلج سنيني.."
ثم تقول جملة غير مفهومة: "أحبك بمقامات الصبا..بأجراس المراعي.."
ما هي مقامات الصبا، وما هو معنى المقامة؟ وما الربط بين مقامات الصبا وأجراس المراعي؟ وهل للمراعي أجراس؟
المفترض أن يقال بأجراس الكنائس، أو يقال بأجراس الخيل في المراعي.. كما جاء في الكتاب المقدس: " في ذلك اليوم يكون على أجراس الخيل قدس للرب.."
ولو قالت " بأجراس الخيل في المراعي" لجاءت منسجمة مع الجملة التي بعدها والتي تقول فيها: "أحبك بشفة جافة تروي قصص الأنهار والسواقي.." لأنها بهذا تكون قد رسمت لنا صورة حية متحركة نرى فيها الأنهار والسواقي ومراعي الخيول؛ حيث الخضرة التي تروع الأنظار، ويكون للطبيعة سحر أخاذ قهار..
والمعروف أن لقاءها بالحبيب أيام الصبا كان يتم بعد قرع أجراس الكنيسة والذهاب للصلاة، أو كان يتم في المراعي الخضراء أيام الربيع، فارتبطت صورة المحبوب بهذين المثيرين الشرطيين، فما أن تسمع أجراس الكنائس، أو أجراس الخيول حتى تذكر حبها الأول القديم أيام الصبا!

ثم تقول: "منذ متى وأنا أذرف حبرك"
كان المنطقي أن يقال: منذ متى وأنا أنزف حبك" أو منذ متى وأنا أنزف حبرا"، يعني تكتب القصائد وتسود الأوراق بالحبر، فكأنها تنزف حبرا..
وتقول: "كم أنثى سألبس فوق جبة حبك ؟" إن هذه الجملة بلا معنى فلو قالت على سبيل المثال: "كم أنثى سألبس فوق أنثى لأحظى بحبك" لصورت المعنى تصويرا رائعا عميقا؛ حيث أن المرأة عندما ترى أن أنوثتها لا تملأ عين الرجل أو تشبعه، تتمنى أن تكون أنثى مضافة إلى أنثى أخرى حتى تصل إلى درجة عالية في الأنوثة التي تروق للرجل، وكذلك حين لا تملأ رجولة الرجل عين المرأة، يتمنى أن يمتلك تمتلئ نفسه بعدد لا حصر له من الذكور كي يصل إلى رجولة ترضى الأنثى..

والدليل على هذا المعنى كلامها التالي الذي تقول فيه: " كم لغة أحتاج كي يكتمل المعنى في حبك" يعني كم لغة ستمتلك فوق لغة حتى تفهم معنى الحب لدى الحبيب؟
وهناك من الجمل والمعاني التي تتناص مع نصوص من الكتاب المقدس مثل قولها: "أحبك ..لا تقل بالماء وحده يرتوي العطشان .." فقد جاء في الكتاب المقدس: " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"
وتقول أيضا: "اخلع نعليك وادخل معبد حكاياتي.. احرقني مع بخور نذوري.. أمطرني بتهدج روحك كي أستوي على عرش قلبك.." وهي مقتبسة من الكتاب المقدس من آية تقول: "ادخل إلى بيتك بمحرقات أوفيك نذوري.. التي نطقت بها شفتاي و تكلم بها فمي في ضيقي، اصعد لك محرقات سمينة مع بخور.."
ثم تقول: "لا تعتقني .. لا تحررني واجعلني أسيرة الأبدية في براري سجنك" .. وكان المنطقي أن يقال: "وخذني من البراري أسيرة أبدية في سجن حبك"

وبعد ذلك تقول: "دلني على طريق أسفارك.. اجعلني حقيبة مثقوبة الروح لا يرممها إلا ماء رضابك"
وقولها: "اجعلني حقيبة مثقوبة الروح لا يرممها إلا ماء رضابك" جملة فيها تناقض بل فيها جلد للذات وتمني للعذاب، فكيف تتمنى أن تكون حقيبة مثقوبة؟ وكيف تطلب من الحبيب هذا الطلب كي يوقع فيها هذا الأمر؟ كان من الطبيعي أن تقول أنا حقيبة مثقوبة لا يرممها إلا ماء رضابك"

ولا ندري ماذا تقصد بقولها "دلني على طريق أسفارك"؟ فقد جمعت في هذه الجملة بين كلمتين متلازمتين دوما، جمعت بين "الأسفار والحقيبة".. فهل تقصد بالأسفار هنا السفر والرحيل، وبالتالي فهي تحتاج إلى حقيبة للتزود بها بالزاد اللازم للسفر؟ أم أنها تقصد بالأسفار هنا الكتب المقدسة التي تحتاج إلى حقيبة تحفظ فيها من الضياع؟
وأنا أرجح المعنى الثاني بدليل قولها بعد ذلك: " احبك قبل وبعد التين والزيتون , قبل عاد وثمود , قبل الميلاد والهجرة.. قبل الجريمة الأولى, قبل الطلقة الأولى ,قبل القبلة الأولى, قبل الجملة الأولى.. " وكل هذه العبارات مقتبسة من الأسفار المقدسة، وهي القرآن الكريم والكتاب والمقدس..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي