الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيمن نور بعد رياض سيف

جورج كتن

2005 / 2 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في خطوة مفاجئة قامت السلطات المصرية باعتقال أيمن نور رئيس حزب الغد والنائب في البرلمان منذ عشر سنوات، بعد توجيه الاتهام له بتزوير توكيلات لتأسيس حزبه. السرعة التي تمت بها العملية، برفع الحصانة خلال نصف ساعة، ومنع النائب من مناقشة القرار واعتقاله مباشرة بعد خروجه من المجلس، تبين أن الاعتقال جرى لأغراض سياسية بذرائع تهمة قضائية، ويتضح هذا أكثر عند مقاربة الأوضاع السياسية المتحركة في مصر منذ عدة شهور.
النظام المصري مقبل على استحقاقات هامة مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس مبارك، فقد جدد له في المرات الأربع السابقة بهدوء، و نال في آخرها 94% من الأصوات حسب نظام الاستفتاء المطبق منذ الخمسينيات، فمبارك يحكم مصر منذ 24 عاماً، وهي مدة تجاوزت كل ما قبلها منذ ولاية محمد علي باشا، والرئيس يملك سلطات مطلقة بلا رقابة تؤمنها 30 مادة في الدستور، ويستطيع في كل مرة تسخير أجهزة الدولة في الاستفتاءات والانتخابات لصالحه ولصالح حزبه الحاكم الذي يتلخص برنامجه في تبني "خطب الرئيس". لكن التجديد للمرة الخامسة لن يمر بسهولة، إذ أن أمور كثيرة لا تجري كما يرغب النظام، فالمعارضة للتجديد تتصاعد والأوضاع العالمية لم تعد تسمح باستمرار الأنظمة الشمولية، فقد وضعت مجموعة الدول الكبرى منطقة الشرق الأوسط ضمن اهتماماتها لتطوير الديمقراطية حتى في الدول الحليفة لها.
ألا أن ذلك لن يمنع النظام المصري من بذل جهود مضاعفة لتأمين التجديد بوسائل متعددة، منها الإقرار بضرورة الإصلاح السياسي مع إبقاء ذلك في إطار التصريحات ودون أية إجراءات حقيقية، مع طرح استعداده لحوارات مع المعارضة على أن تنتهي في كل مرة ببيان عام لا يعني شيئاً على صعيد الإصلاح الحقيقي، كما يتحايل النظام على المطالبة بإلغاء حالة الطوارئ بتقليص نطاقها مع تمديدها بذرائع وهمية منها مؤخراً ذريعة حالة الحرب في العراق!! وأفضل استخدامات قانون الطوارئ في الظروف الراهنة رفض السماح لأحزاب المعارضة بعقد مؤتمرات شعبية لمنع وصولها إلى الشارع وإبقاء دعوتها لإجراء انتخابات رئاسية لأكثر من مرشح في إطار النخب السياسية، وهي دعوة لا يرفض النظام بحثها لكنه يؤجل ذلك لما بعد الانتخابات النيابية!
ويمكن لأطراف في الحزب الحاكم أن تصدر دعوات سياسية إصلاحية في مواجهة قيادات الحزب المحافظة، لتجير لصالح نجل الرئيس بعد استحداث منصب خاص به "رئيس أمانة السياسات" ليؤدي من خلاله الدور الأكبر في ظل والده متخطياً قيادات الحزب ومتدخلاً في كافة أمور الدولة، مستعداً لخلافة والده إذا اكتفى يوماً ما من التجديد.
ويتحكم النظام بتأسيس الأحزاب وعملها، ف"لجنة شؤون الأحزاب" هيئة حكومية يوجهها النظام كما يشاء لتلغي أي حزب قائم بقرار، ولتسمح بيسر لأحزاب تهادن النظام، وترفض أحزاب أخرى معارضة إلا إذا اضطرت للترخيص لها بناء على أحكام قضائية. وعند الضرورة فإن الأجهزة القمعية جاهزة لإرهاب المعارضة بحملة اعتقالات كأفضل الحلول للتمهيد لترشيح الرئيس، وقد شملت حتى الآن عدد من القادة المحليين لجماعة الإخوان المسلمين، وناشطين وزعوا مطبوعات ترفض التجديد والتوريث، وجهت لهم تهم العمل لقلب نظام الحكم! ويمكن في أي وقت توجيه تهم للمعارضين بالعمالة والتمويل الخارجي.
لذلك فإن اعتقال أيمن نور يندرج في إطار إجراءات السلطة للحد من حملة المعارضة، فالنظام لا يتوقع من حزب الغد كحركة ديمقراطية ليبرالية أية مهادنة أو توافق بذريعة الوحدة الوطنية كما مع أحزاب أخرى قومية أو يسارية، وهو من أكبر أحزاب المعارضة رغم حداثته، ويمثل التيار الليبرالي إلى جانب حزب الوفد وأحزاب أخرى، ويصرح رئيسه بأنه حزب برامج وليس أيديولوجيا، يؤمن بضرورة إصلاح الرأسمالية وينحاز للأكثر فقراً في مواجهة أخطائها، ويمثل الطريق الثالث بين الرأسمالية والاشتراكية، أي الليبرالية الاجتماعية.
لعب أيمن نور دورأ مزعجاً للسلطة في المجلس إذ أنه أكثر النواب توجيهاً لاستجوابات للحكومة تجاوزت المائة، ومنها حول ارتفاع الأسعار وأزمة الفقر وأموال التأمينات الاجتماعية والدين العام الذي أدى لرهن الأصول المصرية والفساد في قطاع المصارف... ويمكن لأي مراقب أن يلاحظ تشابه قضيته مع قضية النائبين رياض سيف ومأمون الحمصي من حيث المعارضة الليبرالية ومحاولة فضح الفساد والاحتكار والدعوة للإصلاح في مداخلات بالمجلس والسعي لتعديل مواد في الدستور وشكلية الإجراءات لرفع الحصانة وتوجيه اتهامات لا علاقة لبعضها بالسياسة... والفارق أن الهامش المتاح في مصر مكن أيمن نور من تشكيل حزبه بقرار قضائي ملزم، بينما سيف أُوقف مشروعه لتنظيم سياسي قبل انطلاقه وُأغلق منتداه للحوار قبل إيداعه السجن.
إلا أن حزب الغد جزء من معارضة أوسع، تجمعت في إطار "توافق القوى الوطنية للإصلاح" الذي يضم أحزاب شرعية وعشرات اللجان والمنظمات الأهلية ومئات الشخصيات المستقلة، المجندة في حملة من أجل التغيير ورفض التجديد والتوريث، وتعديل الدستور لإجراء انتخابات حرة لأكثر من مرشح تمكن من تداول السلطة، وتعديل المواد التي تعطي للرئيس صلاحيات مطلقة وتخفيض ولايته إلى 5 سنوات وقصرها على ولايتين فقط، وإلغاء حالة الطوارئ ورفع القيود عن نشاط الأحزاب والسماح بتشكيلها بمجرد إعلام جهة مسؤولة، وإزالة العوائق أمام عقد المؤتمرات الجماهيرية وحق التظاهر والإضراب، وضمان استقلالية النقابات والجمعيات، وحرية إصدار الصحف...
تحولت المعارضة المصرية إلى ورشة عمل من أجل الديمقراطية، إلا أن الحملة للتغيير لن تثمر أن لم تتخلص أحزاب المعارضة من خلافاتها وصراعاتها التي تتجاوز أحياناً التناقض الرئيسي مع النظام، ومنها مثلاً خلافات أيديولوجية منعت حزب التجمع من قبول العمل مع أي حزب يقوم على أسس دينية وخاصة جماعة الإخوان المسلمين أكبر أحزاب المعارضة، رغم توجهها السلمي الديمقراطي، إذ حتى الأحزاب الجهادية باتت أقرب للاقتناع بالنهج الديمقراطي فعبود الزمر دعا من داخل سجنه لمشاركة تنظيم الجهاد في العملية السياسية، حتى انه ينوي ترشيح نفسه للانتخابات النيابية.
ويستنفذ جهود المعارضة صراعات عبثية بين الأحزاب المتشابهة على احتكار التمثيل خاصة بين أحزاب ناصرية يدّعي كل منها التمثيل الوحيد للتراث الناصري، كذلك خلافات حول العلمانية بين أحزاب تعتقد إن للدين دور رئيسي في المجتمع مثل حزب الغد رغم ليبراليته، وتيارات علمانية منها"مركز أبن خلدون للدراسات" الذي أقام مؤخراً ورشة شارك فيها مفكرون إسلاميون متنورون منهم سيد القمني وجمال البنا ومحمد شحرور... طالبت بإصلاح ديني ومراجعة التراث الإسلامي وتجديد الفكر الديني ليسمح بالاجتهاد حسب المتغيرات الراهنة، مما أثار ضدها حملة احتجاجات وخاصة من جماعة الإخوان المسلمين التي اتهمت الورشة بالترويج للعلمانية ولوقف الجهاد كعمل عنصري، واعتبار الحجاب وحد الردة مناقضان للشريعة...
بالإضافة لمهاترات من جهات تنسب نفسها للمعارضة تستمر في استعمال سلاح التخوين ضد المخالفين في الرأي، وأفضل من يمثل هذه الحالة الصحفي مصطفى البكري الذي أصر في آخر تخوين له على اتهام سعد الدين إبراهيم بأنه مرشح أميركا للرئاسة! ألا أن التيار التخويني بدأ بالانحسار تدريجياً، فقد تراجعت قيادات الأحزاب المشاركة في الائتلاف المعارض عن اعتراضها على اللقاء الذي تم لأول مرة في مركز حزب التجمع بين السفير الأميركي والدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع والناطق باسم التحالف، وأبدت موافقتها على محاورة جميع السفراء الأجانب فيما عدا الإسرائيلي، فغالبية المعارضة باتت قانعة بالاستفادة من سياسات الخارج الذي لعبت ضغوطاته لدعم الإصلاح السياسي دوراً في تراجعات النظام، كما حملت المعارضة النظام مسؤولية إعطاء الفرصة للدول الكبرى للتدخل، بسبب إصراره على رفض إجراء أي إصلاح حقيقي.
ليس غريباً أن يكون أحد أسباب اعتقال ايمن نور لقاؤه مع مادلين أولبرايت خلال زيارتها الأخيرة للقاهرة بصفتها رئيسة "المعهد الأميركي لتشجيع الديمقراطية"، والتي التقت معارضين آخرين، منهم المرشحين للرئاسة نوال السعداوي والنائب المستقيل محمد فريد حسنين وسعد الدين إبراهيم، وشخصيات مستقلة وجمعيات أهلية وحقوقية، فالاعتقال يعكس أيضاً مخاوف النظام من التقاطع بين المعارضة المصرية والخطاب الديمقراطي الخارجي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون الإيرانيون يواصلون الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات ا


.. بعد المناظرة التي أظهرت نقاط ضعفه.. سيناريو استبدال بايدن قب




.. أهالي منطقة ليبية يحولون مناطق الاشتباكات المسلحة إلى مستشفي


.. عروسان إيرانيان يدليان بصوتيهما في الانتخابات الرئاسية الإير




.. رئيس مجلس النواب الأميركي: على الديمقراطيين البحث عن بديل لب