الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحوة الدائخ

خالد صبيح

2005 / 2 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الدائخ،كما هو معروف، هو من يلف رأسه دوار فلا يرى ماحوله بوضوح. ويطلق عليه في واحدة من ابتكارات العامية العراقية( الداهن) وتعني أيضا الشخص الذاهل أي الذي يتنبه للأشياء من حوله بشكل متأخر وبطيء ويبدو وكأنه يراها لأول مرة في الوقت الذي يكون أمر إدراكها ومعرفتها من الآخرين بات عتيقا جدا. وليس أسوأ ما في الدائخ انه نادر الصحو فقط وإنما انه لا يحتفظ بصحوه لفترة مناسبة تعينه على فهم ما يدور من حوله كما الآخرين. وهذا يبقيه في عماء يعيقه عن إدراك الحقائق البديهية الواقعة في مدى النظر العادي. وقد لايكون الدائخ شخص مؤذي إذا كان إنسانا بسيطا ولكنه حين يكون محللا سياسيا يقيم الدنيا ولا يقعدها في دعاواه فانه، بدوخته، يخرج من مطب الخطأ ليقع في مهاوي الخطيئة، لان صحوته هذه قد تكون مكلفة جدا كأن تكون كلفتها دماء غزيرة تسيل وضحايا كثر يسقطون كما يجري تحت النظر الآن في العراق مما يصنفه الواقع والمنطق إرهابا، غير أن الدائخ يصر، بخضوع غريزي للشعار وللوعي ألورقي، أن ما يجري هو مقاومة. وهنا تكمن المأساة، فكم من الضحايا يجب عليهم أن يدفعوا حياتهم وكم من البنى التحتية عليها أن تتهدم ليكتشف الدائخ السياسي إن هذه أفعال تخريب وان ليس هناك مقاومة إلا في ذهنه وفي بديهيات أوراقه التي لا يمكنها أن تضارع الواقع على الإطلاق. ويحق للمرء أن يتساءل:
أحقا يحتاج محللنا الدائخ إلى كل هذا الزمن وكل هذه الوقائع وكل هذه الدماء ليدرك إن ما اكتشفه في لحظة صحوه النادر من قتل للأبرياء وجريمة علنية في الطرقات العامة أمر لاعلاقة له لا بوطن ولا وطنية ولا أخلاق. وان القادمين من وراء الحدود لم يأتوا ليردوا جميل العراقي الذي طالما ضحى بدمه وماله لنصرة حقهم وقضاياهم وإنما هم جاءوا لينصروا عدوه عليه ويقتلونه هو بجريرة انتمائه لمكان يرى فيه ذوي النظرة المغلقة والسطحية للحياة والإنسان انه معبرهم الى الخلود، إلى وهم الجنة أو جنة الوهم لافرق.

هل كان ينبغي للدائخ أن يصرف كل هذا الجهد والورق والكلمات وحرق الأعصاب ليدرك، وهذا يبكي أكثر مما يضحك، أن عدو العراقيين، الإرهابي الحاقد، هو ليس مقاوما.

وليس ثمة شك في اننا سنسعد لو إن دائخينا هؤلاء اكتشفوا الحقائق فعلا، لكنا حينها آمنا بالمثل الإنكليزي القائل: أن يأتي متأخرا خير من أن لاياتي أبدا. ولكنهم ماان يصحون، لقول كلمة حق بدت نافلة، إلا ويعودون ليكرروا، بعناد مستبد، أوهامهم من جديد ولكن بصورة أكثر مأساوية هذه المرة. فبعد أن نفضوا أيديهم، مرغمين بفعل الصحو، من الإرهابيين( الأشقاء العرب) عادوا ليتشبثوا بشعار ومفردة مقاومة فاخذوا ينبهون البعثيين ـ كأنما ليس هم بذاتهم البعثيون من يدعم القتل والخراب ـ ويناشدونهم التخلي عن الارتباط بالإرهابيين، بعد أن صارت رائحة جرائمهم تزكم الأنوف، والى نبذهم، معتبرين هذه المرة إن البعثيين ( وليس غيرهم) هم الذين يحملون لواء المقاومة ـ والبعثيون يقاومون فعلا ولكن ليس لطرد الاحتلال وإنما لاستعادة عزيز فقد( السلطة)ـ وإنهم، أي البعثيين، أصحاب مشروع وطني وتحرري يريد طرد الاحتلال لإقامة وحدة وطنية وإعادة الكرامة الوطنية التي هدروها هم بالأصل، وكانما ليس البعثيون هم من يقتل بخبث وحقد شامل على الإنسان العراقي.

وبهذا الوعي التحليلي التجريدي عاد محللونا الدائخين إلى سباتهم وذهولهم مرة أخرى. فهم يعز عليهم أن يدركوا الحقائق ويخذلوا الشعار. وعلينا انتظار صحوتهم القادمة ليكتشفوا لنا متأخرين كالعادة إن الإنسان أهم بكثير من شعارات المتاجرة القومية والأصولية الدينية. وصحوتهم القادمة آتية لاريب فيها ولكنها قد تأتي بعدما يفنى العراقيون جميعا ـ وهذا محال ـ أو بعد أن لا يحتاج احد لهذه الصحوة الدورية الزائدة. صحوة الدائخ!.


السويد
9-2-2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مين اعترف بالحب قبل.. بيسان أو محمود؟ ????


.. العراق.. اهتمام شعبي لافت بالجرحى الفلسطينيين القادمين من غز




.. الانتخابات الأوروبية: انتكاسة مريرة للخضر بعد معجزة 2019.. م


.. أغذية فاسدة أو ملوثة، سلع مستوردة مجهولة المصدر.. كيف نضمن ج




.. هنا تم احتجازهم وهكذا تم تحريرهم.. مراسل سكاي نيوز عربية من