الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر التواصل

جمال الهنداوي

2012 / 7 / 4
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


من دون تبسيط مخل,يمكننا ان ننظّر الى الوطن على انه الحاضن الآمن للتنوع الثقافي والمذهبي،والإطار السياسي المتفق عليه على نطاق واسع لصيغة تعايش مشترك بين مكونات الشعب واطيافه، وان الدولة في جانبها السياسي والتنظيمي هي آلية لإدارة هذا التعايش وتوفير الحماية للتنوع الذي يميز الاجتماعات البشرية ويعبر عن هويتها الثقافية,وقد تكون هذه الفكرة هي ما تعنيه معظم الدساتير حين تؤكد أن الأمة هي مصدر السلطات.وباستعمال نفس التبسيط,ونفس الرجاء ان لا نقع في فخ الاخلال,نستطيع ان نقول ان نجاح الوطن او الفكرة او أي اطار او جماعة اخرى في الوقت الراهن ,وفرصتها في تحقيق رفاهيتها ومستقبلها وتنميتها,مرهون بقدرة الجماعات على تخليق آليات فعالة للتواصل فيما بينها.
فمما لا جدال فيه أن الاتصال أصبح إحدى قيم العصر الحالي المنحازة للحرية، لأنه يحمل سياقا يتمظهر من خلال العلاقة بين الذات والآخر. وثورة المعلومات والاتصالات ليست في منتهياتها ومآلاتها سوى دعوة إلى رفع القيود عن التبادل الحر، وإدخال المجتمعات الإنسانية في ضوء منظور قائم على محورية المعرفة والمعلومات، ومن خلال فكرة التبادل يتم تحويل المعطيات الاجتماعية والبنى الثقافية إلى صيغ حضارية، وثقافة حية منفتحة، ومجتمع مدني مفتوح على التبادل والتواصل، فالبعد التبادلي وحده الذي يتيح الخلق والإنتاج والازدهار. وهو ما يفسر أسباب انهيار أنظمة الحكم الشمولي المتعتقة في المنطقة، وتصدر وأولوية التنمية السياسية من خلال صيغ التعددية والديمقراطية واعادة الاعتبار الى الشعوب وفعالياتها الحرة.
ان الانفتاح الاعلامي الذي فرضته ثورة الاتصالات والمعلومات ،قد يكون العلة المسببة لكل هذا التسارع في الحراك الاحتجاجي الذي يتلاعب بالخارطة السياسية لدول المنطقة ،والتي تزامنت مع تطور قافز لتقنيات الاتصال،ازداد من خلالها مجال الحوار وتضاعف الإنتاج الفكري وتبادل الأفكار العابرة للحدود والرقابة والتقنين، مما زاد الضغط على الأنظمة السياسية المنغلقة،وافقدها السيادة الإعلامية والتحكم شبه الكامل في عملية تدفق المعلومات.
ان النتيجة التي يمكننا استخلاصها من رصد المشهد الذي تشكله ثورة الاتصالات في المنطقة هو انتصار التنوع على واقع التفرد، والمشاركة على الإقصاء، والانفتاح على الانغلاق. فالتعريفات العلمية الحديثة التي تناولت مفهوم الجمهور تركز على عوامل التغير والتنوع في إطار السياق الثقافي،حيث يشهد العالم تقلصاً لمفهوم السيادة لصالح فكرة حقوق الإنسان، وبروز قضايا حرية الرأي وحقوق الأقليات، وحرية التعبير، ومشاريع السلام التي ترتكز على حق المشاركة.
ان النتيجة التي يتوجب علينا ان نعايشها للفترات المقبلة من تاريخنا هو انه ثمة بوادر جلية لانتصار التنوع والتعدد على الرأي الاحادي المغلق بسبب فقدان السلطة لمغاليق الافق الاعلامي وانفتاح الفضاء امام الشعوب للتعبير الحر والتواصل مع الآخر مما يحيد من قدرة الحكم على التحشيد والتحريض والدفع بالشعوب في تناقضات مجهدة لغرض ادامة التسلط على رقاب الجماهير المغررة..
فالإنترنت كأحد وجوه هذه الثورة ,يتميز بخاصية رئيسية هو أنه يلبي رغبة أساسية لبني البشر وهي الرغبة في التواصل، مما يوفر الاشتراطات الاساسية التي تمكن الجيل من اعادة تموضعه على المشهد السياسي والاجتماعي مسلحا بادوات تتعامل مع الآخر كشريك او مناظر او متفاعل ولا تتعاطى معه كتهديد محتمل,ويعمل على تثبيت معطيات جديدة للواقع اكثراستعدادا ومرونة للتعامل مع سرعة ايقاع الحياة وحدية تحولاتها..مما يكسبها نظرياً وعملياً سمة إنسانية بارزة.
ان المعطيات التي ترسخت طوال فترات المد القومي العربي واشتراطات اذاعة صوت العرب تكاد اليوم تنقض ليقام مكانها واقعا آخر يتناغم مع ايقاع التحول والتجدد الذي تفرضه ثورة الاتصالات وتدمغ به طبيعة هذا القرن والقرون التي ستليه.وهذا ما يجب ان نكون على استعداد كامل له وان نتعامل معه من خلال آلياته التي يصنعها وعي الشباب الحر,او على الاقل علينا ان نتكنب الطريق وندعه يمر وينطلق في مسيرته الظافرة..مسيرة التعدد والتنوع والتواصل بين الشعوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.


.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو




.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza


.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع




.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب