الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية رئيس تحرير

علي شايع

2005 / 2 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


فكّر رئيس تحرير صحيفة عربية سابق ان يصبح رئيسا لتحرير العراق (من الاحتلال) مرّة واحدة، فما كان منه الا ان جمع أوراقه وشحذ خياله ليعدّ خطّة عمل مكتملة لمقاومة المحتلين،وفي جزئين!،من اجل طرد الذين جاؤوا عبر حدود الأخوة والجيران وعبروا السويس وبعض الخلجان، دون ان يبصرهم هذا الحصيف، الخبير بالسياسة، والطامع بتلكم الرياسة،فالرياسة عند آل فرعون بيعة قدرية الفروض، ينالها الإنسان وأهلوه ويورثها الزعيم كالمُلك العضوض..
وكان الطامع برئاسة التحرير يطمع في بيعة مشابهة دونما منافس،فحضر برنامج الاتجاه المعاكس،وبدأ بالصراخ والوعيد،وشجع القتلة على المزيد،ولم يستنكر قتل الصحافيين،بل ادعى ان لقاتليهم عليين.. وكان لي في ذلكم البرنامج مداخلة ،ملخصها ان من يهذر سيبقى في هذره.. وتسير القافلة..
وبعد مرور اشهر طويلة،استلمت بالأمس منه رسالة.. جاء في بعضها انه بالمصادفة على الانترنت وجد مقال لي مكتوب عقب ذلك البرنامج.ويضيف السيد طلعت رميح اني كنت متحاملا عليه في ذلك المقال،وكلامي كلّه مغالطات.. علما اني نشرتها على موقع إيلاف وموقع الحوار المتمدن واستلمت رسائل كثيرة حولها و ما صادفت من يقول بقول السيد رميح.
للجمهور الكريم أضع مقالي "الى الصحفيين العرب.. بوح عراقي بما يشبه رسالة"،وبالذي جاء فيه:

ذات يوم، حطمَ اشهرُ نحاتٍ مصري نصباً أنجزه كرمز للمقاومة!،لا لشيء الا لقول احد أصدقائه من ان ما وضعه مجسدا بهيأة امرأة مصرية يشبه "جان دارك" بطلة المقاومة الفرنسية التي أعدمها المحتل الإنكليزي حرقاً.. فاخذ النحات محمود مختار فأسه،وبدلا من ان يقول للتمثال ما قاله مايكل أنجلو ان انطق..قال : أريد مصريّـتي فيما افعل واعمل..وأنجَزَ بدلا منه تمثال نهضة مصر المقام حالياً أمام جامعة القاهرة.
تذكرت شاهد هذه الحكاية يوم أمس وكم كان بودي لو أسعفني الوقت لألقيها في نفس رئيس تحرير صحيفة الشعب المصري السابق حيث قاطعني في مداخلتي على برنامج الاتجاه المعاكس،مزايدا على ما يسمى بالمقاومة العراقية؛ بوعظ فرعوني عتيق سأمنا منه طويلا..فللعراق مثلما كل بلد عربي آخر خصوصية لا يفهمها طلعت رميح او غيره من كتبة المزاد. تلك الخصوصية تفرقنا في التفاصيل ونجتمع الى إنسانيتنا خارجها بالخطاب الثقافي العربي الذي ما أنولد بعد،وتفتش الأقلام النبيلة عن افقه المستقبلي القريب.
قلت: عجبي. بألم جم و بلهجة مصرية تداعب في الألم العميق ذكرى الشاعر الرائع صلاح جاهين:
اعجبْ ما تعجبْ... كل شيء له سبب
ولو الكلام كان فضة والسكوت ذهب
والدموع لهب
يحق لك تعجب وما عليك عتب
حقا لا عجب ،فربتما للصحفي طلعت رميح أسبابه فيما يقول ويفعل،ولا أجده يناقض نفسه ما دام يعلن البغضاء الكبرى التي يؤمن بها نصحا ثقافيا يبيح ذبح الرهائن أيا كانوا..فالصحافي مشروع ذبح على الطريقة الإسلامية ما دام قد دخل العراق..وكأن العراق لم يكن محتلا طيلة الزمن الصدامي البغيض،أيام كان زبائن الكوبونات من صحفيين ومرتزقة إعلام وباعة أحرف يجوبون بغداد صحبة العسس البعثي..
وليت السكوت ما كان ذهبا على طريقة جاهين،بل ضميرا يلقي سلام الكتابة..ولكن لمثل كلام طلعت رميح يحمد السكوت.
عجبي، قلتها بالأمس، مضيفا: لقد أخطأ الرمح بيد رميح،كما تقول العرب، فالرجل كشف عن بغضاء ما عرفها صحفي قبله ولا خالطت قلب صاحب عمود شريف في صحيفة..فهذا الصحفي ابتدأ حديثه بالاعتراض التصحيحي لمن يسميهم الإعلام العربي بالمُختَطَفين، فهم أسرى في نظره،وثمة مؤامرة تحيق بالأمة العربية الإسلامية!! وعلينا التنبه وعدم التفريط بحصتنا من الأسرى في زمن الذبح الإسلامي!.
قالها مبررا لجرائم القتل ،ومدافعا بشدة وهو يحلّ دم المختطفين،متناقضا كصحفي يهدر أرواح من يشاركهم شرف اللقب والمهنة،لا المحنة.. عجبي.
ومتناقضا كان مع ما يحمله من لقب منذ بدء القول: ان كل من يدخل العراق مطلوب دمه لأنه يلج ساحة حرب..فمن ذا يصحح لنا كي لا يختلط الأمر علينا لنميز بين الصحفي الشريك في الألم الإنساني وبين الآخر الشريك في قتله؟.
ربما يريد الان طلعت رميح و من يزايد بهذه الطريقة ان يعزّز نجوميته في سواد الغوغاء،فينالها مشفوعة الرضا من سدنة فتاوى الرعب ليس الا. حتى لتجدنه غير آبه بالقول ان المثقف في رهان آخر الزمان هو وحده من يصبح القابض على جمرة استمراره كأنها كلمته قرب أيادي يتقافز منها لمعان السيف..فالقتل في يدٍ وفي الأخرى حرف لمثقف عربي يناصرهم، فيعبدون ربهم عليه.
ان رهان المثقف العربي خاسر بالقطع ان كان هو رهان المجد القادم زيفه من مجاميع أولئك السيّافين،وسيشجعهم على المضي غيا وعدوانا فيه هذا الصمت الذي تكاثر ذهبه حتى أصبحنا أغنى الأمم صمتا،فنحن امة مأمورة في التعبد بالصمت!. والى الآن لم يحن أوان ان يفرز المثقف العربي نفسه عن قطعان القتلة.
عجبي..فإذا كان صحفي (قد الدنيه)!! مثل هيكل يريد منا بعض العروبيين ان نجابه به الهيكل الإسرائيلي يرى فيما يحدث من خطف للصحفيين تفهما سياسيا،فمن حقنا أيضا ان لا نعتب على رميح ولا نعجب.

و من بوح شاعر عراقي اكرر: هذه ليست الشمس كلها..
وابحث عمن يشارك الشاعر أمل دنقل أمله النبيل في قول "لا"،ملتفة ً على فجيعة التوحد في:
"المجد للشيطان.. معبود الرياح
من قال (لا) في وجه من قالوا (نعم)
من علم الإنسان تمزيق العدم
من قال (لا).. فلم يمت
وظل روحا أبدية الألم"

بأبدية المتاعب والألم الصحفي أتسائل: بمَ ينتمي هؤلاء الى هذا الرافض المصري الفذّ في رهانه الإنساني على المستقبل؟!.
ام هل ينتمي هؤلاء الى ألم صحفيٍ شهيد لمتاعب الوضع العربي ؟!.
اني لا أراهم ينتمون لغير ما يذهب جفاء..

و فنيت ما أسهلها من كلمة؛ نعم،في فم انتحاري ليته أبدل عينها دالا..ليستدل على الإنسان في ظلمته.
و ربما لا أحير جوابا شافيا لحظة اسأل:هل وجدت ال"نعم" ليبيح بها مفكر عربي ذبح متطوعة في منظمة إنسانية او صحفي.. ما لم يطلق سراح سجينة مثل رحاب جرثومة؟!.. بل افصل في الإجابة بين السلطوي الهالك في غيّ نعمه( بكسر العين ورفعها يكتمل المعنى)،وبين عَظَمَة بقاء البعض على قيد حرمانهم وفجيعتهم في مطاردات التعسف المرير والعزلة الشاقة. و لن أعجب بعدها ..حتى لكأن سليمان بن يسار حين قال لابنه قبل أكثر من ثلاثة عشر قرنا قالها لي: " أي بني، لا تعجب ممن هلك كيف هلك، ولكن إعجب ممن نجا كيف نجا".
لكل الناجين أقول: فليكن كلّ ناج حكيما مثلما تمناها الصوفي ولم ترها عين حياته..لنكن جميعا حياة كلمة هذا العارف في موته..
ليتوحد الجميع في موقف وإجماع كما لم يحدث من قبل في التاريخ ولتعلن الآن مواقف ألفية لمثقفين عرب علّها تيقظ مواقف مليونية في رفض ما آل اليه الوضع من هدم إنساني وتجهيل فجيع يجعل السيف كحقيقة عربية.

انتهى المقال الذي نشر يوم الخميس 23 سبتمبر2004.

أعدت قراءته لمرتين متتاليتين،وقرأت بعده بعض مما نشره السيد طلعت رميح في الآونة الأخيرة من تحريض دموي قبل الانتخابات و بعدها في سعي لتدمير العراق..ولا اعرف أي دافع غير هذا يبيح لبعض حملّة الأقلام من الواهمين بقدراتهم على التنظير الفلسفي والحربي بذات الوقت..يبيح لهم بث سمومهم وتهاديها عبر الايميلات فرحين بما آتاهم تعزيم بن لادن من خراب وقتل للأنفس البريئة، فالسيد رميح ينتهز فرصة مراسلته لي ليدسّ في البريد مقالين من كتاباته الزرقاوية كعربون حوار وتواصل..ويعاتبني لأني اعتبرت ما يقوله جريمة.
قلت ربما استعجلت فتحاملت.
تالله ما أظلمني وما أشجعني على رجل عربي! مسلم!! يريد الخير لي وللعراق، فلأتعب ضميري! مثلما (يطلب هو مني في مكتوبه)ولأعد الى كتابته الأخيرة.. " مراحل استراتيجية تحرير العراق" هذا العنوان المنتفخ يغري بوجود تحليل استراتيجي ضخم لمراحل تحرير العراق،غير انك ومن الأسطر الأولى ستكتشف بالونية الادعاءات و دموية الطرح لأنه يعتبر من أساسيات ما يسمى بالمقاومة العراقية الجديدة لإخراج المحتل اعتمادها على ما تبنته الجماعات الإرهابية من أساليب تدمير وقتل. ويستمر الكاتب في غيه وعمه تحليلاته التي تعتبر ما جرى في الفلوجة انتصارا كبيرا في المرحلة الأولى لتحرير العراق،وهي بالضد تماما من كل الآراء النبيلة التي رأت في الدمار الذي حلّ في هذه المدينة جريمة كبرى يتحمل مسؤوليتها دعاة الإرهاب ومن والاهم بالقول والفعل. وعليه فالسيد طلعت رميح ضمن من يدانون في سياق التحريض على الإرهاب، فهو يكتب نصائحه للإرهابيين عن تحديات تواجههم وعليهم تخطيها بكل ثمن ومهما كانت النتيجة، وبهذا يكون هذا السيد من المحرضين الأساسيين والمسئولين عن ما جرى في أيام الانتخابات العراقية من تفجيرات وعمليات غادرة لأنه كتب قبيل أيام الانتخابات تحريضاته المفخخة لإفشال العملية الانتخابية في العراق وما بعدها. ونص هذا التحريض موجود في موقع مفكرة الإسلام الإرهابي و مواقع مسمومة تنشر له ولبعض المتحاملين على العراق.
واذا كان السيد طلعت رميح قد فعلها بإعلان دعمه الكامل بالقول والنصيحة للإرهاب في العراق،فأن أطرافا أخرى تخرج على الفضائيات حتى هذه الساعة وتعلن في برامج دينية كلامها المبطن وفتاويها الغامضة والحمّالة أوجه.
الغريب ان هذا السيد المصري يرى في تحطيم البنية الأساسية لأي حكومة عراقية جديدة حتى وان كانت منتخبة حلا لمشكلة العراق والمنطقة كلّها ولا ادري كيف يغيب عن باله إيجاد حل لديكتاتورية مصر القابعة على رقاب الشعب منذ عقود والتي استنزفت زمرها موارده وثرواته،فهل يرى حلا في تعطيل كل أشكال الحياة في مصر،وهدم بنى الدولة،وتفجير أنابيب النفط(ان وجدت) والغاز وضرب المنشئات المدنية،واستهداف السياح الأجانب واختطاف الصحفيين.. هل يجد السيد طلعت رميح في هذا من حل لنهاية ما يعانيه الملايين في القاهرة المقهورة.
لا أدري لم يهرب هذا السيد وغيره من العرب عن حلّ مشاكلهم،واللجوء الى إيجاد مهرب عنها بالبحث والكتابة عن تفاصيل مقاومة وهمية وتحرير بلدان عبر القارات.
انصح السيد رميح بسؤال أي مواطن مصري بائس يصادفه في شوارع القاهرة الموحلة عن الحل والسبيل لتحرير مصر والى مقاومة احتلال الأم الغولة لكل مؤسسات مصر والتعامل بمقدرات هذا البلد؟.

أقول للسيد رميح من أنت ومن تكون أمام نسبة فاقت 65% من الشعب العراقي زحفت الى الانتخابات،الا يكفي حكومة مبارك عارا ان مصر أقرت منذ ثمانين سنة وجوب انتخابات نيابية وانتخابات تقرير مصير وهي الى الآن لم تقرر مصير خروجها الحر من تبعيات البيعة الخامسة..
أيها السيد رميح مهما تكن نتائج الانتخابات العراقية فأنها أفضل بكثير من نتائج البيعة الخامسة او الخلافة.. الأجدر بك صراخا وأنت ترى نجاح الانتخابات العراقية ان ترفع صوتك، :" كفاية يا مبارك"، وتتعلم من الدرس العراقي "صوتك مستقبل" .. مثلما يحلم بها الملايين من الشعب المصري المقموع.
انك ومن معك تضللون العامة وتصرفونهم عن شأن هام وغاية وطنية يعرفها أهل مصر مثلما يدري أهل مكة بشعابها،ومثلما لا يفتقر العراق الى امكانات وطنية وبشرية حتى تنفروا – مشكورين- للدفاع عنهم كافة. وان كنت أنت ومن معك تبحثون عن الجهاد وبركاته فعليكم بالأقرب الأولى بالمعروف.
على كل حال لا يمثل السيد رميح ومن معه الا نسبة لا تحسب في حساب،ولا ترتجى لعتاب..
وليسوا إلا عصبة لنا في أخذهم على محمل الشفقة لما نراه من مواقف رائعة لكتاب رائعين يراهنون على الإنسان دونما مزايدة من يكتبون بغضاءهم وأحقادهم هربا عن الحقيقة في معاناة الشعب المصري وحلمه بالتحرر ونيل الفرصة في غد أجمل خال من الاستبداد والاحتلال المباركي على مدى 23 عاما هي الأقسى في حسابات المنطقة بل لا تكاد تكون مصر بكل تاريخها وثقله مختلفة عن أي بلد في أقصى مجاهل أفريقيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة