الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة من مجموعة -ابطال من هذا الزمان

سامي العباس

2005 / 2 / 10
الادب والفن


12/4/1978
قصه للأطفال فوق الخمسين
الحمار الذي أكل مخصصات حركات التحرر
ذات خريف اجتمع كل من الحمار والبطة والديك ومالك الحزين لتأليف تعاونية زراعية. وكما هي المشاريع الجماعية عادة يجري تصنيع لبناتها الأولى من النوايا الطيبة. ومعروف أن هذه الأخيرة -وطيب الذكر الملح- أبناء عم . وكل من ولدي العمومة هذين يجران من يكثر منهما إلى التهلكة. رغم ذلك فإن بعض أعضاء الجمعية آنفي الذكر قد زلقت بهم أقدامهم في هذا الاتجاه. وهذا ما ستعرفونه لاحقاً.
قالَ مالك الحزين: سيكون عملنا الجماعي باكورة الثورة الزراعية القادمة.
- رغم أني اعشق الشعارات الطنانة بالفطرة لكنني أنصح هنا بشيء من التواضع. رد الديك على نحو حصيف. إلا أن البطة أسرعت إلى الإدلاء بدلوها.
- اسمع أيها الرفيق الديك. قد تكون ملاحظتك حول التواضع في محلها لكننا في بداية عملنا نحتاج إلى شيء من الحماس وليس إلى ما يثبط العزائم.. الإكثار من تقليب الأمور والوقوف عند كل شاردة وواردة بدعوى أهمية العقل البارد قد ينفع لاحقاً.. ولكن الآن أظن أننا نحتاج إلى شيء مختلف..
وحده الحمار كان مطرقاً.. كأنه ليس معنياً بجلسة المثاقفة هذه!!.. ولا يتسرع أحدكم ويظن مرد ذلك لأنه حمار. ففي نهاية الحكاية ستعرفون من هو الحمار. باختصار أتفق المجتمعون على زراعة القمح آخذين بالاعتبار ما يسمى -الفجوة الغذائية- وللإنصاف فقد شارك الجميع بالعمل. قام الديك بمعونة الحمار بفلاحة الأرض. وغربلت البطة ومالك الحزين البذار وعقمته. وفي نهاية شهر أيلول نثر الحمار بالتعاون مع ذنبه بذور القمح المغربلة والمعقمة وفق إرشادات التلفزيون كما يفعل فلاح متمرس. وانتظر الجميع بفارغ الصبر قدوم المطر.
في الكوخ الذي لم شمل الرفاق أعضاء الجمعية سارت الحياة كالمعتاد. القليل من العمل والكثير من الملل. لكن الشتاء جاء على أفضل ما ينبغي لحسن الحظ.في نهاية آذار قام الجميع برحلة استكشاف إلى الحقل. ولقد شهقوا بمن فيهم الحمار -الأكثر اتزاناً- دهشة للمشهد. كانت أعواد الحنطة قد بدأت تحبل بالسنابل. وكان المنظر ككل يبشر بالخير.قالت البطة: ألف حمدٍ لك يا ربي.. لم يذهب تعبنا سدى.
قالَ مالك الحزين: نعم.. نعم ينبغي أن نشكر الله على نعمته. ولكن لا ينبغي لنا أن نستأثر بكل ما أعطانا.
- ما الذي تقترحه؟ قالَ الحمار متوجساً.
- رفاقنا في أنغولا وموزمبيق بأمس الحاجة إلى الطحين.. إنهم يقاتلون الإمبريالية ولا وقت لديهم للزراعة.
أوضحت البطة بلهجة نكران ذات. لكن مالك الحزين قاطعها قائلاً:
- وأثيوبيا.. الرفيق هيلا مريام لا ينبغي إغفاله.. وقته لا يتسع مطلقاً للتفكير بالزراعة أو الصناعة.. كل دقيقة مخصصة لمقارعة الإمبريالية وأذنابها.
لوح الحمار بذنبه كما لو أن ذبابة قد قرصته.
- أيها الرفاق إن لائحة الدعم طويلة. وإمكانياتنا راهناً متواضعة. في العام القادم سنطور برنامجنا الزراعي وسنأخذ بعين الاعتبار حاجات رفاقنا في حركات التحرر.
ألقى الديك خطبة قصيرة. رغم ذلك لم تفلح لهجة الديك الحماسية في انتزاع الحمار من تأملاته.. وحده الحمار كان يهز ذنبه ويضحك في عبه. كان واضحاً أنه يبيت أمراً ما.. لكن حالة الرفاق الذهنية لم تكن تسمح برؤية ما كان واضحاً.. فاتحاد الإيديولوجيا والنوايا الطيبة يرهقان العقل ويجعلانه شبه عاطل عن العمل.صباح اليوم التالي خرج الحمار لممارسة رياضته المحببة -المشي والتأمل- وقد عرَّج الحمار على الحقل وأخذ يقضم قضمة من هنا وقضمة من هناك.وعند الظهيرة عاد متثاقلاً إلى الكوخ.وطيلة شهري نيسان وأيار تكررت زيارات الحمار للحقل وكان في كل مرة يعود متثاقلاً. كان واضحاً لكل من له عينين أن رياضة المشي لا تعطي مفعولها. فقد سمن الحمار وانتفخ خداه وعيناه الواسعتان الرومانسيتان أصبحتا منغوليتين تشعان فكراً.
مطلع حزيران أتى الحمار على ما تبقى واقفاً من عيدان وأخذ يعد العدة ليحلف اليمين.. كانت تأملاته قد قادته إلى رسم خطة الخروج من تبعات ما فعل..كان يعرف أن في انتظاره مساءلات الرفاق.. وأن منسوب البلاهة الراهن وخاصة عند الديك لا يكفي وحده للتخلص من المأزق.. قد يفلح الديك ببلاغته في إيقاظ الريبة في عقول البقية..
"سأتهمهم كما سيتهمونني وسأقترح القسم على البئر حلاً للنزاع". أعد الحمار خطته على مهل وفي طريق العودة أطال التفكير بها للمرة الأخيرة. رغم ذلك فقد لاحظ الجميع على الحمار أنه مرتبك.. كان لا يعرف من أين سيبدأ الحديث. الديك بميله إلى الثرثرة أنقذ الموقف:
- ينبغي يا رفاق أن نحضر أنفسنا للحصاد.. المثل يقول.. في أيار تجمع الأغمار.. نحن في حزيران.. أخشى أن نكون قد تأخرنا..
تنحنح الحمار وبدا عليه الحرج.
- لا أدري يا رفاق كيف سأخبركم.. إن أحدهم قد أكل القمح.. هذا الصباح مررت بالمصادفة من هناك.. لا يوجد في الحقل إلا التراب..
صعق الجميع لهذا الخبر.. قالَ الديك:
- أنت كنت تمر كل يوم من هناك.. لا أذكر أنك قد لمحت إلى ذلك من قبل لا يعقل أن يؤكل الحقل كله في ليلة واحدة.
وكما توقع الحمار فإن الديك لم يفقد كامل عقله ولكنه كان قد أعد العدة.
- إلى ماذا تشير بحديثك أيها الرفيق الديك!!.. إذا كان القصد اتهامي فكلنا في الهواء سواء..
قالت البطة: ولكنك أيها الرفيق الحمار قد سمنت كثيراً في الآونة الخيرة، ولا أظن أن الرياضة لوحدها مسؤولة عن ذلك..
قاطعها الحمار وهو يعض على كل كلمة قبل أن يفلتها:
- لم أسمن لوحدي.. أنت مثلاً قد سمنت أيضاً.. ولا أعرف بطاً يسمن في الشتاء.. أنت ما شاء الله تتمايلين في مشيتك. هل تخبريني كيف حصلت على كل هذه المؤخرة؟!.. وأنت أيها الرفيق مالك. لقد طالت قامتك ما شاء الله بوصتين أو أكثر..
كان الحمار يوشك أن يستطرد باتجاه الديك لكن الأخير أوقفه بنظرة متوعدة. احمر عرفه أكثر من المعتاد ونفش ريشه كمن يستعد للمبارزة، قالَ الحمار بعد أن خيم الصمت بلهجة مصالحة:
- يا رفاق إن بقينا نتبادل الاتهامات فلن ننتهي من ذلك أبداً.. هناك حل.. لنذهب جميعاً إلى البئر ونقسم عند فوهته ونقفز، ولا أظن أن البئر سيسمح للكاذب أن يقفز فوقه بسلام.
قالَ الديك بلهجة مريرة:
- لا أظن أن للبئر دخل في هذا الموضوع.
- كيف لا تظن أيها الرفيق الديك وهو موضع احترام وتقديس كل سكان المنطقة.. لا تقل أنهم جهلة متخلفون يؤمنون بالخوارق.. وليس من الحكمة أن نتجاهل ما تواضع عليه المجتمع.. نحن جزء من هذا الأخير ولا نستطيع التحليق بعيداً عن شرطنا التاريخي..
كان واضحاً أن المشي والتأمل قد صنعا من الحمار مشروع فيلسوف رغم ذلك فقد وافق الجميع على مضض.. وحدها البطة كانت قليلة الثقة بساقيها أما الديك فإن خطاباته المطولة قد أوهنت ساقيه.. كان قد اعتاد ألا يخطب جالساً.. وحده مالك الحزين كان واثقاً من طول ساقيه ومن براءته.. ولذلك فقد سار في المقدمة..
عند فوهة البئر أقسم الجميع وقفزوا واحداً وراء الآخر.. لم يسقط أحد في البئر لكن الذي سقط كان الجمعية الفلاحية وأحلام الثورة الزراعية.. ومخصصات حركات التحرر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج


.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث عن أسباب نجاح شخصية دانيال في ل




.. فيلم ولاد رزق 3 بطولة أحمد عز يقفز لـ 193 مليون جنيه منذ طرح