الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة وذكريات - في الهدف والطموح

عبد العزيز محمد المعموري

2012 / 7 / 7
سيرة ذاتية


سيرة وذكريات .... في الهدف والطموح

عبد العزيز محمد المعموري – معلم متقاعد وعضو اتحاد أدباء وكتاب العراق – بعقوبة

كان معلم اللغة العربية في مدرسة خرنابات الابتدائية مرجعا" من الطراز الممتاز وكان يبعث في تلامذته الطموح وحب التطلع ، وكنت واحدا" من تلامذته سنة 1944 حين كتب على السبورة بيت الشعر للمتنبي ( إذا غامرت في شرف مروم .. فلا تقنع بما دون النجوم ) ثم التفت إلينا طلاب الصف الخامس الابتدائي قائلا" : من منكم يريد أن يكون طبيبا" ؟ ومن منكم يرغب أن يكوم مهندسا" بل من منكم يحب أن يكون أديبا" كطه حسين أو المازني ؟ ...الخ وقال : لا تضحكوا ، كل هذه الطموحات يمكن الوصول إليها إذا كانت لديكم العزيمة والإصرار !
وامتلأت جوانحي فرحا" بتحقيق هذه الطموحات لمجرد أن أغرس في نفسي الرغبة في الوصول والمثابرة على الدراسة لأنها وحدها السبيل إلى تحقيق الأماني .
ألم يقل الشاعر من رام وصل الشمس حاك خيوطها سببا" لآماله فتعلقا ) وأنا مصمم على الوصول إلى الشمس ولابد من حياكة الخيوط !! .
كنت ألتهم المعلومة من المعلم التهاما" ، وحين العودة الى البيت أراجع الدروس باهتمام ورغبة ولا أترك موضوعا" دون هضم واستيعاب تامين وكلي ثقة بأنه لا وجود للمادة الصعبة مادمت راغبا" في فهمها واستيعابها .
ومضت السنة الدراسية كأنها حفلة عرس وكانت نتيجتي الأول في الصف الخامس الابتدائي وحملت نتيجتي لأبشر والدي بها وأرغب في أن يطّلع عليها كل أهالي قريتي ( قرية العبارة) ، لكن أحدا" لم يسألني عن نتيجتي ، فأخذت أهرول لأجلب استغراب الآخرين لكي يسألوني عن سبب الركض ، لأجيبهم : أريد تبليغ الوالد بنجاحي وكوني الأول في صفي ، فضحك الآخرون لأن النجاح والرسوب أشياء لا تثيرهم .
وانتقلت إلى الصف السادس ، ولم يكن لقرية العبارة من يمثلها في هذه المرحلة سواي ، أما أقراني فيكفيهم الوصول الى الصف الرابع ليتعلموا القراءة والكتابة وهو منتهى طموحهم وطموح آبائهم ، أما إكمال المرحلة الابتدائية فهو فوق تصورهم .
أما أنا الذي رام وصل الشمس فظللت أركض وراء خيوطها واستطعت عبور الصف السادس الابتدائي بدرجة الأول في محافظة ديالى على مرحلة الابتدائية ، فماذا عن خيوط الشمس ؟
قلت في سنة 1944- 1945 الدراسية كانت نتيجتي الامتحانية الأول على المدارس الابتدائية وقد فرحت بنتيجتي وسجلت في الصف الأول من ثانوية بعقوبة المركزية التي كانت الثانوية الوحيدة في اللواء ( المحافظة) وظللت أواظب على الدوام مشيا" على قدمي من قريتي (العبارة ) إلى بعقوبة صباح كل يوم علما" أن المسافة إلى المدرسة لا تقل عن 6 كيلومترات ونصف الكيلومتر ، وكان الدوام يبدأ من الساعة الثامنة صباحا" حتى الرابعة عصرا" وليس كدوام هذه الأيام الذي لا يجاوز الثلاث ساعات ، وكان الدوام على مرحلتين تنتهي المرحلة الأولى في الثانية عشرة ظهرا" تتبعها استراحة الغداء ثم يعود الدوام الثاني ، وفي هذه الفترة يحتاج طلاب بعقوبة الى الذهاب الى بيوتهم لتناول الغداء ، أما نحن القادمين من القرى المجاورة فكل منا يحمل في حقيبته أرغفة من الخبز وربما بيضة مسلوقة فيأكلها كغداء دسم ويحمد الله على نعمته !
كان دوامي في الثانوية مؤقتا" بانتظار أن يأتي أمر قبولي في كلية الملك فيصل الثاني التي كانت تختار عينة من خريجي الابتدائيات في عموم العراق على أن يكونوا ضمن الخمسة أو الستة الأوائل في محافظتهم .. وجاءت الترشيحات ولم يكن اسمي من ضمنهم ، بل ذكر اسم السابع في اللواء ، أما أنا الأول فلم يكن اسمي ضمن المرشحين ، فذهبت أشكو إلى مدير المعارف ( مدير التربية ) وكان المرحوم ( جواد الجصاني ) آنذاك فتعجب من الموضوع ، وقرع الجرس ليستدعي كاتب المديرية وكان اسمه كما أظن ( حميد يوسف ) قائلا" له :
( ما تشوف شنو هي قضية الولد ؟) فأخذني الكاتب الى غرفة السجلات وأخرج سجل الدرجات ليفتش عن درجاتي فيدهش لوجود شطب على درجة اللغة الانكليزية وبدلا" من المكتوب (87) مشطوب عليها والدرجة الجديدة 70 وذلك بالقلم الأحمر وبجانبها ( راسب ) وكيف يكون الرسوب لدرجة (70) وحمل السجل الى مدير المعارف وهو ( يدردم ) .. من الذي فعلها؟ من ؟ وهنا شاركه التعجب مدير المعارف أيضا" وما كان من السيد المدير الا أن نصحني بالتوجه الى كلية الملك فيصل الثاني الكائنة قرب المقبرة الملكية في الأعظمية .
وفي اليوم التالي استصحبني المرحوم والدي الى الكلية وفي مدخلها وجدت إعلانا" بأسماء المقبولين في المحافظات العراقية كلها ، وحين عاينت المقبولين من لواء ديالى وجدت اسمي يحمل رقم ( 1) .. ما هذه المفارقة ؟ من الذي حذف اسمي ضمن القائمة التي أرسلت الى بعقوبة ؟ ومن الذي حرّف درجة اللغة الانكليزية وحوّلها من (87) الى ( 70) بخط أحمر وكتب كلمة ( راسب) ؟ كيف تكون اللخبطة بهذا الشكل ؟ ولماذا أكون أنا المستهدف لا غيري؟
كان مدير ثانوية الملك التي تسمى ( كلية الملك فيصل ) انكليزي الجنسية يدعى المستر وود
أي السيد خشبة !وكانت الدراسة فيها باللغة الانكليزية تمهيدا" لإرسال طلبتها المتفوقين الى لندن لإكمال دراستهم .
دخلت على السيد المدير وسلّمت عليه بلغتي الركيكة ( كود مورننك ) ثم ( آيام ذفيرست ان ديالى) وأخيرا" ( آي وونت تو بي ان يور كولج ) وكنت أتصوره لا يعرف اللغة العربية ، غير أنه طبطب على كتفي قائلا" ): ما يخالف ما يخالف ) ونادى على مدير القسم الداخلي قائلا" : اقبله ، لكن مدير القسم بادرني بالقول : وين جنت أفندم والطلاب صار لهم اسبوعين بالدوام ؟
قلت له : كنت انتظر ترشيحي من قبلكم فلما لم يصلني جئت اليوم . قال : يوجد طالب بصراوي ضايج ربما سيترك الدوام ، حينذاك ستكون مكانه ! قلت : وإذا لم يترك ؟ التفت إلي مدير القسم الداخلي بانزعاج قائلا" : هات جنسيتك ، وحين تصفحها قال : عمرك بيه زيادة سنة روح زغّر عمرك بالمحكمة .. وهكذا تخلص مني .
وتوجه المرحوم والدي الى محكمة بداءة بعقوبة لطلب تصغير عمري سنة واحدة ، وجلب للمهمة شاهدين من بعقوبة .
وحين نودي على أحد الشاهدين نظر اليه القاضي بغضب وسأله : هل بيتك مجاور لبيتهم أم مقابله ؟ قال الشاهد : لا هذا ولا تلك ، فصرخ به القاضي : كيف عرفت تاريخ ولادته ؟ اخرج يا شاهد الزور !! فلما سمع الشاهد الثاني أسرع هاربا" من تصرف كهذا ، وعاد القاضي ليوجه
بذاءته الى والدي : أنتم حمير ، أنتم دواب ، لماذا لم تعترض على تولد ابنك قبل هذا التاريخ ؟
وهكذا شاءت سلوكية هذا القاضي الظالم أن تغير مجرى حياتي وبدلا" من أن أكون مهندسا" أو طبيبا" أو أستاذا" للغة الانكليزية صرت معلما" في مدرسة ابتدائية !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تجربة حياة
حامد حمودي عباس ( 2012 / 7 / 8 - 12:18 )
لمن لا يعرفك عن قرب أقول ، انك تجربة حياة ،لا تريد ان تنقطع رغم زوال مسببات ديمومتها بفعل تقدم السن .. لا بأس استاذي ( ابو سلام ) .. فانت مشروع انساني تكاملت فيه عناصر الأمل قوي الشحنة ، ولابد ان تستمر بالعطاء عن طريق كتابة فصول مذكراتك الغنيه .. هكذا سمعتك وانت تتمنى ذلك قبل ايام .. دمت قويا حتى تحقق لنا ما نتمناه ، مع خالص الود


2 - أستاذنا الفاضل
حسين علوان حسين ( 2012 / 10 / 11 - 05:44 )
تحية مرة أخرى
أجدكم - مثل كل العراقيين ، و مثلي أنا - ما زلتم تعتبرون مهنة المعلم أدني درجة - و لو إجتماعياً في الأقل - من مهنة الطبيب أو المهندس .
على أي حال ، ذلكم هو موروث شعبي بدأ في الثمانينات و ترسخ الآن، مع كل الأسف .
في العالم المتحضر ، قد تجد المعلم و هو حاصل على شهادة الماجستير أو الدكتوراه في إختصاصه .
و لكن المفرح أن للمعلم دور مجيد إجتماعياً و تربوياً و ثقافياً في العراق لايدانيه دور أي من ذوي المهن الأخرى .
أستاذنا الفاضل : أرجوكم ن اكتبوا عن تجربتكم السياسية خلال الأعوام 1958-1968
خاص الود أستاذنا المبجل .

اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة