الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برومازيبام

أحمد فرحات

2012 / 7 / 7
الادب والفن



جينولوجيا الأخلاق ، نيتشه ، " لقد أفسد الكاهن الزاهد صحة الروح في كل مكان مارس فيه سيطرته وبالتالي فقد أفسد الذوق الفني والأدبي كذلك ، ولا زال يفسده "..

الرائحة كان الجميع يعرفها ، والمحنة لازالت واحدة ، الخاص يصبح عاما ، والعام يصبح خاصا ، كان امتزاج الفرد الذي لا يشبه إلا نفسه بالآخرين ، هل أستطيع أن أقطع وعدا واحدا ؟ ، مرت أربعة أشهر وأنا في انتظار شيء ما ، قال لي في يوم " أنا أحرقت من عمر الجميع عشر سنوات منتظرا ؟ " بدا الزمن مرعبا ، فارغا ، وكثيفا ، حتى حلمي سالم يعلم أن الزمن فارغ تماما ولكن ثمة كثافة ننتظرها أو نهلك في الطريق إليها ، أقول أني تخليت ، وتخليت عن الكثير ، حتى أستطيع أن أرص كلماتي هذه مرة أخرى ، لم يكن الإدمان محنتي ، كان دخان السيجارة في أشعة الغروب ، مفتاح سيارتي الجيب ، فنجان من الشاي الفاخر يتصاعد بخاره ، أستند بجسدي على جسدها المتمرد بجواري ، أقول إن العالم سيغرق ، أنا أول الغارقين ، بالأمس صباحا وبعد أن غادرت من أمام مدرسة ولدي فكرت بالانتحار ، الضيق تماس مع كل حدود التحمل ، إنهم يقولون أشياء كثيرة ، أشعر أن عقلي يهزأ بي في لعبة سخيفة من لعبه ، المكان كان راقيا جدا ، ارتخيت في مقعدي الوثير وارتخيت ، والمخدر كان يسحبني ، وكنت قد أصبحت مؤمنا تماما بما أفعله كل يوم ، من عشق ، وإدمان ، وانتظار ، ونفاق ، وطيبة لا يعتز بشرفها غيري أنا ، أخشى على الآخرين من نهاية كل هذا ، أنا أعرف نهايتي ( كاذب لا يتقن مهنته ) ، ولكن يجب أن تقول هكذا يا فتى ، جبت الزجاج العريض بعيني ، أشاهد خلفه الهواء يهز أفرع النخيل ، يتموج النهر الصناعي أسفله ، سحب قليلة تتجمع ، تكاد تمطر ، تقول لي " هل اتساع أحداث هذا الكون كله ستضيق بنا معا ؟ " ، إنها محبة صادقة ، وأنا على وشك الانتهاء ، كنت هناك في تلك المرحلة من العمر ، كنت أحب ، وكانت معي حبيبة ، تجلس إلى جواري ، وتكلمني كثيرا عني أنا وحدي ، إلوهيتي في كيانها ، وتكلمتُ كالمجذوب ، كانت معي حبيبة ، ولي نصيب آخر ، كنا لا زلنا نشعر بنقصان شيء رهيب ، نقصان يألمك في وجودك ذاته ، مستقبلها كان مجهولا كضياعها في كل البلاد التي لا تعرف ، على الأقل سأكمل عربدتي في أي حانة أخرى ، إلا هي ، لو فقدت الطريق فلن تكون النهاية ، سيكون بداية الألم ، لم أكن أود أن أعرف شيئا عنها ، قابلت الفرد الذي لا يشبه إلا نفسه ولا يستطيع أن يملك سيادة الاختيار ، قابلت نفسي ، قلت ببساطة وأنا أرتشف شاي دون علم أي أحد بمكنون قولي " السعادة " ، ولكن في نهاية الأمر " مجرد لصوص " ، شيطانك يقول : ومن الذي سماك لصا ؟ ، من وضع القانون ؟ ، هذه الأجواء كلها لا تسمح لنا بالاختيار ، وهناك كلام كثير ، أتذكر الآن ، على ضفة البحيرة أول تماس لشفتينا البريئتين ، ألم تكن سعيدا ؟ ، كنت مرهقا ، وإن شئت لم أكن أعلم شيئا على الإطلاق ، إنها مجرد قبلة عميقة من روح قريبة أشد القرب ، هائم مع الإصباح والإمساء ، أحرق الوقت اللعين بالبرومازيبام اللعين ، لا يعرفه الكثيرون ، دواء هو النسيان ، ثقيل ، ويخشاه محاولو الاستقامة الفاشلون ، أنسى الكثير ، اقتربت وأحببت ، وابتعدت عنها لأعود أدراجي ، ولكني كنت قد فقدت شرفي العظيم مع هذا الزمن الرديء ، أستمع إلى أم كلثوم ، لعلنا سنسير في ليلة ممطرة ملتصقين ، فرحين بالحرية ، وقبلة ، يفرح بها كل من يراها ، لأحرار محبين تحت المطر وفي البرد وفي عمق الليل ، وتطول ، ونسير ساعة أو ساعتين ، من غير أي اتهام ، قبحك الوجودي يطاردك ، قبحك الوجودي ملتصق بالمكان الذي لا تستطيع مغادرته ، لقد التصقت ههنا و سوف يغادر الجميع ، قلت لنفسي : على الأقل حافظ على مبدئك ، أمسكت يدها ، تحسست البرودة ، وتعرجات الخطوط الطبيعية ، تحسست أظافرها الصغيرة ، ضممت الكف كله في يدي فانضغط برقة ، تريد هي الاستسلام الكامل لعاشق واحد يأخذها بعيدا عن قبحها الوجودي أيضا المرتبط بهذا المكان الرديء ، توقفت في الطريق بناءا على طلبها ، صارحتني بكل ما آلمها ، تفاصيل الحكاية لا تهم ، يكفي أن تعلم أن بجوارك كيانا جريحا وحزينا وثائرا إلى نهاية المدى ، كم كانت الاعترافات بشعة ، كنت أبحث في دوامات البرومازيبام عن مهرب لي ، ولكن كم كنا جميلين ونحن نسير في طريق مؤلم للصراحة لم تطأه قدم من قبل .
الفرد الذي لا يشبه إلا نفسه ، يعتبره البعض ممجدا لمقولة " الإله الذاتي " ، صاحب الاختيار والقدر ، وصاحب الخبرة الكافية لتحمل مسؤولية الوعي ، رقيقة وناعمة ، كل شيء فيها ينادي للحياة في حريتها ووحشيتها وجموحها الخلاق ، تمنيت لو قتلتني ، فأعجبتها الفكرة وتمنت الشيء ذاته ، أضغاث أحلام ، إذن لسنا بأحرار ، لم يوجد حدث ، كنت أعرف – حسب – الانتظار ، وأرادت البرومازيبام ، أعرف كل دوافعها ، أعرف كل مبادئها ، أعرف كل قدراتها على الصواب والخطأ ، وأعلم أن المكان هنا لا يناسب الجميع ، إما الرحيل ، والإمكانيات منعدمة ، وإما مخاتلة وقائع الليل والنهار مع كل من نعيش ، كل هذه صراحة جارحة لكلينا ، الحب في السجن الوجودي جبار ومثير ، لا يملك أحد مفتاح التحرر منه ، لا يعرف أحد بوجوده ولا بمجريات أحداثه اليومية ، الإرهاق من الهروب ، ومتعة اللقاء العاري وتماس الطبيعة في جموحها الذي لا يُرد ، الإحساس بالاغتراب والوحدة المملة بين ثلة المنافقين ، يكفيك ضياع الأحلام عندما تطيع الواقع ولاتملك زمام السيطرة ، أتألم ، وأتألم بشدة ، وأريد أن أنهي كل هذا ، أعرف أنها لغيري ، أعلم أني عاشق ضال عن قريب سيذرف دموعه على الرحيل ، كان نيتشه يتحدث عن ملكة النسيان والكبح ، وكان البرومازيبام يحدثني عن الارتباط الأبدي بفعل الجريمة ، ومحاولات النسيان الفاشلة ، عشنا سعادة الخطأ ثلاث سنوات ، وأعطيتها الجرعة الزائدة على الطريق الغربي ، ورقدت بجواري وأنا أستمع إلي الذي يقول " وجدت أن الحب أكثر من لعبة ، لعب من أجل الفوز وخسارتك في النهاية ، هما شيء واحد " ، تابعت ارتشاف الشاي ودخنت السيجارة بعمق ، وصافحت الرجل الواقعي الذي يحقق معي في مكتب ردئ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل