الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وما أدراك ما لندن ( 1 ) !

سهر العامري

2012 / 7 / 8
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني



كان نزول الركاب من الطائرة الى قاعة الخروج من الجناح الثالث ( التيرمينال ) في مطار هيثرو سلسا ، لم يمر عليّ نزول مثله في مطار آخر ، قدمت جوازي الى الشرطي الذي سألني عن رحلتي فيما إذا كانت مريحة أم لا ، فأجبته بالإيجاب ، بعدها سلمني جوازي الأوربي متمنيا لي أياما سعيدة أقضيها في عاصمة الضباب ، لندن ، وما أن خطيت خطوات قليلة حتى استقبلتني فتاة انجليزية تحمل بيدها أوراق إحصاء على ما يبدو .
سألتني عن جنسيتي ، وعن اسمي ، وعن الدولة التي قدمت منها ، أجبتها عن كل اسئلتها ثم ودعتها وانصرفت بحاثا عن واسطة نقل تقلني الى فندق : Mester Robert الذي حجزت غرفة فيه ، قبل مغادرتي للسويد بإسبوع تقريبا ، وقد عرفت حين وصولي الى مطار من رجل هندي يعمل في شركة نقل خاصة أن صاحب الفندق ذاك رجل إيرلندي ، وأنه سبق وأن عمل فيه قبل مدة من الزمن ، وأن الفندق في حالة جيدة ، ويقع في منطقة نظيفة ، ولكنه أضاف : أن لا واسطة نقل تمر عليه من المطار مباشرة .
كنت أنا قد عودت نفسي أن أقوم بالتعرف على البلد الذي أزوره من خلال ركوبي في حافلاته العامة ، ومنذ اللحظة التي أغادر بها مطار ذلك البلد ، ولهذا خاب أملي في ركوب حافلة ما حين اخبرني ذلك الرجل بعدم توفرها ، رغم أنه لم يكن صادقا ، ولم يكن كاذبا في الوقت نفسه ، فقد كان باستطاعتي أن أركب الحافلة 111التي تقطع طريق : Greate weast الذي يقع فيه الفندق المذكور ، ومن هذا التقاطع كان بإمكاني ركوب الحافلة رقم : H 91 التي تقف أمام الفندق المذكور ، مثلما فعلت ذلك ، وأنا في طريق العودة الى المطار.
وعلى ما تقدم فقد اضطررت الى تأجير سيارة إجرة ( تكسي ) كان صاحبها طالبا صوماليا ، يجيد اللغة العربية ، ومضى على وجوده في لندن أكثر من إحدى عشرة سنة ، فقد جاءها لاجئا هو وأسرته من دولة قطر ، وهو يواصل ألآن دراسته في علم برمجة الكمبيوتر في واحدة من جامعات لندن ، وبعيد مغادرتنا للمطار بقليل أشار الى بقعة أرض تقابلك وانت خارج من نفق صغير ، وتقف عليها طائرة عبارة عن دعاية إعلانية لطيران دولة الأمارات العربية ، وقال : لاحظ ! إنهم يدفعون ملايين الدولارات على هذه الدعاية البائسة ! ثم أردف قائلا : ثق أن الإنجليز لا يعرفون دولة الأمارات العربية ، لكنهم يعرفون دبي أكثر منها ، فهم بعد أن فقدوا هونغ كونغ لصالح الصين توجهوا الآن نحو دبي التي حلت محل هونغ كونغ بالنسبة لهم.
قلت له : نعم . لقد كان الانجليز على مدى سنوات طويلة يعيشون على نهب ثروات الشعوب الأخرى ، فلقد نهبوا الثروة النفطية لبلدي العراق على مدى عقود ، مثلما استعمروا بلدان كثيرة أخرى كان من بينها بلدك ، الصومال ، كما احتلوا قارات بأكملها ، وسحقوا دون رحمة شعوبها الأصلية مثلما هي الحال مع الهنود الحمر في أمريكا ، أو أستراليا ، وذلك بعد أن امتلكوا آلة الموت والدمار حين اخترعوا الأسلحة النارية على مختلف صنوفها ، كما أنهم مهدوا لأساطيلهم الغازية بجيوش من الجواسيس ، ولم يتركوا أية وسيلة قذرة تحقق لهم أطماعهم إلا واستخدموها بمهارة ، فلكي يصدوا الجيوش العثمانية التي كانت ترفع الرايات الإسلامية عن أوربا دفعوا شاه إيران ، اسماعيل الصفوي ، الى اسقاط العاصمة بغداد التي كانت تحت السيطرة العثمانية ، وذلك مقابل تسليح الجيش الصفوي الإيراني بالأسلحة النارية ، وقد كان لهم ما أرادوا حيث اضطرت الجيوش العثمانية التوقف عن زحفها في أوربا ، والتوجه نحو بغداد لإعادة السيطرة عليها من جديد ، وذلك حين زحفت الجيوش العثمانية تلك من الشارع الذي يعرف اليوم بشارع بغداد ، ويمتد على مسافة تصل في طولها الى تسعة كيلومترات ، ويقع في القسم الآسيوي من مدينة اسطنبول الحالية .
وها أنت تشاهد الآن آلافا من الهنود السيخ وغير السيخ ، وكذلك من الباكستانيين والأفارقة يعيشون في بريطانيا ، فكل هؤلاء هم أحفاد لأولئك الرجال الذين جندتهم الجيوش البريطانية الغازية في صفوفها ، وقضوا في نيران حروبها ، وأنت لو قمت بزيارة مقبرة من مقابر الجيوش البريطانية في شرق الأرض كالعراق مثلا لوجدت أن شواهد قبور الجنود القتلى من تلك الجيوش تحمل أسماء عربية اسلامية كثيرة ، ولكن مع ذلك فقد عاد الإنجليز ليمنوا على أحفاد هؤلاء القتلى بالعيش في بريطانيا العظمى ، الإمبراطورية التي لا تغرب عن أرضها الشمس مثلما كانوا يقولون عنها .
لقد انتشر الانجليز في أصقاع كثيرة من المعمورة ، وأشادوا دولا عظيمة بعيدة عن بلدهم ، فتجدهم في أقاصي الأرض شرقا حيث نيوزلندا وأستراليا ، مثلما تجدهم غربا حيث الولايات المتحدة ، هذا بالإضافة الى جنوب أفريقيا ، وجبل طارق ، وجزر الفوكلاند في أمريكا الجنوبية وغير ذلك من الدول والبلدان ، حتى صار الإنسان الانجليزي يعتقد أن الثروة والمال والغنى موجودة هناك حيث البلدان القصية التي لم يخرجوا منها إلا بالمقاومة المشروعة لشعوبها ، أو بضمور قوة امبراطوريتهم نتيجة للحروب الكثيرة خاضوها مع تلك الشعوب ، أو الحرب العالمية التي دخلوا طرفا رئيسا فيها كالحربين العالميتين ، الأولى والثانية ، تلك الحروب التي عادت عليهم بكوارث كبيرة تحولت معها دولتهم من بريطانيا العظمى الى بريطانيا العجوز .
هكذا سيرى الزائر العاصمة البريطانية ، لندن ، مدينة عجوز دبّت في أحيائها الشيخوخة ، وتدنت في درجة عمرانها عن عواصم فتية صاعدة كبكين ، العاصمة الصينية ، التي تنساب فيها حركة السير بيسر وسهولة ، وليس بزحام واكتظاظ مثلما عليه الحال في قطار انفاق لندن العريق الذي فاقه بالطول قطار انفاق مدينة شنغهاي العاصمة الاقتصادية للصين ، والتي يقترب عدد سكانها من اثنين وثلاثين مليون نسمة كما يزيد سكان بكين على العشرين مليون ، بينما يداني عدد سكان لندن ثمانية ملايين نسمة .
في بكين يسير المرء في شوارع فسيحة نظيفة لا تدانها شوارع لندن في السعة والنظافة ، مثلما لا تدانيها في جودة التعبيد المتين الذي يندر أن تجد فيه حفرا أو مطبات مثلما هي الحال في شوارع لندن ، وحتى نظافة الأحياء الشعبية في بكين تتفوق على نظافة ذات الأحياء في العاصمة لندن ، مثلما يتفوق مطار بكين في كبره وسعته وتنظيمه وجماليته عن مطار هيثرو في لندن ، فمن حاجز الجوازات في مطار بكين ينقلك قطار جميل الصنعة مجانا الى المكان المخصص لحقائب سفرك ، والذي يقع عند الباب الخارجي للمطار. وعلى العموم لا تتمتع الهندسة الإنجليزية بذات المسحة الجمالية التي عليها الهندسة الصينية أو السويدية مثلا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو