الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما كان خلف الطريق (نقد)

نافذ الشاعر

2012 / 7 / 8
الادب والفن


معلوماتي القليلة عن هذه الشاعرة أنها حاصلة على بكالوريوس هندسة آلات زراعية، ولا أدري إن كانت تعمل في مجال تخصصها أم لا؟ وهي من مواليد السنبلاوين بمصر.. وبقي أن نقول أن ميمي قدري هو اسم مستعار للشاعرة عزة سلو.. والشيء الملاحظ في قصائد ميمي قدري هو الرشاقة ومرونة المعنى والاعتماد على مفارقة الكلمات كثيرا..
والقصيدة التي بين أيدينا بعنوان:(ما كان خلف الطريق) وسنجد أن لعنوان القصيدة في النهاية أهمية لا تقل عن أهمية النص نفسه..
والقصيدة في مجملها عبارة عن قصة قصيرة تنكرت في ثوب الشعر فضاعت ملامحها.. ومما لا شك فيه أن الشاعرة ميمي قدري بارعة في تحميل الكلمات أكثر من معنى فتقول في مطلع قصيدتها:

كانت الشمس تشرق من كـَفـَّينا
وأدمنَ الطريقُ خطواتنا

فالمشهد يقف أمامنا بكل أبعاده، ليرسم لنا لقاء الحبيبين في بداية الطريق فيضعان كفيهما في يد بعضهما البعض، فيصادف أن يكون هذا اللقاء اليومي عند شروق الشمس، لكن شدة الفرحة والتوحد مع الحبيب جعلتها تتخيل أن الشمس أشرقت من كفيهما؛ وكأن كفيهما زند انقدحت منه الشمس فأنارت الكون؛ فتشعر أن الكون أشرق وانزاحت ظلماته من اللحظة التي لامست يداها يد الحبيب، ثم سارا في الطريق معا..
إن ذلك مجاز بالطبع، ولكنه مجاز مرئي بكل صدق ويؤدي مهمته بشكل تام..
لقد تكرر هذا اللقاء الصباحي عند شروق الشمس، وكان من المتوقع أن الحبيبين يكونا قد أدمنا السير في هذه الطريق، لكن الشاعرة تفاجئنا بقولها بأن الطريق هي التي أدمنت سيرهم عليها، وليس هما اللذان أدمنا السير على الطريق؟
فيا لهذا الاستهلال البديع!

لكن للأسف فإن هذا الاستهلال البديع أعقبه ما أفسده عندما قالت:
(حتى الوصول لأصابع الأقدام..)

لماذا جاءت بهذا البيت في هذا المكان ؟
أغلب الظن أن هذه القصيدة كانت عبارة عن ثلاث جمل أو أربع هي ما كانت تقوم عليه القصيدة في الأصل، خطتها الشاعرة على الورق جاعلة فراغ كاف بين كل جملة وأخرى؛ ثم قامت بحشو الفراغات فيما بعد ليكتمل المشهد..
ثم تكمل صورة المشهد الأول بأن الطريق ما عرفت الوحدة ولا الفراغ ولا العزلة يوما من الأيام، فإن لم يكونا بأجسادهما على هذه الطريق، فإن أثار أقدامهما كانت ترتسم دوما على الطريق وبهذا لم يعرف الطريق الوحدة:
لم يكن يعرف ما هي الوحدة
كان واثقا ًمن ابتسامتنا ترسم محطات القطار
لتصلَ القلوبُ إلى القلوب ِ

من الذي كان واثقا من الابتسامة التي ترسم محطات القطار؟ الطريق أم الحبيب؟
ولعل الطريقة المنطقية في أداء ذلك الوصف هي: (كانت ابتسامتنا ترسم محطات القطار.. لتصلَ القلوبُ إلى القلوب ِ) يعني الذي يحدد المحطة التي سينزل عندها الحبيبان، هي الابتسامة التي كانت ترتسم على شفة الحبيب والحبيبة، وهي تختلف من يوم لآخر، فإذا رضوا عن أنفسهم من خلال الابتسامة نزلوا في محطة ما، ليكملوا فيها فرحتهم وحبورهم؛ وبالتالي فإن تلك المحطة أوصلت القلوب إلى القلوب.. أما إذا لم تكن هناك ابتسامة راضية على شفتيهما، افترقا ونزل كل منهما في محطة مختلفة وسار كل منهما في طريقين متدابرين!

وليست مهمة المحطة فقط (أن تصل القلوب بالقلوب)، إنما يزيل كل واحد من الحبيبين ما علق في نفس صاحبه من الظلمة والسواد الناتج عن الشك والغيرة والحيرة.. فتقول:
لتصلَ القلوبُ إلى القلوب ِ
وذؤابات الليل بإفراجات النهار..

والذؤابة من كل شيء أعلاه، وهي أيضا الضفيرة من الشَعَر، وتطلق أيضا على أحلك ساعات الليل، وهي ثلاث ذؤبات، فتقول العرب: صارت الليلة بذوائبها الثلاث أربع ليالٍ؛ لأن كل ذؤابة منها كأنها ليلة لسوادها..
وهنا تشبّه الشاعرة الظلمة والسواد التي اكتنفت نفسيهما بسواد الليل، الذي أزالته شمس النهار؛ تماما كما أزالت محطة القطار التي نزلا فيها، ظلمة الحيرة والشك من نفسيهما.. ثم تجيء الشاعرة بجملة غير مفهومة لا محل لها؛ فتقول:
(و كان بلمحة يغتال صمتـَنا المُقـيَّد بالانفلات..)

وهنا نتساءل من الذي يغتال الصمت المقيد؟ الحبيب أم الطريق؟
المفترض أن يكون الحبيب، فكان المنطقي ليستقيم المعنى أن تقول:
(وكان بلمحة يغتال صمتي المقيد بالانفلات..)
لكن على ما يبدو أن التفسير والتبسيط ليسا من مهمات الشعر، إنما من مهمات النقد..
إننا لو قبلنا بهذا التحوير الطفيف لأفادت الجملة أن ظلمة الشك والحيرة قد قيدت نفس الشاعرة وجعلتها واجمة صامتة لا رغبة لها في حديث أو مسامرة.. ولكن بلمحة من الحبيب يغتال هذا الصمت ويقتله وتنطلق الحبيبة على سجيتها تبثه لواعج قلبها دون قيود!

إن هذا النوع من النساء يعشن الحياة بقلبه وعواطفه، فهن منجم من الحنان والحب لا ينضب. فهي ترى أن رسالتها في الحياة أن تسعد الرجل الذي أحبته والذي يبادلها مشاعرها بصدق وإخلاص.. وهي دائما تعيش في حلم كبير. فإذا عادت الحبيبة إلى البيت وجدت في الشعر مجالا رحبا لتحقيق الذات. لقد أعفاها الورق من هموم الحاضر؛ فجلست تبث باقي أشجانها ومشاعرها في شكل قصائد تخطها على الورق، وتبني أحلاما جميلة لم تتحقق فتقول:
(انصب بالحبر حُلمي الجميل..)
لكنها كتبت كلمة (انصب) بدون همزة فكان معنى انصب: (انسكب)، لكن الصواب هو (أنْصبُ) من النصب والبناء كما ينصب الشخص خيمة أو تمثالا، وليس انصبَّ بمعنى انسكب..

لكن الحبيب بعد المكاشفة وانجلاء الظلمة يعود إلى سيرته الأولى، فيعود إلى شكه القديم ويستمع إلى مقولة الناس في حبيبته فيصدقها حتى أنه تمادى في هذا الشك، وحكم عليها من خلال حكم الناس فيها، فتقول:
(وتمادى يرمقني بعيون الناس..)

ثم تعود إلى حلمها المسطور على الورق، والمنصوب في الخيال، فتتمادى هي أيضا في الكتابة والخيال حتى تحوّل الورق إلى أوراق غير محسوبة، هادفة من وراء ذلك تغيير القدر الذي لاح لها مبهما من خلال السطور المبهمة:
ورقاً وأوراقاً لم أكن لأحسبها
أو أغـيِّر القـَدَر المسكوبَ من نبضي
على السطور ِالمبهمة….
فكادت تنطق وتنطق

وقولها (أو أغير القدر المسكوب..) (أو) هنا حرف عطف بمعنى حتى، التي هي حرف غاية ونصب؛ فيكون معنى كلامها: حتى أغير القدر المسكوب.. فكان المفروض منها أنها وضعت (حتى) بدلا من (أو) وأعفتنا من هذا اللبس والغموض!

ثم تأتي بشطر غير مفهوم لا محل له في هيكل القصيدة فتقول:
(حين تحول الطريق بنصفي للجنوب)
كيف تحول الطريق بنصفها للجنوب؟ ولماذا الجنوب دون الجهات الأربع؟ لست أدري!

ثم تأتي أبيات عبارة عن حشو بلا معنى لا ينسجم مع وحدة القصيدة وهيكلها الأساسي.. وبعدها تجيء بالأبيات التي هي عبارة عن دعامات عضوية لهذه القصيدة، فتصف ذلك الصباح عندما وضعت كفها في كف الحبيب فشعرت بالأمان، وظنت أن كل شيء من حولها آمن كذلك، وكل شي لابد أن يستقر في مكانه الصحيح:

ذاك الصباح.. ظنـنت أن القطار آمِـن
يعود مهما سافـر.. إلى ما تعَـوَّدَ يستقِـر

ثم تعود إلى ورقها لتسكب حبرها عليه وتعيد استرجاع ذكريات الصباح عندما سارت مع الحبيب. لا، بل إنها زادت في الورق أشياء لم تفعلها، وبالغت بأوصاف لم تختبرها، وهي مندفعة في هذه المبالغة في الوصف حتى كانت تحس بعطر الحبيب يفوح من بين كلمات القصيدة وسطورها. لكن، واأسفاه ، عندما أرادت نشر ما كتبته خجلت منه فأخفت الكثير منه عن المطابع كي لا يقرؤه الناس ويعرفوا ما خطت يداها:
أكملتُ القصيدة .. أتغزل بتلك الخطوات
عطّرتُ الورقة بقليل مما تبقى منكَ
وأخفيتُ الباقي عن المطابع

وكما ضاعت كلماتها عن المطابع فلم يدر بها أحد، ضاع الحبيب كذلك وذهب بلا رجعة، ووقفت تنتظره على المحطة كما كانت تفعل كل يوم؛ لكنه رحل بدون وداع وغيّر وجهته وتفكيره، وترك الحبيبة محطمة متناثرة، ومن ساعتها أدركت ما كان يخبئ لها القدر خلف الطريق، وهو عنوان القصيدة..
من ساعتها أدركت أن القلوب وأحاسيسها لا تعويل عليها، وأن الأحاسيس التي نشعر بها في ساعات الفرح والحبور غالبا ما تكون أحاسيس زائفة ومخادعة.. ومع ذلك تجد نفسها أنها ما زالت مخلصة لحبها الضائع التي لا تملك القدرة على التخلي عنه:
وقفت في محطتنا .. أنتظرك
أينك يا حبيبي… تأخرتَ هذا الأسبوع
تحرَّكَ بـِسِكـّـَتهِ و بالأبدان .. يروم الإياب
والتـَفـَتَ وهو راحل يضحك باستهزاء ..

هكذا كانت النهاية الدرامية، أن حبيب العمر يقابل كل لواعج نفسها وأشواقها إليه بأن يضحك عليها باستهزاء، لكن الحبيبة تستعيد رباطة جأشها بعد الصدمة الأولى، فتبدي بعض المقاومة. فكما نظر إليها باستهزاء واستهتار نظرت إليه كذلك بازدراء واحتقار:
ونظرة .. ونصف عَـين ركزتُ فيه ..
وأبعدتُ السؤال عن رأسي…
لمـاذا؟
فـقد غـيَّر وجهتهُ إلى المدينة البعيدة

لقد طُعنت الحبيبة في أمنياتها الغالية، فانتابها من جراء ذلك جروح في أعماقها لم تبرأ منها. فإنها إزاء أمانيها المحطمة وآلامها الدامية، تلاشى فيها كل رجاء بالمستقبل، فتراها تبكي أحلامها الزائلة وأمانيها الضائعة، والويل كل الويل للأنثى التي تلقتها بواكير الحياة بدروس الأوجاع والآلام، فإنها تمضي بأوجاعها وآلامها ما تبقى من حياتها:
وفجأة تناثرت جزيئاتي
حول مدارات الوداع
بدون وداع
فأدركتُ حينها ..
متى.. تخذلنا القلوب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي