الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرح الاطفال

عمار الجنابي
(Amaar Abed Salman)

2012 / 7 / 9
الادب والفن


يختلف مسرح الأطفال عن مسرح الكبار أو الراشدين، وتتجلى في قضية مسرح الأطفال معضلة التربية والفن أكثر من بقية مبدعات أدب الأطفال الأخرى كالقصة والشعر، فقد عومل مسرح الأطفال إلى وقت قريب على أنه المسرح المدرسي أو استخدام المسرح لغايات الدرس أو التعليم أو التربية، ولم يعترف بانتماء مسرح الأطفال إلى الفن أو الأدب إلا متأخراً، فقد غاب مسرح الأطفال عن الأدب طويلاً وصار بالنسبة للمؤسسة التربوية مادة للمناشط الاحتفالية ورافداً للمنهاج المدرسي، إغفالاً لطبيعة الممارسة المسرحية الطفلية التي تتسع لتشمل مشاركة الطفل نفسه في الفرجة والمشهدية، وتضيق لتقارب مفهوم الخطاب المسرحي للراشدين، حين يصبح الطفل متلقياً، وهو ما اصطلح على تسميته بمسرح الكبار للصغار.
إن مسرح الأطفال، بهذا الإطار، نوعان، نوع أول هو وسيلة تربوية وتثقيفية يشترك فيه الطفل بالتمثيل والمشهدية. وأشهر أشكاله «الدراما الخلاقة » وهي استثمار طاقة الطفل الحركية والتعبيرية في إدراك العالم وتنمية الشخصية وتربية الذوق وتعزيز التثقيف الذاتي والصحة النفسية، أما سبيل «الدراما الخلاقة» فهو المسرحة من الحكايات والقصص والأحاديث والتجارب وتنامي ذلك عبر استنفار مقدرة الطفل الحركية والتعبيرية في الأحاسيس والتخييل واللغة والوعي.
وثمة نوع ثان هو مسرح موجه إلى الأطفال، ويستند إلى اعتبارات مخاطبتهم الفنية والتربوية حيث تتعدد أشكال المسرحة من التجسيد الآدمي، كمسرح الكبار للصغار التمثيلي أو الغنائي أو التسجيلي إلى الاستخدام المادي لعناصر عرض كالعرائس أو خيال الظل أو الضوء وغير ذلك.
ومايزال الالتباس قائماً في تحديد نوعية مسرح الأطفال، غير أنه يستلزم مراعاة عناصر لابد منها تتمثل في «دراما الطفل» التي تمنح مسرح الأطفال خصوصيته، بما تعنيه من استعادة الطفولة في فضائها الفريد وقد وضعت على المسرح، وغدت ناجزة لتلقي الطفل، كما تتبدى أيضاً في «الموقف الأدبي» الذي يستوعب فعالية الطفل نفسه على التلقي الموضوعي، والابتعاد ما أمكن عن التلقي الانفعالي أو التلقي المزاجي. ويؤدي هذا التلقي الموضوعي إلى شروط في البناء المسرحي ولغته وتخييله أيضاً.
وهكذا نلاحظ أن مفهوم مسرح الأطفال مختلف عن مسرح الكبار أو الراشدين، ومختلف عن محاولات تبسيطه في المسرح المدرسي، فهو أبعد من مجرد وسيلة تربوية للإيضاح أو التعليم أو الوعظ أو الإرشاد أو التوعية، وهي تسميات متشابهة لممارسة مسرحية طفلية حصرت مسرح الأطفال في مفهوم المسرح المدرسي الذي يعني بالتبشير والدعاوة والتعليم والشروح والشعارات بالدرجة الأولى، وهو حال غالبية نماذج مسرح الأطفال في ممارسته التربوية المباشرة.
ولعلنا نتعرف أكثر إلى طبيعة مسرح الأطفال في تجربته وتطوره لدى عرضنا لإطاره التاريخي ومعاينتنا لممارسته وشؤون الوعي به فناً هو وسيط ثقافي راق، ووسيلة اتصال فعالة، قبل أن ننظر في قضايا مسرح الأطفال وموضوعاته وأهم مؤلفيه كما ظهرت جلية في العقدين الأخيرين.
2- لمحة تاريخية:
اقتصرت مسرحية الأطفال في سورية حتى نهاية الستينات على التمثيليات المدرسية، فقد التف حول المسرح المدرسي مربون بارزون بحكم الحاجة لنصوص تغذي احتياجات المهرجانات والاحتفالات المدرسية، نذكر منهم رضا صافي الذي طبع مؤخراً بعض المشاهد التمثيلية في كتابه «صرخة الثأر» (1980) وكأن كتبها في الخمسينيات «معلم يعتقد أن واجبه في توعية أبنائه وبناته وتوجيههم وطنياً وقومياً، مقدم على واجبه في تعليمهم» كما جاء في تقديمه، ونصري الجوزي الذي نشر أكثر من عشر مسرحيات في «السلسلة المسرحية للطلبة» (1970-1971-1974). ومن الواضح أن هذه التمثيليات تعتمد على إشاعة القيم التعليمية ولاسيما الوطنية في نفوس الناشئة من خلال أسلوب مباشر واضح وغنائي أحياناً، مما يفسر ضعف الفعلية في بناء النصوص، وغلبة العبارات المأثورة، وغالباً ما استمد هؤلاء الأدباء نصوصهم من التاريخ تقديساً للروح الوطنية ودفاعاً عن الأرض واعتزازاً بالانتماء للأمة العربية ونضالاً في سبيل فلسطين والقضايا القومية.
وكان ظهور مجموعة مسرحيات سليمان العيسى الغنائية «المستقبل» (1969) تطويراً واضحاً. إذ كرس منذ ذلك الوقت جل إبداعه للأطفال.
ويتجلى هذا التطوير في الاقتراب من عالم الطفولة من حيث تنوع الموضوعات الأليفة كالبيت والمدرسة والطبيعة والوطن والكفاح في سبيل حياة أفضل، ومن حيث تطويع الأسلوب الفني للخصائص التربوية مثل تقبل الأطفال للإيقاعات والأوزان الشعرية، ومقدرتهم على تلحينها بأنفسهم، ومثل بساطة التراكيب ودقة الألفاظ وسهولة جريانها في منطوق الأطفال.
ويحفل كتابه الكبير «مسرحيات غنائية للأطفال» (وهو يجمع مسرحياته حتى عام 1982) بنصوص كثيرة تضع الطفل أمام عصره، وتجعله أقرب المتطلعات المنشودة في انخراطه المبكر بمجتمعه وصيانة مستقبل البشرية.
تحدث سليمان العيسى للأطفال بلغتهم. من خلال مشاعرهم الدافئة، عن التزامهم بأهم القضايا المصيرية لأمتهم العربية، وأحيا في نفوسهم الأمجاد الغابرة والنزوع الإنساني للتعاطف مع الشعوب الأخرى المحبة للعدل والسلام، ودعاهم إلى الكفاح بلا هوادة من أجل الوحدة العربية التي سماها «الحلم العظيم» في مسرحية بالعنوان نفسه.
جسّد العيسى في مسرحياته أبهى الصور العربية إيماناً بالحرية والكرامة والطفولة والمستقبل، وأعطى الأطفال أدواراً رائدة في بناء الحياة، وربط ذلك كله بتراث أمتهم وتراث الإنسانية، كما هو واضح في عناوين مسرحياته «الأطفال يزورون المعري» و«الأطفال يحملون الراية» و«المتنبي والأطفال»و «سندريلا» و«الأطفال يزورون تدمر».
وتعد سنوات السبعينيات الأخيرة منطلق انتشار الكتابة لمسرح الأطفال وفق الاعتبارات التربوية المدروسة والملموسة، فمع ميلاد منظمة طلائع البعث (1974) وقيام مهرجانها القطري السنوي (اعتباراً من عام 1975)، أقبل عدد من الكتاب على الكتابة لفرق الأطفال الكثيرة المنتشرة في مختلف المحافظات مثل فرحان بلبل وعيسى أيوب ومحمد أبو معتوق وإبراهيم جرجي وصالح هواري ومحمد معشوق حمزة.
ويقدم المهرجان القطري لطلائع البعث سنوياً عروضاً في إطار مسرح العرائس وخيال الظل ومسرح الأطفال (مسرح الكبار للصغار) ومسرح المنوعات والمسرح الغنائي الاستعراضي ومسرح الفنون الشعبية وأغنية الطفل العربي، وتصدر المنظمة نصوص هذه العروض ضمن مطبوعاتها منذ المهرجان القطري السادس (طرطوس 1981). وهذه الكتب وثائق هامة عن تطور العمل المسرحي للأطفال في سورية. أما عمل وزارة الثقافة والإرشاد القومي فقد اقتصر على مسرح العرائس (منذ عام 1959) الذي قدم حتى نهاية (1985) قرابة 22 مسرحية، غالبيتها مترجمة أو معدة.
وجرت محاولة لتأسيس مسرح الطفل في وزارة الثقافة وبدأ عمله عام (1983) بمسرحية هي «علاء الدين والمصباح السحري» أعدها عدنان جودة عن قصص ألف ليلة وليلة والمسرحية العرائسية السوفيتية (طبعت عام 1984 ضمن منشورات الوزارة).
وهناك نشاط ملحوظ في التأليف للنشر أو التكليف المباشر للمهرجانات القطرية، وقد بلغ عدد النصوص المسرحية في مطبوعات المنظمة أكثر من 460 نصاً مسرحياً. تكاد المسرحية المكتوبة على لسان الحيوانات من باب «الأنسنة» أو تعليل صفات الطبيعة وأشكالها هي الغالبة على مسرحية الأطفال في سورية، بل إن كتاباً كثيرين وظفوا هذا الأسلوب لحاجات بناء مسرحيات رمزية تباشر القضايا الأساسية كقضية فلسطين والاحتلال الصهيوني وقضية التجزئة والتعلق بالوحدة العربية وقضية العدالة الاجتماعية وقضية تنمية العادات السلوكية الحميدة. وهذا جلي في مسرحيات صالح هواري «قتلوا الحمام» (1984) ومسرحيات محمد أبو معتوق «ثلاث مسرحيات للأطفال» (1984) و«أوهام حارس الغابة» (1986)، ومسرحيات عيسى أيوب الكثيرة وخصوصاً «الملك والربيع« (1981) و«الحسون في عيد الزينة» و«الرغيف» (1985) ومسرحية أحمد يوسف داود «محكمة في الغابة» (1980). ومسرحية جمانة نعمان «سيدة ثمار الصيف» (1983).
وثمة كتاب آخرون يؤثرون الصياغة الواقعية المستمدة من بطون التاريخ أو الحكايات الشعبية أو الأساطير أو حركة الواقع بقصد التركيز على قيم سلوكية أو اجتماعية أو قومية كما في مسرحيات فرحانبلبل «ثلاث مسرحيات للأطفال» (1983) ومسرحية نصر الدين البحرة «أغنية المعول» (1978) ومسرحيات عبد الفتاح رواس قلعه جي «ملكة القطن والشمس» (1979) و«أوبريبت قلعة حلب» (1983) وأكرم شريم «ممتاز يا بطل» (1981).
وهناك كتاب كثر صاغوا مسرحياتهم من خلال حياة الأطفال اليويمة، ولا سيما داخل المعسكرات والمناشط الطليعية تركيزاً على مشاركة الطفل وتثير النزعات الإبداعية والبطولة لديه، مثل محمد بري العواني «الفنانون الصغار» (1983) وإبراهيم جرجي «الأطفال ينشدون على الشاطئ موج البطولة» (1983) وكمال عبد الكريم «أهلاً بكم» (1982).
إن أعوام 1975 و1985 هي الأوفر انتجاً والأكثر تطوراً في مسرحية الأطفال في سورية، سواء في ضبط التجربة الفنية، أو في مراعاة الاعتبارات التربوية الواجب توافرها في كل أدب للأطفال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي