الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البطل

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2012 / 7 / 9
الادب والفن


لا يمكننا أن نلوم "أشرف" على حبه للشطرنج، ألست معي في ذلك؟!. إنني متأكد من أنه ليس من حق أحد أن يوجه اللوم له، بل العكس هو الصحيح؛ فالسعادة هي الشعور المفترض أن ينتاب المرء عندما يعلم أن "أشرف" ذا الخمسة عشر عاما يهوى الشطرنج — تلك اللعبة الذهنية البديعة — في الوقت الذي يستمتع فيه أقرانه باللهو في محل "أبو كريم" للبلاي استيشن، أو التصارع على كرة القدم في حواري شبرا الضيقة المتسخة.
عندما أراجع نفسي أجد أن اللوم لن يكون من بين الخيارات المتاحة أمامي كرد فعل، لما رأيت "أشرف" يسرع نحو حجرة التربية الموسيقية في مدرسة (....) ليسجل اسمه بين الراغبين في المشاركة في بطولة منطقة الساحل التعليمية للشطرنج.
وفي داخل الحجرة، كان الأستاذ "عبد الرحمن" أستاذ التربية الموسيقية يجلس مسترخيا على مقعد متهالك يكاد يسقط بالجالس فوقه على الرغم من نحافة ذلك الجالس. ولما رأى "أشرف" يدخل الحجرة، والانفعال والحماسة يتدفقان على وجهه الصغير النضر الذي شع بابتسامة ترقب، قال له: "لازم جاي تسجل في بطولة الشطرنج؟!". لم يستطع "أشرف" الرد من فرط انفعاله، فاكتفى بأن هز رأسه بنعم، ومد يده بالأوراق المطلوبة للتسجيل، فأخذها منه الأستاذ "عبد الرحمن"، واعتدل في جلسته ومال على المنضدة، التي احتلت صدر الحجرة ولم تكن تقل تهالكا عن المقعد، ووضع الأوراق على المنضدة، وراح يفصحها، قبل أن يعقد حاجبيه ثم يقول في استفسار أثارت نبرته القلق في نفس "أشرف": "قل لي يا "أشرف"... هو والدك مش مصري؟!".
شعر "أشرف" وكأن الأستاذ قد نفخ في وجهه كرة لهب مثل التنانين الأسطورية، فتلجلج قليلا، قبل أن يجيب في صوت مرتجف خافت: "آه يا أستاذ..."، ثم أردف في صوت مبحوح: "فيه حاجة؟! أنا صورت جواز سفره في الورق".
تأمله الأستاذ قليلا، قبل أن ينقل عينيه إلى الورق ويعبث به وكأنه يفكر في شيء ما، ثم قال له في صوت يحمل شيئا من الأسف: "معلش يا "أشرف" بس المسابقة دي للطلاب المصريين بس، وده معناه إنك مش حتقدر تشارك لأنك أجنبي".
انسحب الدم من أوردة وجه "أشرف" ليتيح مكانا لمشاعر الهلع والإحباط، وبرزت عينا الصبي من الذهول، وانعقد لسانه عن الكلام، بينما التزم الأستاذ "عبد الرحمن" الصمت كذلك لعدم وجود ما يقال. وفي النهاية، قال "أشرف" فيما يشبه الرجاء: "بس يا أستاذ والدتي مصرية، وعايش هنا طول عمري".
بدت عبارته بالنسبة للأستاذ وكأنها حبل يلقيه "أشرف" إليه لينقذه به من بحر الصمت الذي شعر بأنه يغرق فيه، فحاول أن يقول شيئا، إلا أنه وجد نفسه يمد يده بالورق إلى "أشرف" في آلية تامة لم تختلف في شيء عن الآلية التي تناول بها "أشرف" الورق منه.
ولما عاد "أشرف" إلى مقعده في الفصل، سأله جاره "خالد" لما لمح الحزن في عينيه: "إيه مالك؟!"، قال "أشرف" في لا مبالاة بدت غريبة بالنظر إلى الحزن الذي طفح به وجهه: "رفضوا مشاركتي في البطولة عشان أجنبي". بدت الكلمة غريبة على أذن "خالد"، ففكر في أن يسأله عن المعنى ولكنه توقف لما لمح الحزن الشديد في ملامح "أشرف" فقرر تأجيل السؤال لوقت لاحق.
وفي حجرة التربية الموسيقية، قام الأستاذ "عبد الرحمن" ليتجه إلى حصته عندما سمع صوت الجرس. ولم يدر لماذا شعر بأن الغرفة التي اعتادت عيناه على جدرانها الكالحة صارت أكثر كلاحة من أي وقت مضى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء امتحان اللغة الأجنبية الأولى للثانوية العامة..التعليم: و


.. عمرو الفقي: التعاون مع مهرجان الرياض لرعاية بعض المسرحيات وا




.. ثقافة البرلمان تشيد بتفاصيل الموسم الثاني لمهرجان العلمين وت


.. اللهم كما علمت آدم الأسماء كلها علم طلاب الثانوية من فضلك




.. كلمة الفنان أحمد أمين للحديث عن مهرجان -نبتة لمحتوى الطفل وا