الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هنا كنا رغم جحود الجاحدين..

فاضل عزيز

2012 / 7 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في رد لمشارك على صفحات الفيس بوك على تعليق لي ينتقد ضعف وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية الليبية أسامة جويلي وارتهانه او تماهيه مع أجندات ضيقة لقبيلته التي سيطرت عليها فيئة غير واعية لم تستوعب أبعاد ثورة 17 فبراير وأهدافها السامية ، تساءل هذا المعلق -الذي يبدو انه من نفس القبيلة و يعتقد ان جويلي هو ممثل قبيلتهم في هذه الحكومة وان اي نقد لأدائه هو نقد للقبيلة التي فرضته على الحكومة- تساءل بالقول :
"اين كنت انت الذي تنتقد أسامة جويلي عندما كان هو يقاتل على جبهات جبل نفوسة ويقود المعارك في بئر عياد وبئر الغنم ضد كتائب الطاغية حتى تحرير طرابلس؟ " !!!!

لتصحيح الانطباع الملتبس والحكم الخاطئ الذي يسيطر على فئة واسعة من سكان الدواخل ومنهم أهل جبل نفوسة إزاء موقف أهالي مدينة طرابلس الذين لم يغادروها طيلة ايام الثورة التي استمرت 6 اشهر ضد الطاغية وكتائبه التي كانت تتحصن بالمدينة وتتخذها قاعدة خلفية لكل عملياتها ضد المدن والمناطق الثائرة، لتصحيح هذا الإلتباس في تفسير هذا الموقف لأهالي طرابلس، لابد أولا من كشف التفسيرات الخاطئة لهذا الموقف الكامنة وراء السؤال، فالمعلق أراد أن يطرح من خلال تساؤله حزمة من التساؤلات وإجابات ملتبسة عنها ، مثل: لماذا لم تغادر انت ومن معك طرابلس وتنضموا الى صفوف الثوار في الجبل وبقية المدن الثائرة للقتال ضد الطاغية؟ كما يريد القول أنكم عندما كنا نحن في الجبل نقاتل ونتعرض للقصف من قبل كتائب الطاغية، كنتم انتم تنعمون بالامن والسلام والعيش الرغيد تحت حماية الطاغية، فيما نحن نعاني من القصف العشوائي و فقدان الامن وندرة الامدادات الغذائية التي فرضها النظام!! بل قد تذهب به وبكثيرين -ممن ينظرون للثورة فقط من خلال فوهات بنادقهم ومن وراء سواتر الجبهات التي يقيمونها بعد ضربات الناتو الجوية- إلى أننا في طرابلس كنا نشكل داعما لوجستيا لتلك الكتائب البائسة التي كانت تخوض قتالا مفروضا عليها والغالبية العظمى من كوادرها من جنود وضباط تشعر بوخز الضمير وتقاتل الى جانب الثوار بطريقة غير مباشرة من خلال توجيه ضرباتها الى مناطق خالية من السكان..

قائمة طويلة من الظنون المجافية للواقع والأسئلة المسبوقة بإجابات قاطعة تتمترس خلف هذا السؤال لا زالت تهيمن على قناعات معظم الليبيين في حق سكان طرابلس الذين دفعوا ثمنا باهضا من أرواحهم ودمائهم وممتلكاتهم وأمنهم طيلة أيام الثورة لتحقيق النصر الحاسم في هذه المعركة الخالدة ضد الطغيان ولا يعترف إلا القليل النادر من الناس لهم بهذا الموقف..

ولعلي أجد عذرا لهذا التجاهل لدور سكان طرابلس وضوحيها في معركة تحرير ليبيا من الطغيان ويتمثل العذر في غياب التغطية الإعلامية الشاملة والدقيقة والحقيقية لفعاليات الثورة في المدينة من قبل القنوات الفضائية العالمية التي كان النظام يعتقل طواقمها في فندق ريكسس ويديرها بما يخدم أكاذيبه وتضليله للرأي العام العالمي ومنه أهالي المدن والمناطق الليبية المحررة وقتها، ما يعني تعتيما كاملا على هذا الدور وبالتالي إثارة تساؤلات وإصدار أحكام بناء على ضنون وليس وقائع كما هو سائد اليوم.. ولكن سياسة التعتيم الاعلامي التي قد تبرر هذا الحكم الخاطئ على أهالي طرابلس فقدت معناها بعد تحرير المدينة ووصول صور واضحة لدور أهاليها وتضحياتهم ومعاناتهم ومكابداتهم إبان الثورة الى المشاهدين في كل أنحاء العالم بما فيها أهالي المدن و المناطق الليبية الذين يتمسكون بآرائهم وأحكامهم المسبقة والمجافية للواقع عن هذا الدور الذي يتجاوز في جسارته وجرأته والصبر على مكارهه ما عانته الكثير من مناطق الدواخل ومنها منطقة الجبل..

يعرف جيدا أهالي بقية المدن والمناطق الليبية المحررة مبكرا ، أن القوة الضاربة للنظام المنهار كانت تحاصر كل أحياء وضواحي طرابلس وسكانها العزل وتطوقهم بحزام من النيران يمكن أن ينسفهم في ساعات معدودة، بخلاف بقية المدن والمناطق الأخرى التي لاتتواجد بها اي قوة للنظام باستثناء مدن ومناطق محدودة.. ومع ذلك فإن طرابلس وبمجرد اشتعال شرارة الثورة في بنغازي انطلقت طلائع شبابها بصدور عارية إلا من الإيمان تتحدى أحزمة النيران وكتائب الموت التي تنتشر في كل الشوارع والأزقة والأحياء معلنين الثورة على الطغيان ومؤكدين على تلاحمهم مع إخوتهم في بنغازي، ولازالت تلك الهتافات المدوية التي ضجت بها شوارع وميادين طرابلس ليل الاحد 20 فبراير 2011 "بالدم بالروح نفديك يا بنغازي" و "جاك الدور جاك الدور قذافي يادكتاتور " وغيرها من الهتافات التي تؤكد تلاحم أهالي طرابلس مع بقية إخوتهم في المناطق الثائرة، فيما زخات رصاص القتلة الجبناء من اللجان الثورية والحرس الشعبي والكتائب الأمنية ومفارز الموت التي يديرها جهاز الأمن الخارجي المعروفة بالتندرا تلعلع في الشوارع والأزقة تحصد أرواح العزل الذين قرروا وبشجاعة وجسارة المؤمنين بقضيتهم الالتحام بالثورة ووضع النظام البائس على سكة الرحيل.. هذه المشاهد لم ولن يمحها جحود وتجاهل المزايدين على الثورة وستبقى شاهدا على حقيقة ساطعة في ذاكرة من عايشوها ومن قبل المنصفين الذين تجردوا من مرض الجحود والمزايدة.. تدمغ كل جاحد بالحقيقة التي يعمل على مطسها و تشويهها..

"اين كنتم؟" !!!
كنا وقتها يا من تتعامى عن الحقيقة رغم سطوعها ، كنا نقاتل بصدور عارية وأيد عزلاء من السلاح وفي شوارع مكشوفة ومحاصرة بأحزمة نيران يشهد العالم بوحشيتها، كنا نقاتل بالكلمة الشجاعة المجاهرة بالثورة وضرورة أسقاط النظام على شبكات الانترنيت وفي الشوارع والساحات وعبر الاتصالات الهاتفية بكم وباصدقاء يشاركوننا الثورة خارج البلاد، وكتائب الجيش الالكتروني تلاحقنا وتتتبع اتصالاتنا لتصفيتنا جسديا.. فيما كنت انت تتمترس خلف سواتر ترابية ومدجج بكل أنواع السلاح التي تدفقت عليكم من الخارج ومن مخازن السلاح التي بناها الطاغية في مناطقكم المعروفة بولائها الكامل له، والتي تركتها كتائبه ولم تفلح في إخلائها بفعل عامل المفاجأة الذي شكله اشتعال الثورة في كل انحاء البلاد في وقت قياسي لم يحسب له النظام حساب.. كنا هنا في شوارع وأحياء طرابلس طيلة الأشهر الستة للثورة، يمتلكها الطاغية في ضوء النهار ونستردها نحن بالليل ونُحوِّل حيطانها الى مناشير مناهضة له أبقته في حالة ارتباك دائم شلت قدراته على اتخاذ القرارات الصائبة لانقاذ نظامه.. كان أبناؤنا وشبابنا يغادروننا مع المساء لافتكاك الشوارع والاحياء من زبانية النظام نودعهم ونحن نحتسبهم شهداء لأنهم ذاهبون الى معركة غير متكافئة يواجهون شراذم مسلحة بأحدث الاسلحة ومزودة بكل الذخائر والأوامر بتصفية اي مشتبه فيه، فيما لايمتلكون هم سوى بعض قطع المتفجرات البدائية او السلاح محدود الذخيرة، وفعلا كانت ساعات الوداع الحارة صادقة في كثير من الاحيان بستشهاد بعضهم خلال هذه المعارك ..

كنا هنا ننفذ عمليات مسلحة ببنادق اشتريناها بقوت عيالنا من مخازن جيشه المنهار ضد بوابات كتائبه الأمنية التي استطعنا شل قدرتها وخلخلة تماسكها وانهيارها بالكامل يوم 21 أغسطس يوم تحرير طرابلس.. كنا هنا في كل احياء طرابلس وضواحيها طيلة ايام الثورة نعمل كعمق استراتيجي لكم على الجبهات من خلال لجان سرية لجمع التبرعات النقدية والعينية وشراء السلاح والذخيرة والإمدادات الغذائية والطبية وأجهزة الاتصال وغيرها وإيصالها لكم على كل الجبهات من غرب ليبييا الى شرقها في تحد دفع الكثير من شباب طرابلس ثمنا غاليا له من أرواحهم لإيمانهم ان المعركة مصيرية وأن ليبيا من امساعد شرقا الى راس جدير غربا وجنوبا حتى الكفرة والويغ هي ارضنا ولا بد من تخليصها من هذا الكابوس..

فيما كانت الكثير من المدن والمناطق الليبية المحررة في تلك الفترة تنعم بإمدادات الإغاثة الباذخة التي آثرناكم بها على أنفسنا، وتلك التي جاد بها الأشقاء في تونس الكرماء الى حد الإدهاش وشعوب صديقة أخرى شرقا وغربا والتي تشمل إضافة للغذاء عالي القيمة، الوقود والدواء والملابس، فضلا عن السلاح والذخيرة، كنا نحن في طرابلس نعاني ساعات طويلة للحصول على الماء لسد عطش أطفالنا، أما الغذاء فقد عافته نفوسنا المكلومة بالفقد المريع للارواح في كل شبر من تراب ليبيا والمروعة بارهاب فرق الموت والجبناء من الطامعين في أعطيات سيدهم الذين يقايضون أرواحنا بمكاسب دنوية زهيدة تبخرت بمجرد سقوطه ..

فيما كنتم انتم تنسقون مع قوات التحالف لتطهير الجبهات امامكم من تلك التجمعات البائسة لكتائب الطاغية المهزومة من الداخل، كان شباب طرابلس المدججون بسلاح الشجاعة والجسارة والإيمان بعدالة قضيتهم يغامرون باختراق أجهزة الطاغية الأمنية وحراس مخازن سلاحه للحصول على المعلومات والأسلحة والذخائر التي ساعدتكم في الصمود والتقدم لتحقيق النصر.. كانت طرابلس أيها المتسائل الجاحد بركان يغلي ، تعيش ثورة من طراز متقدم وبسلاح متجاوز لمفاهيمكم التي تربط الثورة بوفرة السلاح والعتاد.. سلاح طرابلس في هذه الثورة هو الجرأة والشجاعة والجسارة والتصميم على اجتثاث الظلم والاستعداد للموت بنفس راضية دون توجيه اي طلقة إلى قاتليهم.. وهذا ما شهد به زبانية النظام وقتلته يوم 20 و21 فبراير عندما احتل شباب ورجال ونساء طرابلس العُزًّل ميدان الشهداء حتى ساعة متأخرة من الليل وهم لا يحملون اي سلاح سوى سلاح التحدي والاصرار على قول كلمتهم الفصل للطاغية وابنه الذي خرج عليهم تلك الليلة ليساومهم على حريتهم بهشيم الدنيا الزائل، فكان ردهم الذي تحاولون طمسه اليوم هو فتح صدورهم العارية لرصاص زبانيته وهم يصيحون بالدم بالروح نفديك يا بنغازي، وضمخت دماء الشهداء والجرحى تلك الليلة الميدان والشوارع المؤدية له وعطرته بأرواحهم التي قدموها بسخاء فداء لكم وللثورة التي تزايدون انتم اليوم عليها..

هنا كنا وسنكون ونبقى هنا في طرابلس، كما كنا بينكم نقاتل إلى جانب الشرفاء منكم الذين يقبعون اليوم في زوايا النسيان، لتخليصكم من جور الطغيان بمفارز شبابنا الذين تسللوا واخترقوا أحزمة الموت التي يقيمها الطاغية حول المدينة للانضمام لكم في القتال وحاز عدد منهم شرف الاستشهاد على تراب مدنكم وقراكم التي هي مدننا وقرانا.. لا تزعزعنا مزايداتكم الرخيصة محتسبين تضحياتنا لوجه الله، ومدركين أنها اقل من الواجب، ونخجل ونترفع عن المزايدة بها واستعمالها مبررا للابتزاز والنهب والعبث وصناعة أوهام القوة والتسلط على الآخرين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف