الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هموم المثقفين

محمد الذهبي

2012 / 7 / 9
الادب والفن



لم تكن معاناة المثقف وليدة اليوم او البارحة، وانما هي هموم قديمة بقدم وجود الانسان على هذه الارض، حمل اوراقه وانطلق الى الاندلس يبحث عن سلطان يمدحه ليزداد بمدحه اعطية يسد بها رمقه، ابن زريق البغدادي، الذي ترك زوجة له في بغداد وهو يقول:
استودع الله في بغداد لي قمرا بالكرخ من فلك الازرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة واني لا اودعه
ولم يكن ابن زريق فريدا في هذا المضمار، وانما سبقه مسلم بن الوليد، وابو الفتح الاسكندري، ولم تنته القضية عند السياب او امل دنقل وانما هو خيط ممتد الى عقيل علي وشعراء ومثقفين آخرين، دائما ماترى المثقف في الطليعة يحمل هموم الشعب ويجاهر بما يخفيه البعض من المنتفعين الذين يتحينون الفرص للفائدة الشخصية، المثقف وصل الى مرحلة ان ابحر ضد تيار المجتمعات المتخلفة فدفع حياته ثمنا لذلك، لقد باع عبد الامير الحصيري قصائده بربع من عرق مغشوش، وانبرى يترنم:
تمرد على الدنيا وعش صحوها سكرا وعاش بظل الجنة البرد والحرا
تمرد وكن كالسيل لاتستطيبه بقاع يصوغ الملح سحنتها الغبرا
وعاند دساتيرا يظن غباؤها بان شرار الشوك يقتحم الفكرا
وبعد هذا مات الحصيري في زاوية عقيمة ولم يحظ بعدها بسوى نعي خجول، وسبقه الى هذا المصير حسين مردان، في حين دفع كتاب كثيرون حياتهم ثمنا لمقالة او ربما طرفة في بار عتيق، هناك تحالف غريب بين الفاقة والثقافة، لقد مات ابن زريق البغدادي بعيدا عن بغداد، ولم يترك له القدر حتى قراءة قصيدته امام الامير الاندلسي، وترك الحصيري منضدته فارغة ليختار زاوية بعيدة ويموت فيها كالامراء، وهناك مثقفون عالميون، لم يسلموا من براثن الفقر والعوز والفاقة فان كوخ وادكار المبو، وسواهم الكثير الكثير، لتبقى مأساة بدر شاكر السياب ماثلة للعيان في كل عصر نطرق فيه اشكالية موت المثقف سواء في بلداننا ام في بلدان اخرى، انها وثيقة بالاخلاص للكتابة، الموت الحلم الذي يحياه المثقف ككابوس ثقيل، يترنح قربه في اي مكان تناول فيه كأسا، او دخل في قضية تتناول الادب والثقافة، لقد احدثت روايات عالمية كبيرة تغييرا نوعيا في شكل وطعم بعض المجتمعات، ليحصد ثمرتها السياسيون في آخر المطاف.
والغريب في الامر دائما مايحيا المثقف بعد موته، في حين ان السياسي يعيش مرة واحدة، لينطوي بعدها بعيدا في دهاليز الظلام، انها اشكالية غريبة الحياة بعد الموت والموت في الحياة، ولذا نستطيع من البداية ان نقرر من سيكسب الجولة، انه المثقف بلا ادنى شك وان كان يسبح ضد التيار، وربما يرجم في بعض الاحيان، او يطارد او يختفي عن العيون لبيت شعر قاله هجا فيه الامير او ذكر حقيقته، لم تكن اشكالية مؤلمة البتة، انها اشكالية لذيذة يكون الطرف المنتصر بها دائما هو المثقف مع تزاحم السياسي على مركز القرار والسلطة، ان للمثقفين يد طولى في رسم صور المجتمعات، او رسم الصورة التي يجب ان تكون عليها هذه المجتمعات، لكن للاسف تصطدم دائما الصور التي يرسمها المثقف بوحدانية رجل الدين، وانانية السياسي، ليبقى التهميش ماثلا ومقنعا للمثقف، وهو يعتبره احدى حسناته التي عليه ان لايتخلى عنها، لان هناك حياة اخرى بانتظاره، حياة يحكمها الخلود الابدي في اذهان الآخرين، ببعد زمني لايمكن ان يكون منظورا لكثير ممن يمتلكون نظرة قاصرة للامور، ويعتبرون ان مرتبات ووجاهة اليوم ستكون مثابة لهم على امتداد حياة قصيرة لاتعني شيئا لاحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية


.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي




.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان


.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال




.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG