الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيارات الثورة السورية ومخاطر الانزلاق

وهيب أيوب

2012 / 7 / 9
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


قبل الولوج في المسألة الطائفية في سوريا، لا بُدّ لنا من الاعتراف أن الانتماءات الدينية والقبلية والعشائرية والطائفية في مُجمل العالم العربي قد تتفوّق، في معظم الأحيان، على الانتماء الوطني. هذه حقيقة واقعة يجب عدم نكرانها. وسبب ذلك هو فشل تلك المجتمعات ونخبها الثقافية والسياسية في بناء دولة مدنية حديثة؛ دولة المواطنة الحقّة؛ دولة القانون التي، من خلالها، يستطيع المواطن ضمان حقوقه عبر مؤسّساتها وأهمها القضاء المستقل، وليس عبر المحسوبيات كما هو حاصل حتى اليوم.
في كل البلدان العربية ومنها سوريا، يوجد لكل طائفة ذاكرتها التاريخية الخاصة، التي ليس بالإمكان نسيانها أو تجاوزها أو طمأنة الجماعات الطائفية إلى وجودها وكينونتها إلا من خلال الانتقال إلى دولة المواطنة التي ترعى الجميع دون تمييز، وهذا ما لم يحصل. فبقيت تلك المجتمعات ملغومة ويمكن استدراجها إلى عصبيتها واستحضار ذاكرتها الطائفية المخزونة في حال وقوع أحداث جسيمة كالتي تجري في سوريا اليوم.
مرّ السوريون، في تاريخهم الحديث مطلع القرن المنصرم، بتجربة قد تُعتبر امتحاناً لتماسكهم المجتمعي والوطني رغم تنوعهم الطائفي والمذهبي؛ فقد حاول الفرنسيون، أثناء فترة الانتداب وبُعَيْد الحرب العالمية الأولى وانهيار الحكم العثماني وإثر موقعة ميسلون عام 1920 وبإشراف غورو، تقسيم سوريا إلى أربع دويلات طائفية هي: دولة دمشق، دولة حلب، دولة العلويين ودولة جبل الدروز، إضافة إلى دولة لبنان الكبير ومنح الاستقلال للواء الإسكندرون قبل أن يتم اقتطاعه لاحقاً عن سوريا وتسليمه إلى تركيا.
كان ردّ قيادات الثورة السورية على الفرنسيين حاسماً برفض التقسيم والنضال من أجل وطن سوري موحّد.. فاستقلّت سوريا عام 1946 بجلاء الفرنسيين عنها بحدودها الحالية.
لا مفرًّ من التكرار في هذا السياق، أن فارس بك الخوري "المسيحي" كان قد شغل في سوريا، آنذاك، عدة مناصب هامة أبرزها رئاسة الوزراء ووزارة الأوقاف الإسلامية. نعم! إلى هذا الحد كان الشعور الوطني لدى السوريين متقدماً على حساب الانتماء الطائفي، لدرجة أن يكون وزير الأوقاف الإسلامية مسيحيّاً.
عمل النظام الاستبدادي في سوريا، ومنذ مجيء حافظ الأسد إلى السلطة بانقلابه الشهير عام 1970، على تنمية الشعور الطائفي خاصة لدى الأكثرية السنيّة، من خلال استئثار أبناء طائفته بالمراكز القيادية العليا في الجيش وأجهزة الأمن التي بلغ تعدادها أكثر من خمسة عشر جهازاً، إضافة لتحالفه مع البرجوازية السورية من الطائفة السنية خاصة، واحتوائه رجال الدين وأئمة المساجد وعلى رأسهم مفتي الجمهورية والعلماء البارزين. ثُمّ عمل على كسب ولاء الأقليات من خلال تخويفهم الدائم من حكم الأكثرية السنيّة على أنّه الضامن الوحيد لوجودهم.
منذ اندلاع أولى الاحتجاجات في درعا، في 15 آذار من العام المنصرم، أحسّ نظام الأسد بالخطر الداهم، فسارع لاستنفار كل ما لديه من وسائل لقمعها وإخمادها عبر الوسائل الأمنية والعسكرية، إلا أن الاحتجاجات استمرّت واتسعت في أنحاء سوريا حتى تحوّلت إلى ثورة عارِمة. وفي خطوة استباقية أخذ النظام منذ الشهر الأول باستحضار الخطاب الطائفي والمذهبي لتأليب الرأي العام الداخلي والخارجي على الثورة، عِلماً أن أسباب اندلاع الاحتجاجات لم تكن بسبب أي حادثة طائفية بل كانت مطالبات واضحة بالحرية والكرامة والديمقراطية ضد الاستبداد والطغيان، ورفع الذل والقمع المطبق على أنفاس الشعب السوري منذ أكثر من أربعة عقود. وكان أهم شعاراتها "واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد". إلا أن أجهزة إعلام النظام وأبواقه وعلى رأسهم بشار الأسد وبثينة شعبان ومنذ الشهر الأول باشروا بالترويج لرواية عن حركات سلفية إسلامية متطرفة تحارب النظام من أجل إقامة إمارة إسلامية.
في تقديري أن نظام الأسد فشل حتى الآن في تحويل مسار الثورة عن أهدافها الحقيقية وتحويلها إلى صراع طائفي يخدم أهدافه الخبيثة والتي قد تكون آخر أوراقها تقسيم سوريا طائفياً وهو ما فشل فيه غورو الفرنسي.
لا أحد يُنكِر وقوع بعض الأحداث، ذات الصبغة الطائفية، ردّاً على وانتقاماً للمجازر البشعة والفظيعة التي يرتكبها النظام بقصد جرّ الطرف الآخر إلى ساحة ملعبه، لكنها تبقى أحداثاً محدودةً وشبه فردية.
لكن المخاطر موجودة والصراع مفتوح على احتمالات عديدة لم يزل بالإمكان تداركها من قبل الثوار والجيش الحر على الأرض. ولا ننسى هنا الدور الهام للمثقفين السوريين بكافة أطيافهم، بالحثّ دائماً على عدم الانزلاق الخطير للصراع الطائفي المفتوح الذي فشل النظام حتى الآن بتحقيقه على النطاق الذي يرغب ويريد. هذه مهمة ليست باليسيرة أمام هول ما يحدث من ذبح وتقتيل، لكني أحسبها مهمة مفصلية وتاريخية للمثقفين السوريين لإنقاذ سوريا من الاقتتال الأهلي والطائفي ومن التقسيم. مع أنني أرى بعض المثقفين الموتورين ينزلقون في الاتجاه المعاكس؛ وهؤلاء هم الخطر الأكبر على مسار الثورة، من حيث مقدرتهم على تأجيج المشاعر الطائفية والمساعدة على انفلاتها.
إذا ما استمرت مراوحة المواقف العربية والإقليمية والدولية وتفسّخ المعارضة السورية على المنوال الذي نسمعه ونراه، فإن مخاطر حرب أهلية طاحنة قد تقع. وهي قائمة "بالإمكان" لكن أطرافها حتى اللحظة موزعون على كلا الطرفين، تتشكل من كل الطوائف، سواء ضمن أتباع النظام أو في أوساط المعارضة والثورة.. ما زلت أستبعد الحرب الطائفية الصرفة وإن تكن بعض الوقائع المحدودة تحصل في بعض المناطق حالياً، لكن لا شيء يضمن عدم اتساعها فيما لو استمر النظام في سلوكه الوحشي المُدمِّر. إن ما قد يبعث على بعض التفاؤل هو انضباط مجالس الثورة والجيش الحر والمعارضة عموماً وعدم الانجرار، حتى الآن، إلى حرب طائفية بعد تجربة السنة والنصف من الثورة وتحت وطأة أعمال القتل والتنكيل التي يمارسها النظام.
أخشى ما أخشاه أن لا ينفك هذا النظام - العصابة عن سوريا قبل أن يدمرها.
لا أرغب في العيش في الأوهام..
في حقيقة الأمر أن المخاطر على الكيان السوري حقيقية وكبيرة، والشعب السوري اليوم أمام امتحان تاريخي ومفصلي.

الجولان السوري المحتل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح