الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي الوردي ..ذم صبغة الحزن في الاغنية

عبد الجبار خضير عباس

2012 / 7 / 9
الادب والفن


سبق لي وان كتبت قبل أشهر مقالاً بعنوان "الذات العراقية ..ذم صبغة الحزن في الأغنية" جاء كرد فعل لمقال وصف الأغنية والموسيقى العراقية بأنها كئيبة ...واشرت فيها للأبعاد التأريخية والبيئية واهميتها من ناحية الثراء الموسيقي وتنوعه وتفرده وتعدد آلاته الموسيقية وبوصف العراق صانعاً لأول آلة موسيقية في التاريخ البشري ..وصاحب أول عود وأول شكل من اشكال السلم الموسيقي، وبينت أن الحزن في الاغنية مستويات وتنوع، يختلف في المقام عنه في الاغنية الريفية فضلا عن اختلاف نبرة الحزن من حنجرة الى اخرى، اذ لا يوجد تطابق بين مطربين في اللون الغنائي الواحد، وليس الحزن حالة مطلقة..الخ كما كتبت دراسة بعنوان مرجعيات الحزن في الاغنية العراقية. جاءت كاجابات وردود لكل ما من شأنه يحط من قيمة الغناء والموسيقى العراقية ..
ما أجبرني للكتابة مرة أخرى هو قراءتي قبل أيام لكاتب وروائي مهم في المشهد الثقافي العراقي، يقول: (من فترة طويلة وأنا لا استمع للغناء العراقي"التقليدي" إلا بالمصادفات لاعتقادي انه، في الاكثرية من نماذجه غناءً مدمراً للروح! ثم يستدرك، فانا قصدت الغناء العراقي "الاصيل" التراثي في جانب كبير منه، وأنا اتحدث عن قضية مزاجية، وليست حكماً ثقافياً..) وفي مناسبة أخرى قال احد الادباء: ان الاغنية تقترب من المرثية، وأخر اشار الى اننا نعيش في بيئة لا تعرف ألوان الفرح ..
لذا وجدت من الضروري الخوض في هذا الموضوع مرة أخرى عسى ان يجد له موضع اهتمام من قبل المختصين بالموسيقى وذوي الاهتمام الساسيولوجي والأنثروبولوجي..إذ أرى الأمر يتعلق بثيمة ثقافية تشكل احدى المؤثرات المهمة بالذات العراقية وجزء مهم من موروثه الثقافي، والمعرفي، والفولكلوري. اذ تتشكل عبره ميكانزمات روح الانتماء للعمق التاريخي والحضاري، فضلا عن كونه رابط تتجسير لم ينقطع مع سرديتنا العراقية.
المثير للدهشة ان الشعوب تقدس تراثها، وتبحث عن سببية لخلق تاريخ مثل الاحتفال بتراث مطرب مات في الستينيات اوسفينة غرقت، وعبر قصص ميثولوجية، وخرافات تتوحد قبائل لتشكل دول. ونحن نسخر ونذم اهم تراث موسيقي في العالم!
عموما وجدت من المفيد هذه المرة الاشارة الى اهم اسباب هذا العقوق والتوجه بالذم المطلق للموسيقى والغناء العراقي..
فوجدت مرد ذلك يعود بالاساس حسب اعتقادي الى عالم الاجتماع علي الوردي، إذ يقول بكتابه دراسة في طبييعة المجتمع العراقي صفحة 307 (حين ندرس الأغاني العراقية، لاسيما "المقامات" البغدادية، نرى طابع الحزن والعويل غالباً عليها، فهي أغاني "جنائزية" على الاكثر، وهي مملؤة بالسكون من الدنيا وسوء الحظ والشعور بالخيبة والألم) ثم يدعم وجهة نظره بحكاية(ان احد الطلاب الذين يدرسون في الولايات المتحدة ذهب ذات يوم لزيارة صديق له من العراقيين هناك. فلم يجده في الدار التي كان نازلاً فيها. فجلس الى صاحبة الدار يتحدث معها عنه. فقالت السيدة تصف نزيل دارها بأنه شاب طيب ولكنه لايكاد يدخل الحمام حتى يشرع بالبكاء. وقد اتضح أخيراً ان هذا العراقي لم يكن يبكي في الحمام كما ظنت السيدة الامريكية ، بل كان يغني "أبوذية"عراقية) السؤال الكبير هل من المعقول ان نتهجم ونذم تراثنا الموسيقي والغنائي استنادا لرأي وانطباع شخصي يعبر عن لحظة تاريخية مفارقة إذ كان الوردي مصدوماً أو مصعوقاً وهو يرى الناس في اميركا يرقصون رجالاً ونساءً على انغام الموسيقى الصاخبة، فعقد مقارنته التي تماهى معها المثقف العراقي وتغلغلت في اللاشعور، بوصف الوردى ايقونة ثقافية، فما ان نبدأ القراءة المعرفية حتى نندفع نحو قراءة الوردي، وبما اننا في مجتمع بطرياركي تعودنا ثقافة التلقين، لم نتعامل في بداياتنا على ان ننقد ونحلل كل ما نتلقاه، لذا لو أردنا ان نحلل هذه الحكاية، هل ان صاحبة الدار تعد معياراً نقدياً، وتعبر عن رأي الشعب الأميركي أو بقية شعوب العالم وخير دليل على ذلك هناك الكثير من الاغاني التراثية العراقية تأثر بها مطربون ومطربات اجانب وغنوها فضلاً عن ان الاغاني العراقية، تحظى هناك باهتمام بالغ حين تغنى في المناسبات، ولم نسمع حالة من القرف والامتعاض منها، ثم منْ قال ان صاحبنا العراقي يملك صوتاً جميلاً لنؤسس عليه هذه الفرضية؟ ربما صوته لايصلح للغناء أو يكون مصابأً فعلاً بالكآبة..
الى جانب تأثير الوردي، شن اعلام النظام المباد ابان سبعينيات القرن الماضي حملة كبيرة وواسعة على طابع الحزن في الاغنية وحث المطربين والمطربات على التعبير عن مواسم الفرح التي يصنعها النظام! لكن فات هؤلاء ان ثمة مؤثرات عديدة شكلت حنجرة المطرب العراقي وتكوين جمجته وجهازه التنفسي الى جانب خزينه المعرفي والحضاري المتراكم جينياً الذي منحه مساحة واسعة وقدرة كبيرة للتعبير عن مشاعره بهذه الكيفية.
ملاحظة، نحن لانريد هنا ان نخطأ عالمنا الجليل الوردي او نبحث عن مثلبة في انتاجه فهو اعلم وارفع واجل، لكننا هنا نشير الى جزئية ناهيك عن قول الوردي ذاته في الجزء الرابع صفحة 8 من كتاب "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث" (ان كتبي لايمكن ان تخلو من اخطاء علمية على أي حال، شأنها شأن أي عمل من أعمال البشر) كتبنا هذا املين تصويبه وتعميقه وتسليط الضوء عليه إذ من غير المعقول ان تستمر اهانة فلكلورنا وتراثنا على الرغم من انه يشكل محل فخر لدى الأخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو