الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الماضي .....

زيد محمود علي
(Zaid Mahmud)

2012 / 7 / 10
الادب والفن


ثقافة الماضي .....
القسم الأول

في فترة مابعد السبعينات وبعد خروجي من سجن قصر النهاية عام (1972 ) وقد كان يقال عنه من قبل أعوان النظام ، أنه المعتقل الذي يضع حدا" للأنسان السياسي أو نهايته الجسدية . وفي تلك الفترة كان للمد الثوري قوته ، وللأفكار دورها في بناء الأنسان . وكان للمثقف دوره البارز في الوسط الأجتماعي ، وكانت الثقافة منتشرة بشكل لامثيل لها ، وكانت المطبوعات متوفرة بكثافة في المكتبات ومتنوعة الأتجاهات ، من كافة الحقول والصنوف الفكرية والفلسفية والعلمية ، وكنا نحن مجموعة مثقفة نطالع ونتابع ونقرأ الكتب بأنواعها ، وحقولها المتعددة ثم بعد مطالعتها نتناقش حولها ، مع مجموعة مثقفين للوصول الى صواب الأمور . وتلك الفترة كانت فترة جيدة للمطالعة والتثقيف الذاتي ، والسبب هو قلة وسائل التسلية مثلما هو الآن ، في وقتنا الحاضر التي تعددت فيها وسائل كثيرة تشغل الأنسان في متابعاته المتعددة ولربما ، تشغله عن متابعة القراءة ، الوسيلة التثقيفية الأولى في زماننا سنوات السبعينيات ، وبرز المثقف المتميز في أربيل في تلك المرحلة التاريخية المهمة ، رغم وجود سلطة قمعية لم تسمح ولم تشجع بنشر الأفكار ، والتي كانت تعتبرها أفكارا" مضادة للنظام . وكان المؤثر الأول على جيل كامل في تلك السنوات هو الفكر الماركسي والوجودي والعبثي ، أنتشرت كتابات لينين وماركس وأنجلس ، أضافة الى كتابات تروتسكي وكاوتسكي وبليخانوف والتوسر وبوخارين ، وغيرهم من منظري الفكر الماركسي ، وخاصة أن تروتسكي كان غير مرغوب من الشيوعيين التقليديين ، ولديه كتاب( الثورة المغدورة ) يتحدث في الكتاب عن ثورة أكتوبر وتوقع انتكاستها في المستقبل ، وهو الذي وضع نظرية تصدير الثورة الى الخارج آنذاك ، ولكن القادة السوفيت حاربوه وحاربوا فكرته ، ونظريته . وتأتي كتب جون بول سارتر وسيموندبوفوار وكولن ولسن ، والبير كامي وهوسرل وفرانز كافكا وغيرهم من الكتاب الوجوديين والعبثيين ، أما لجون بول سارتر لكتبه التي ملئت المكتبات ، مثل كتاب الوجود والعدم ، وكتاب الذباب ، والأيدي القذرة والأدب الملتزم وغيره من الكتب المتنوعة دراسات سياسية ومسرحية وقصص جميعها تفسر النظرية الوجودية بطريق الكتب الأدبية ، وأما سيمونديبوفوار صاحبة كتاب المثقفون ، الذي يتناول الصراع بين الماركسيين والوجوديين ، كان له رواج مهم آنذاك ، وكتاب آخر عن االفكر اليميني ، تتناول فيه الكاتبة الفكر اليميني في فرنسا . وأما كتابات كولن ولسن ، التي جاءتنا عن طريق أفضل الكتب الشيقة مثل سقوط الحضارة وضياع في سوهو وكتب كثيرة ، حيث هيمن الكاتب على فكر جيل كامل ، وكانت أكثر الكتب المترجمة تأتينا من لبنان وبمطابع دار الأداب . وفي تلك الفترة كان النظام الشمولي مسيطرا" على كافة المؤسسات الثقافية والأجتماعية ، وغياب التعددية السياسية والفكرية والأتجاهات الأخرى . لكن الكتب كانت تدخل المنطقة من جميع دول الجوار ، خاصة لبنان وسورية ومصر والمغرب العربي ، أضافة الى منشورات ومجلات المنظمات الفلسطينية ، التي تأتينا ، وكنت خاصة أنا شخصيا" أجلبها الى المحافظة ، مجلات جبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، كانت مجلات جيدة ودسمة الموضوعات ، وهي مجلة الحرية ومجلة الهدف . وكنا مجموعة شباب مثقف ومتحمس ومتابع لكل جديد في الفكر والفلسفة والسياسة . كانوا أصدقائي من المثقفين آنذاك كثيرون منهم في أربيل والآخرون في بغداد . ولكن ما تطرقت اليه في هذه اليوميات ، هؤلاء الأصدقاء القريبين ، والذين تعايشت معهم تلك الفترة الثقافية ، أعتبره واقع متميز ، لأننا اولا" كنا شباب عزاب ، ولدينا أندفاع ثقافي وفكري ، أضافة الى أن الفترة السابقة ، أفضل من العصر الحالي ، لوجود روابط عاطفية وأنسانية ، دون الفكر بمصالح ذاتية ومادية ، كما يفكر أنساننا اليوم . وفي سنوات السبعينيات كنت في أكثر الأوقات ، تواجدي في المكتبة العامة المركزية في اربيل ، وكنت أستعير الكتب الفلسفية خاصة ، التي كانت محببة في مطالعاتي . وكان أمين المكتبة الأستاذ كاظم من أهالي أربيل ، ذو الخلق والثقافة الجيدة في معاملة الزوار ، ولاسيما الأصدقاء من أمثالي ، كنا نجلس في غرفته ونتحاور في أكثر القضايا الفكرية ، أنسان هادىء ، ولايتحدث الا قليلا" ، وتكون الكلمة في مكانها ، يبقى في ذاكرتنا نحن زوار المكتبة . أما في بغداد العاصمة كانت لقاءاتي وجلساتي مع بعض الأصدقاء والأدباء في مقهى البر لمان ، أمثال عبد الستار ناصر ومهدي عبدالصاحب ، وبعض الأدباء الفلسطينين ، وكنت أشاهد الشاعر عبدالأمير الحصيري لتردده على هذه المقهى ، وكنت أجلس في بعض الأحيان في مقهى حسن العجمي ، والزهاوي وأم كلثوم ، ومرات في مقهى الجزائر ، في شارع الرشيد ، وذلك لمشاهدة لعبة الشطرنج ، ومرات أقوم باللعب . وكذلك كانوا أصدقائي من الكتّاب الكرد كذلك يلتقون في البرلمان ، وكنت التقيهم ، أمثال المرحوم محمود زامدار والفنان قادر زيرك وأما في أربيل كنا نلتقي في مقهى ( عبو ) لصاحبه المرحوم مام نادر ، الرجل الطيب والعطوف على الفقراء ، ويده سخية في مساعدة الآخرين ، وأن المقهى يتردد عليه جميع الطبقة المثقفة ، والمعلمين والمدرسين ، وكانت المقهى أشتهرت بممارسة الشطرنج فيها ، وكان مام نادر كلما رأني وقال أنا ووالدك تصارعنا أمام المقهى في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي ، كان يفرح حينما يراني ، وكانت علاقتنا علاقة جيدة ، وأنه رجل متدين ، وطيب القلب ، وأن أحترامه واجب ، واليوم ندعوا من الله أن يرحمه ... وكنا نلتقي في المقهى أنا والشاعر عباس عبدالله يوسف من أصدقاء العمر ، وأقرب الناس اليّ وهو الشاعر ، حيث نشر في الصحف والمجلات أشعاره ، وأصدر ديوان ( ئاو) ، ويعتبر من المجددين في الأدب ، وهو ناقد جيد ، في ذلك الزمن كنا سويتا" بأستمرار . وفي تلك المرحلة من العصر الذهبي في قراءة الكتب ، كنا نبحث وننبش في المكتبات ، وأماكن وجود المجلات والكتب ، وكنا نركز على أفضل الكتب ، أمثال كتب ( نقد الفكر الديني ) ل جلال صادق العظم الذي كان من كتابنا المحبوبين في متابعته . وبديهي على أثر الكتاب تم تقديم (العظم ) لمحاكمة في لبنان وقد قامت والدة الكاتب بالدفاع عنه ، لكونها كانت تمارس مهنة المحاماة . وبعد جلسات عدة وفي الأخير تم الأفراج عنه ، وخاصة أن فترة السبعينيات في لبنان ، هي فترة تزامنت مع حرية الفكر والنشر للمطبوعات ورأي الكاتب . وكذلك كنا نزور مكتبة أربيل لصاحبها عبدالرزاق ، كان من أصدقائنا الأعزاء ، أنسان هادىء وطيب القلب ، وهذه المكتبة تقع قرب كازينو المعروفة بأسم ( المطلوبين ) لصاحبها عثمان جايجي ، وهو من أصدقائنا القدامى . وكذلك كنا نلتقي في مكتبة الكشك التأميم ،الملتصقة بجانب نادي الموظفين القديم ، مقابل حديقة باغي شار نادي المتقاعدين الحالي . وصاحب المكتب هو ( أحمد عقراوي ) وشقيقه ( جمعة وأزاد ) وكانت لنا صلة بهم ، وهم ذوي أخلاق عالية . وأما المرحوم كاك أحمد الله يرحمه وهو كذلك من أعز الأخوان بعلاقتي به . وفي تلك المرحلة من سنوات السبعينيات من القرن الماضي ، كنا مجموعة مثقفين ، ملتزمين بالفكر الماركسي ، دون التزام بالحزب الشيوعي ، فقط لدينا علاقات مع بعض القياديين في أربيل ، أمثال الأستاذ عبد الرحمن القاضي ، وأبو علي وأبو أحلام وغيرهم ... وكانت لنا بعض الملاحظات ، نقدمها بأستمرار لأعضاء الحزب الشيوعي لكن كانت هذه الملاحظات تنعكس علينا سلبيا" . وكانوا لدينا أصدقاء أمثال صديقنا (شيروان) الملقب ب ليلة ، كان يقطن غرفة من طين في الأحياء الفقيرة ، كنا أنا وعباس نلتقيه هناك ، كنا نقرأ الكتب سويتا" ، ونتناقش حول جملة قضايا ، وكان حساس جدا" ، وكان شيروان يتنفرس من كل مسألة لاتعجبه . لكنه كان معجب بي وبطروحاتي ، في تلك المرحلة وكنا نزور المعارض الفنية ، وكانوا أصدقائنا من الفنانين الذين كنا نشجعهم على الديمومة والأستمرار للوصول الى القمة ، أمثال الرسام نجاة عبد الواحد ، والأخ قره ني والأخ عبدالله رسول والأخ دارا وهؤلاء كانوا فنانين جيدين ومثقفين يساريين . وكانوا هنالك أصدقائنا أمثال مجيد عقراوي ورجب عقراوي ، وأن مجيد من أقرب اصدقائي ، كنا نتحاور بأستمرار يعتبر المرحوم مجيد من المثقفين الجيديين للفكر التقدمي ، حقا" له تطلعات وأفكار جيدة ، لأنه لم يساوم على أي قضية وغير متردد ولا أنهزامي . وكان صاحب قضية ، وعلى هذا الأساس أصبح شهيد الفكر من خلال المقاومة . وهنالك حادثة تعود دائما" في ذاكرتنا ، كنت أنا وعباس وليلة شيروان ومجيد وورجب وازاد حسن ، نذهب الى منطقة أسكي كلك للسباحة ،أثناء فصل الصيف ، وأثناء السباحة لاحظت سلحفاة تجري قريبة منا ، وصاح شيروان كوسج .. كوسج .. ولاحظت خروج الجميع من الماء ماعدا مجيد ، وضحك الجميع ، لأن الكوسج يعيش في البحار وليس في نهر صغير ، وهذه الواقعة تذكرنا بتلك الأيام الجميلة .

( يتبع .... )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-


.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق




.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا