الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت المجاني

محمد أيوب

2005 / 2 / 11
الادب والفن


قصة قصيرة
بقلم : د . محمد أيوب
- ما زال الوقت مبكراً !
قالها لزوجته دون مبالاة ، فقد كان يدرك أنها لن تستجيب لندائه ، فقد كان نداء النوم أقوى ، كان يدرك بغريزته أن هذا الهدوء غير عادي ، فقد كان أشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة ، ومع ذلك أصر على متابعة برامج التلفزيون عله يجد ما يبدد قلقه ، فقد اعتاد أن يسهر حتى ما بعد منتصف الليل كي يطمئن أن الليلة أي ليلة ستمر بسلام دون أن يقع اجتياح جديد ، أو دون أن تقع ضحية جديدة ، فقد كانت الجنازات تتالي ، فما تكاد تمر أيام العزاء الثلاث حتى يتم الإعلان عن شهيد جديد .
كانت الدبابات قد اعتادت أن تتمركز على بعد حوالي خمسين متراً من منزله ، وفي تلك الليلة ، وقفت الدبابة كعادتها ، لكنه أحس أنها ومنذ يومين كانت أشبه بحيوان مفترس ينتظر الانقضاض على فريسته ، في اليوم السابق لتلك الليلة جاءت الدبابة مصحوبة بكاسحة ألغام وجرافة قامت بتسوية تل رملي قريب ، كان الشباب يتابعون ما يجري دون اكتراث بينما كانت الجرافة تعمل بدأب ، وكانت التعليقات تتناثر هنا وهناك .. لا بد أنهم يمهدون الطريق أمام اجتياح جديد .. إنها المطاردة الساخنة التي يتحدثون عنها .. لابد أنهم يبيتون لنا أمراً .. إنهم يفعلون ذلك انتظاراً للعدوان على العراق .
ضغط على زر باحث التليفزيون حتى وصل إلى قناة الجزيرة ، كانت النشرة في معظمها تتحدث عن العراق وعمل فرق التفتيش وتهديدات واشنطن والحشود العسكرية ، برزت صورة شفيق الحوت في برنامج شاهد على العصر ، ما زال كل شيء عادياً ، وفجأة انفتحت النيران من الدبابات ومن المواقع المجاورة ، تمزق سكون الليل ، شعر وكأن الراص يتفجر داخل المنزل .. انقذفت زوجته عن السرير وهرولت وهي نصف نائمة إلى الصالون ، كان الرعب يطل من عينيها ، ابتسم لها مشجعاً وطلب منها أن تهبط إلى الأرض حتى لا يصيبها الرصاص الذي كان يصطدم بجدران المنزل ، بينما كانت طائرة تطلق النيران من الجو، وصوت الانفجارات يصم الآذان .
رن جرس الهاتف مترددا خافتاً وكأنه يشعر بما يدور حوله ، توجه نحوه ورفع السماعة ، كان على الطرف الآخر أحد أقاربه ، سأله عما يحدث ، قال :
- إطلاق رصاص عادي مثل كل ليلية ، فقد اعتدنا على ذلك ، حتى أننا لم نعد نستطيع النوم دون سماع صوت الرصاص !
- ولكني أسمع صوت مكبر صوت يطالب الناس بالخروج من المنازل فوراً ؟!
- لا أسمع شيئاً !
- ولكن الدبابات تتواجد على دوار بني سهيلا !
- سأرى إن كان هناك أي مكبر للصوت وسأتصل بك إن سمعت شيئاً .
وضع سماعة الهاتف واتجه نحو الفرندة التي تفتح على غرفة نومه ، أزاح الزجاج بضعة سنتيمترات وهو مطمئن بأن أحداً لن يراه ، فقد كانت الدبابات تتمركز في الناحية الغربية والفرندة تقع في الناحية الشمالية الشرقية ، لم يتوقع أن تكون الدبابات الإسرائيلية في وسط المدينة وفي شارع جلال بالتحديد ، أصاخ السمع عله يسمع صوت الميكرفون ، لكنه لم يسمع شيئا، عاد إلى الغرفة مسرعا ، لم يستغرق الأمر أكثر من بضع ثوان ، تلت ذلك صلية عنيفة ، أحس أن الرصاص يتفجر داخل البيت ، لكنه لم ير شيئاً ، فقد أغلق الباب المطل على الفرندة ، سمع أصوات تكسر اعتقد أنها صوت ارتطام الرصاص بحديد الدرابزين .
إطلاق النار لا يتوقف والأخبار تتتابع ، اليهود في شارع صلاح الدين وفي شارع جمال عبد الناصر ، اليهود يتمركزون عند قلعة برقوق ، تلفزيون فلسطين يتابع ما يجري من خلال المكالمات التليفونية ، استشهاد مواطن قرب القلعة وإصابة آخرين بجراح بعضها خطير ، هدم الجيش الإسرائيلي ثماني ورش ، كانت الإشاعات تتطاير عبر الهاتف ، سيهدمون بيت فلان ، ركز كل أحاسيسه منتظراً سماع صوت الانفجار الكبير الذي يجر وراءه صوت انهيار المنزل المنكود ولكن الانفجار الكبير لم يحدث.
استمر إطلاق النيران أكثر من خمس ساعات انسحبت بعدها الدبابات إلى جحورها ، وبعد أن سمع نشرة أخبار الساعة الثالثة صباحا غلبه النعاس فنام ، ومع ذلك استيقظ مبكراً ، خرج ليتفقد المنزل من الخارج ، لم يخطر بباله أن يتفقد المنزل من الداخل ، وجد بصمات الرصاص على الجدران ، كانت رصاصات عديدة قد اخترقت الدرابزين وقصت الحديد بينما استقرت رصاصة في رأس أحد القضبان ، حاول إخراجها لكنه لم يستطع ، شعر بقشعريرة تسري في جسده ، همس :
- كان الله في عون من تستقر رصاصة وقحة في رأسه أو جسده .
لم يكمل تفقد المنزل فقد قرر أن يتفقد ما جرى في المدينة ، كانت حركة السيارات قليلة ، أدار مفتاح تشغيل سيارته وخرج ، وصل إلى منطقة قريبة من شارع جلال ، ترك سيارته هناك ، لابد أن يرى ما حدث وإن كان لا يطيب له ذلك ، دلف إلى شارع الجراجات ، كان الدمار يشمل المكان ، كأن زلزالاً أصاب المنطقة ، كل المحلات مهدومة ، تتناثر الحجارة وقطع الحديد ووالأعمدة الإسمنتية في كل مكان ، يد جهنمية قلبت كل الأماكن رأساً على عقب ، بينما كان عمال الصيانة يحاولون إعادة ترميم شبكة الكهرباء وإزالة الأنقاض من الشارع ، مال يميناً فيساراً حتى وصل إلى ساحة قلعة برقوق ، وجد سرادق العزاء منصوباً بينما تجمع المئات من الشباب أمام المسجد الكبير انتظارً لتشييع جثمان الشهيد ، شاهد ثغرة في جدار أحد المحال خلفها وراءه الصاروخ القاتل .
بعد صلاة الظهر انطلق موكب تشييع الجنازة ، نهر من البشر يتدفق غربا باتجاه مقبرة الشهداء وألوف الحناجر الغاضبة تطالب بالانتقام ، فعل يتلوه رد فعل قد لا يكون مساوياً له في المقدار ولكنه مضاد له في الاتجاه ، ولكن يتلوه فعل جديد فرد فعل آخر ، ويتوالى انتظام الشهداء في العقد الذي يزين صدر الوطن .
عاد إلى المنزل مهموماً حزيناً ، فقد تذكر ما حدث عشية حرب حزيران ، ما أشبه الليلة بالبارحة ، فقد علم وقتها بوجود الدبابات الإسرائيلية في قلب المدينة دون مقدمات ، كانت السيارات تنقل الجرحى إلى مشفى ناصر ، وسقطت المدينة في شرك الاحتلال ، دخل منزله غير راغب في الكلام ، ولكنه وجد أن من بالمنزل قد تفقدوا ما لم ينتبه إليه ، وجدوا زجاج الفرندة التي وقف فيها لبضع ثوان متناثراً على الأرض بينما كانت الرصاصات قد خلفت ثقوباً على مستوى رأسه ، ولولا مغادرته المكان بسرعة لكانت الرصاصات قد ثقبت رأسه بدلاً من أن تثقب الزجاج ، هتف :
- يا إلهي .. لقد نجوت من موت محقق .
د . محمد أيوب
الاثنين 13 / 1 / 2033م
بعد اجتياح مدينة خان يونس بيوم واحد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف