الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص من الفلوجة

يونس الخشاب

2005 / 2 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


سوف تستمر هذه القصص بالظهور من بين ركام خرائب الفلوجة لسنوات . كلا ، ربما لاجيال ..
ان الطبيب الذي يجالسني في غرفة فندق في عمان ، حيث يقيم الآن كلاجئ ، كان يدلي بحديثه شرط ان لا يكشف هويته . فقد تحدث عن مشاهداته في بريطانيا ، وهو الآن تحت تهديد الجيش الامريكي اذا عاد للعراق .
" لقد بدأت الكلام عما حدث في الفلوجة خلال كلا الحصارين ، كي الفت الانتباه ، وقد كبس الامريكان منزلي ثلاث
مرات " ويستمر بالحديث بسرعة بحيث اجد صعوبة في متابعة تسجيل حديثه ، ان عليه ان يقص مشاهداته ، وكطبيب
يعمل في داخل الفلوجة ، امتلك آلة تصوير فيديو واثباتات بالصور لكل القصص التي حدثني عنها .
" لقد دخلت الفلوجة مع البعثة الطبية والانسانية البريطانية في نهاية كانون الاول ، وبقيت فيها الى نهاية كانون الثاني "
وكما يوضح ، " ولكنني كنت فيها قبل ذلك لكي اعمل مع الناس وانظر احتياجاتهم ، عليه كنت هناك منذ بداية كانون الاول ."
وعندما سألته ليوضح عما شاهده حينما دخل الفلوجة اول مرة في كانون الاول يعقب على ذلك بالقول انه اشبه باعصار " تسونامي " قد ضرب المدينة .
" الفلوجة محاطة بمخيمات اللاجئين حيث يعيش الناس في الخيام والسيارات القديمة ، انها تذكرني باللاجئين الفلسطينيين .رأيت اطفالا مصابين بالسعال من شدة البرد وغياب الادوية .والاغلبية الساحقة تركوا بيوتهم دون
ان يأخذوا شيئاً ، لا نقود ،فكيف سيتمكنون من العيش بالاعتماد على المعونات الانسانية فقط ؟ "
في واحد من المخيمات ، كما يقول الاطباء ، يعيش 1200 طالب في سبعة خيام .
" ان الكارثة التي سببها هذا الحصار هي اسوأ بكثير من الحصار الاول ،والذي عشت تفاصيله " يضيف قائلاً ،ثم
يحدثني انه سيستخدم قصة كمثال .
" احدى القصص عن صبية صغيرة لها من العمر 16 سنة ، " حيث استطاع توثيقها بآلة الفيديو مؤخراً ، " لقد بقيت لمدة ثلاثة ايام مع افراد عائلتها الذين قتلوا في منزلهم . عندما دخل الجنود الى بيتها كانت هذه الفتاة مع والدها ، والدتها واخيها البالغ من العمر 12 سنة وأختيها الصغيرتين . راقبت الجنود يدخلون و يطلقون النار على ابيها وامها في الحال
دون ان يقولوا شيئاً ."
لقد استطاعت ان تختفي مع اخيها وراء الثلاجة لتكون شاهدة عيان على جريمة حرب من الدرجة الاولى .
" ثم شرعوا بضرب الاختين الصغيرتين ، ثم اطلقوا عليهم الرصاص في الرأس " . بعد ذلك جن جنون الاخ الصغير
ثم ركض باتجاه الجنود صارخاً في وجوههم ، غير انهم أردوه قتيلاً .
"استمرت في الاختباء بعد ان غادر الجنود وبقيت مع اختيها لانهما كانتا تنزفان ، غير انهما لا تزالا على قيد الحياة . كانت مرتعبة من طلب النجدة من احد خوفاُ من عودة الجنود لقتلها هي ايضاً . وهكذا بقيت لمدة ثلاثة ايام بدون طعام او
ماء .في النهاية شاهدها احد القناصة الامريكان واخذها الى المستشفى " ، ثم اضاف مذكراً اياي ان كل تلك الشهادة هي موثقة في الفيلم .
ثم اخبرني باختصار قصة أخرى موثقة عن أُم كانت في بيتها خلال الحصار . " في اليوم الخامس من الحصار قصف منزلها ، فسقط السقف على ابنها باتراُ كلا ساقيه " ويضيف ان الابن كان يستخدم كلتا يديه ليشرح لامه انه اصيب في
ساقيه ، " ولساعات كانت الام لا تجرؤ على الظهور في الخارج لانهم كانوا قد اعلنوا انهم سيطلقون النار على كل من
يتحرك في الشارع . وهكذا كل ما استطاعت ان تفعله هو لف ساقية ببطانية ومراقبته يموت تحت بصرها ."
توقف متحدثي ليلتقط انفاسه ، ليستمر في حديثه ، " كل ما استطيع قوله ان الفلوجة تبدو وكأن اعصاراُ ك " تسونامي "
قد ضربها . ليس هناك عوائل كثيرة بعد الحصار ، غير انهم معدمون لا يمتلكون اي شئ . ان معاناتهم هي فوق تصوراتنا . وحين سمح الامريكان لنا بالدخول في نهاية المطاف كان الناس يجاهدون للحصول على بطانية ."
" واحد من زملائي هو الدكتور صالح الصاوي ، كان يتكلم بغضب ضد الامريكان . كان في المستشفى الرئيسي
حينما كبسوا المستشفى في بداية الحصار . دخلوا الى غرفة العمليات حيث كان الاطباء يجرون عملية جراحية لمريض
... وكان هناك لانه الطبيب المسؤول عن التخدير . دخلوا ببساطيلهم واعتدوا على الاطباء بالضرب واخذوهم جميعاً تاركين المريض على منضدة العمليات ليموت ".
في حينها ، تناقلت وسائل الاعلام العربية هذه القصة .
يحدثني الطبيب عن قصف العيادة الطبية في حي نزال خلال الاسبوع الاول من الحصار .
" احتوت هذه العيادة على كل المساعدات الاجنبية وكل المعدات الطبية التي كانت بحوزتنا . وكل القادة العسكريون الامريكان كانوا على دراية بذلك ، حيث سبق وان اخبرناهم كي لا يقصفوننا . لكن تلك العيادة كانت من بين العيادات التي قصفت ، ومنذ الاسبوع الاول من الحصار تم قصفها مرتين ."
ثم يضيف قائلاً ، " طبعاً استهدفوا في قصفهم كل سيارات الاسعاف وكافة الاطباء . الجميع يعرف ذلك ."
وقد اخبرني الطبيب انه مع زملاء له يحاولون مقاضاة الجيش الامريكي عن الحوادث التالية ، والتي يمتلك اشرطة
توثيقية بها .
انها قصة سمعتها من العديد من اللاجئين في بغداد كذلك ... في نهاية شهر تشرين الثاني بينما كان الحصار لا يزال
سارياُ .

" خلال الاسبوع الثاني من الحصار دخلوا واعلنوا ان على كافة العوائل مغادرة بيوتها والتجمع عند تقاطع الشارع
على ان يحملوا رايات بيضاء . وقد اعطوهم مهلة لمدة 72 ساعة للمغادرة بعد ذلك سيعتبرون من الاعداء " يقول
محدثي.
لقد وثقنا هذه القصة بآلة الفيديو ، عائلة من 12 فرداً ، بضمنهم احد الاقارب مع ابنه البالغ من العمر سبع سنوات.
سمعوا هذه التعليمات فغادروا مع ما استطاعوا حمله من طعام ونقود ، واعلام بيضاء .وعندما وصلوا الى تقاطع الشارع حيث كان الناس يتجمهرون ، سمعوا احد الجنود يصرخ بالانكليزية " الآن " وبدأ الرمي من كل صوب ."
كان افراد العائلة جميعا يحملون الاعلام البيضاء ، كما تقول التعليمات ، وطبقا للشاب الذي ادلى بشهادته . ومع ذلك فقد شاهد امه تسقط برصاص القناصة وبعد ذلك والده ـ أمه اصيبت في الرأس وأبوه في القلب ـ وكلتا عمتيه ، بعد ذلك اصيب اخاه في الرقبة . وقد ذكر هذا الرجل انه حينما نهض من الارض طالبا النجدة اصيب بطلق في جانبه .
" بعد ساعات رفع ذراعه طالبا المساعدة فاصابوه في يده " ويستمر الدكتور بحديثه " وبعد فترة اخرى رفع ذراعه فاصابوه بيده "
طفل صغير ـ في السادسة من عمره كان واقفاً فوق جثث ابويه , باكياُ ، اصابوه قتيلاً هو الآخر .
"كل من نهض اطلق عليه النار " ويضيف ان لديه صور القتلى اضافة الى صور جروح اولئك الناجين .
" وحين هبط الظلام زحف البعض من هؤلاء مع الرجل الذي تحدث الي ، مع ابنه واخته وزوجة اخيه الى بناية قريبة حيث بقوا فيها لمدة ثمانية ايام . كان لديهم كوب واحد من الماء اعطوه للصغير . وقد استخدموا زيت الطعام في علاج جروحهم التي التهبت بطبيعة الحال ، واستطاعوا العثور على بعض الجذور والتمر كطعام ".
ويتوقف هنا . عيناه تتجول في الغرفة بينما تمر السيارات فوق الشوارع المبللة بالمطر .
لقد غادر الفلوجة في نهاية كانون الثاني ، فسألته كيف كانت الامور حينما غادر .
" ربما عاد 25% من السكان الى المدينة ، لكن لا يزال لا اطباء هناك . ان كراهية الفلوجيين لكل امريكي الآن لا تصدق ، ولا احد يستطيع لومهم . والاهانات عند نقاط التفتيش تجعل الناس اكثر غضباُ . لقد كنت هناك ورأيت ان كل من يرفع مجرد نظره يهدد ويضرب من قبل الجنود الامريكان والجنود العراقيين على السواء ... احد الرجال فعل ذلك ورفع بصره ، وعندما حاول الجندي العراقي ان يهينه استولى هذا الرجل على سلاح الجندي الواقف الى جواره وقتل اثنان من هؤلاء الجنود ، وطبعا قُتل بعد ذلك .
اخبرني الطبيب انهم يوقفوا الناس في طوابير لساعات طويلة في كل مرة ، اضافة الى ان الجيش الامريكي يحاول ان يعمل افلاماً دعائية من هذه المشاهد .
" لقد شاهدتهم يستخدمون وسائل الاعلام ـ وفي الثاني من كانون الثاني وعند نقطة التفتيش شمالي الفلوجة ، كانوا يمنحوا الناس مائتي دولار لكل عائلة تعود الى الفلوجة بحيث يستطيعون تصوير مشاهد عودتهم وهم يقفون في طوابير غير ان احداُ لم يبد رغبة في الرجوع آنذاك ." " لقد ذكرني ذلك بالقصة التي اخبرني بها احد زملائي في كانون الثاني . فآنذاك كان فريق من ال CNN يصاحب الجيش لكي يصوروا كناسي ومنظفي الشوارع الذين احضروهم على انهم سكان الفلوجة والجنود يوزعون الحلوى على الاطفال .
" يتوجب عليك فهم الكراهية التي تسبب بها هؤلاء .. فقد اصبح من الصعب جداً على العراقي ، بضمنهم انا نفسي ان اميز بين الامريكان كحكومة والامريكان كشعب .
ان قصته تشبه قصص الاخرين التي لا تحصى .
"كان ابن عمي رجلاً فقيراً من اهالي الفلوجة " ويوضح قائلاً " لا يعرف غير العمل وبيته واسرته مكونة من زوجته وخمس بنات. في تموز من عام 2003 دخل الجنود الامريكان بيته واوقظوهم جميعا من النوم . سحبوهم الى الغرفة الرئيسية من البيت واعدموا ابن عمي امام عيون عائلته ، ثم غادروا هكذا ببساطة ."
يتوقف قليلا ثم يرفع يديه متسائلاُ : " الآن كيف سيشعر هؤلاء الناس ازاء الامريكان ؟"

http://dahrjamailiraq.com/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضباط إسرائيليون لا يريدون مواصلة الخدمة العسكرية


.. سقوط صاروخ على قاعدة في كريات شمونة




.. مشاهد لغارة إسرائيلية على بعلبك في البقاع شرقي لبنان‌


.. صحيفة إيرانية : التيار المتطرف في إيران يخشى وجود لاريجاني




.. بعد صدور الحكم النهائي .. 30 يوما أمام الرئيس الأميركي الساب