الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى الامتحانات الثانوية ، والقمع السنوي لحكومة حماس

سونيا ابراهيم

2012 / 7 / 11
حقوق الانسان


صيفُ (2007) ، و امتحاناتٌ ثانوية ، تنتهي حول قوة الدراجاتِ النارية

تقولُ المشرفةُ بصوتٍ متوترٍ : " هيّا , سلمنّ أوراق الاجابة ، نحن تركنا أولادنا ، وغامرنا تحت اطلاق النار ، من أجل حضراتكنّ ، ولا يهمنا اذا نجحتنّ "
بذلك الصوتِ المتوترِ ، تُنهي رحمةُ إجابة الأسئلة ، وتراجُعها سريعًا ، قبلَ أن تقررَ تغيير إجابة السؤالِ الأخير ، وهي تسمعُ صوتَ إطلاق النار ، في الشارعِ القريبِ من المدرسةِ ، و صدى إطلاق الرصاصِ يُدوّي بين أنينِ الحاراِت الحزينةِ ، والمنازلُ المزدحمةُ لا تُطلق أي صوتٍ ، ثم يأتي بعدَ ذلكَ صوتَ تصفير من بعضِ الشبابِ المنزعجين : "حماس شيعة .. حماس شيعة " ، فيأتي صوت رصاصةٍ أخرى ، تنزعجُ له رحمة ؛ ليردً على تصفيرِ شبابٍ سلّموا عصاباتَ حماس أسلحًتهم تحتَ قوةِ السلاح .
تنظرُ المشرفةُ إليها بقرفٍ : " هل انتهيتي ، ضعي الورقةَ في الملفِ ، ولا تعودي ، لا تنسي أخذَ أغراضَكِ من على البابِ "
رحمةٌ والطريق ، الذي يملُؤُه الذعر ، في حالة من الاستنفارِ الصامتِ ، وكأنه فيلم مركّب من كل شئٍ ، إلا من صوتِ الأنينِ الذي كان يصرخ بصوتٍ : " كفوا عن اغتصابي " ..
يمتزجُ العرق في فصلِ الصيفِ الحارِ ، الذي يتميزُ بإمتحاناتٍ تسبب الأرقَ لمدةِ ثلاثة أسابيعٍ ، وأحاديثًاً على الهاتفِ ، لمراجعةِ المادة الدراسية ، دونَ التأكيدِ على إجابةٍ واحدةٍ ، إلا بشكٍ فظيع ، بينَ زميلتينِ تُخفيانِ نوايا سيئة للأخرى . تراقبُ رحمة الطريق ، وهي تنظرُ إلى جهةِ الشارعِ المقابلِ ، ولكن ألا يوجد أي سياراتِ تاكسي ، هل ستنتظر طويلًا ، وهي تُحاول أن تبتعدَ عن فظاعةِ المشهد ، الذي تُقدمُ فيه امتحاناتِ الثانوية العامة ، ثم تُفاجأ بمجموعةِ ملثمين ، أقنعةٌ خضراءٌ وسوداءٌ على وجوهِهم ، ويمشونَ في صفٍ عريضٍ ، يحملونَ أسلحةً ثقيلةً ، كادت أن تقع على الأرضِ ، وهي تُحاول أن تتلاشى أمامهم ، وصوتٌ داخلَها ، لا يريد أن يتضح بالدموعِ والعرقِ ، وكلاهما واحدٌ في عينيها : يا الهي ، ماذا جرى ، لمَ كل هذا الكره ؟؟
أخيرًا ، جاءت سيارةُ تاكسي ، تلوحُ بأملِ الوصولِ الأسرعِ لمنزلِها ، ووجدتْ ركابَها بذيئين برائحةٍ كريهةٍ تملأُ المكانَ ، الصيفُ مزعجٌ في كل شئٍ ، ويلوّحُ أحدُ الركابِ بيديه خارجَ نافذةِ السيارةِ ، من سيحكم غزة الآن ؟؟ ويتحدثُ إلى كلِ سيارةٍ تمُر بالطريقِ ، وبعضُها كان مغطى بأعلامٍ خضراءٍ ، والآخر بأعلامِ فلسطين ..
" سوف نختصرُ من هذه الطريقِ الملتويةِ "، يصرخُ السائقُ على أحدِ الشبانِ المعترضينِ ، " الطريقُ الرئيسيةُ مغلقةٌ ، كل كتائبِ القسامِ ، تحملُ أسلحَتَها في انتظارِ من يزعجها " .
لمْ تستطع رحمة أن تسأل من كان في السيارةِ ، من ركابٍ مزعجين ، أو السائق بنبرتِه العصبيةِ ، التي تمارسُ نزقَ الصيف بخوفٍ - وهي تعلم أن أحدًا لن يجرؤ على إجابتها ..
في الحارةِ الضيقةِ ، تصلُ رحمةٌ ، وهي تمشي بسرعةٍ ، ويحتكُ معطفُها الأسود ، بأطرافِ قدمها ، ليُصعّبَ عليها المشي بسرعةٍ ، لتصلَ البيت ، وتصرخ من شدةِ الخوفِ ، يا ترى ما الذي كان يمنعها من البكاءِ في الطريقِ ؟ ألأنها لا تريد منهم أن يسخروا منها وكأن وضعَ الطرقِ التي تحاصرها عصاباتٍ مسلحةٍ ، في أولِ أيام الانقساماتِ الداخليةِ ، هو صحيٌ ولا يدعو إلى القلقِ ، رغم شذوذِ كلَ المشهدِ عن عينِ الرائي .
و دخلت إلى غرفتِها ، وهي لا تحاول أن تتركَ أي انطباعٍ عما قدّمته في امتحانِها ، ألا يكفِ أنها قدّمت الامتحانَ في ذلك الجوِ المرعبِ ، دون أن يراعي أحدًا أهميةَ هذه الفترةِ للطلبةِ الذينَ انتظروا هذا الصيفِ ليُقدِموا امتحاناتٍ ، تحددُ مستقبلَهم ، المنزوعَ الألوان ، إلا من أخضرِ ، أو أسودِ الجوِ ، تحدُده لهم ، عصاباتُ السلاح .
كانت والدتُها سعيدةً بطريقةٍ غير منطقية ، وهي تهددُ ابنَها بأنَهُ اذا خرجَ عن طوعِها ، بأنها سوفَ ترسلُ لهذه العصاباتِ ليُلقّنوه درسًا في "بر الوالدين " ! فيضحك ابنُها خوفاً وتحدياً : " لا يستطيع أي أحدٍ أن يقترب مني "، ثم خرج من البابِ إلى الشارعِ وهو يصرخ : " حماس شيعة ، حماس شيعة "
تسأله رحمة : " لماذا تقولون عنهم شيعة ؟؟ ما علاقة حماس بالشيعة ؟؟ "
يصرخُ أخيها من غيظِه وهوَ متحدياً : " يعني كل الشيعة ( بدهم ) حرق "
الوالدة تصرخ عليه : " ادخل إلى غرفتك ، يا كذاب حماس ما لها علاقة بالشيعة ، هذه افتراءاتُ من يكرههم من أتباع السلطة "
تقررُ رحمةُ أن تدخلَ غرفتًها ، وترتاحُ من هذا الصراخِ ، هل يحرق أحدُهم الاطاراتِ ، كما اعتادوا أن يفعلوا عندَ بدءِ الانتفاضةِ الثانية ؟؟ وعندَ استشهادِ كلِ شهيدٍ ؟؟ حتى أنها لا تستطيع أن تخرجَ إلى شرفتِها ، فالهواءُ مسموم ..
والسخرية تملأُ الجو الخائف ، وتتساءل بأسفٍ : من جعلنا نستعدُ لهذه الفوضى الخائفة ، سنواتٌ طويلةٌ من الفسادِ ، والفلتانُ الأمني ، و من ساعد وحوشَ الغابةِ على الانقضاضِ علينا .. انتشرت اللحى ، والذقونِ ، والأسلحةَ ، والحيواناتِ المنويةِ ؛ لتساعدَهم على نشرِ الخوفِ في فوضى المكانِ ، وأصبحت المدينةُ (غيتو) حمساوي ، و(غيتو ) فتحاوي ، وبعدَ قليلٍ انقسم كلُ (غيتو ) ، إلى بيتٍ مُؤيدٍ لا يتحدث عن انتمائِه ، وهم في العادةِ لا يَحقُ لهم التعبير عن أرائِهم لأنه " حرام " وهم " مؤمنين " ، والآخر هو بيتٌ قد تعرضَ فيه الأخُ ، أو الأبُ للضربِ ، وخاصًة إذا كان من المعارضينَ الصاخبينَ ؛ ليسمحَ لمن هم أقلَ رتبةً منهُ ، أن يشمتوا وهم يقولون : " الدنيا لا تترك أحداً من شرها !! "
تنادي الوالدةُ رحمة ، بعد انقضاءِ شهر ونصف على الامتحاناتِ :" أعدي العصائر ، سيأتين صديقاتُ الجامع ؛ ليهنئوكي على النجاح " ، وتعد رحمة العصائر لصديقاتِ والدتِها ، ولا واحدةً منهنَ تعلمُ شيئًا عن توجيهي وعن الدراسة ، ولكنهنّ يحفظنّ القرءان ، وهنّ يرتدينَ النقابَ الأبيض أو السكري اللون ، وكفوفاً سوداءًا ، تغطي أيديهنّ ، ويسمح لهنّ الجامعُ بالاختلاط بنساءِ المنطقةِ ، والحديثِ عن الشريعةِ ، وعن الدعوةِ الاسلامية ، ويختلطُ الأمرُ فيصبح للجميعِ أصدقاءٌ من نساءِ جامعِ المنطقة .
تخرجُ رحمةٌ - وهي تحملُ مشروباتِ النجاح - إلى والدتِها ، ثم تنظرُ إلى ساعتِها ، لقد تأخر أخوها ، فهو عادةً يعودُ بعد ليلتينِ من حراسةِ أرضِهم الصغيرةِ في المواصي ، ولكنَه لم يَعُد للآن ، والوالدةُ مشغولةٌ بجمعِ الهدايا ، التي جاءت على اسمِ مناسبةِ " النجاح في توجيهي " ، وتصلُها رسالةٌ على هاتفها الخليوي ، تُبلغُها أنّ أخيها سوفِ يصلُ في بدايةِ الاسبوعٍ القادمِ ، وتخرجُ لتُبلغَ والدتَها ، التي تحدثت إلى كل من يعرفوا ابنها ، أو خرجوا معه آخرَ مرةٍ كان متواجدًا في المنزل ..
يُخبرُها جارُها ، والذي كان قد خرجَ من المشتلِ ، مُطَمئِنًا إياها : " لقد رسموا لي دائرةً على الرمل ، وأنا أقضي طيلة فترة الظهيرة الحارقة في تنظيف الشوارع ، عقابًا لي على طول لساني ، وقالوا لي ، وهو يشيرُ بأصابِعه بحركةٍ دائريةٍ : هيا اركب على الدراجة النارية ، ودُر فيها كما تشاء ، العلم الأخضر يزينها ، وجملة " لا اله الا الله " ، إلى أين تريد أن تأخذنا ؟؟ قال لهم : هيا .. اصعدوا معي .. ولكن في الواقع قد فضّلَ الشرطيُ الحمساويُ ، وذقنَه المركبة حولَ و أسفلَ وجهِه ، أن يترك المقعدَ الخلفي لكلِ الشعبِ الغزي ؛ ليَدُوروا على الدراجةِ الناريةِ ، تحتَ الشمسِ الحارقةِ ، ولمدةِ أكثر من خمس سنوات ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين