الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة تموز ..بين فداحة الفعل وشحة الحصاد

رحمن خضير عباس

2012 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ثورة تموز..
بين فداحة الفعل وشحة الحصاد
رحمن خضير عباس
تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة والخمسون لثورة تموز التي اسقطت النظام الملكي واقامت النظام الجمهوري بديلا . وصرنا نسبغ على العهد الجديد كل ما في جعبتنا من مدح بحيث اصبحت الجمهورية الفاضلة . فهي التي خلصتنا من الأغلال , فاصبحنا بنعمتها احرارا . وهي التي حررتنا من الأستعمار واحلافه ومعاهداته , فاصبحنا دولة ذات سيادة . وهي التي قضت على الرجعية واطاحت بالأقطاع , وقامت بالأصلاح الزراعي ووزعت الأراضي على الفلاحين ,وحررت عملتنا من الأسترليني الخ من سيل من مدح اقترفناه دون وعي متناسين الحقيقة المرة .وهي اننا اطحنا ودمرنا دولة وعجزنا عن بناء بديل لها . كما اننا لم نر على الأرض اي من هذه المنجزات التي طالما نلهج بها ليلا ونهارا .
كان العهد الملكي زاخرا بالعيوب والنواقص . وان طريقة الحكم لم تلب الحاجات الملحة للجماهير . كما كان الحكم مرتبطا وتابعا للحكومة البريطانية . كل هذه المعلومات عن الحكم الملكي موجودة في ادبيات من اطاحوا به . ولكن هذه الأدبيات تناست ان تذكر ان هذا النظام على علاّته هو نظام دستوري لاينتهج العنف ويؤمن بالتداول السلمي للسلطة , وانه نظام مؤسساتي يعتمد على الأساليب العلمية للحكم , من خلال الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية . كانت مهمة الجيش هي الدفاع عن الوطن في حالة الحرب , والبناء في حالة السلم . وكان ثمة مجالس للاعيان والشيوخ يمثلون قطاعات الشعب . وكانت الوزارات تسقط اذا اعترض الجمهور على سياستها . وكانت الصحافة تملك هامشا كبيرا من حرية النقد والنشر والتعبير .وكانت المناصب السامية تحتل من قبل الكفاءات العلمية والمهنية . ومع الهيجان الجماهيري الذي تقوده الأحزاب التقدمية , لايقابل بالقتل الجماعي او التنكيل او التعذيب , بل يقابل بالأحكام القضائية التي تخضع الى القوانين . صحيح ان النظام ارتكب جريمة الأعدام لكوكبة من قادة الحزب الشيوعي الذين ماتوا بكبرياء وهم يهتفون من اجل مبادئهم , ولبعض العسكريين الذين حاولوا اسقاط النظام . ولكن هذه الجرائم تعتبر اخطاء تافهة قياسا الى ما أُرتكب في العهود الجمهورية المتعاقبة التي جعلت من الأنسان العراقي مادة للفناء .
لقد كان الفرح غامرا في صبيحة الرابع عشر من تموز بين الجماهير المسحوقة , التي اعتقدت انها انعتقت من الحكم الأستعماري , واستردت حقوقها . ولكن ما بين ثنايا هذا الفرح كان ثمة جريمة هائلة تمت بدم بارد . وهي الفتك بالعائلة المالكة بشكل متوحش - كانوا مجموعة من النساء والأطفال يتوسطهم ملك العراق فيصل الثاني - ولكن فوهات البنادق حصدتهم بدون رحمة , وجعلتهم غارقين في بركة دمائهم . وقد سجلت الثورة في تلك الصبيحة اول فضيحة اخلاقية من العيار الثقيل . ولم تكتف بهذا القتل , بل زادته بشاعة حينما مثلت بجثة الوصي عبد الأله وسحله في الشوارع وتقطيع جسده إربا , من دون احترام للقيم الأنسانية والدينية .وهكذا انفتحت ابواب العنف على بلد أخذ يأكل ابناءه ويستزف ثرواته . ومن تلك الصبيحة تخندق العراقيون في خنادق حزبية واصبح هاجسهم هو الألغاء للرأي الآخر , هذا الألغاء الذي تجسد من خلال مذابح المدن , وعراكاتها ومحاولة التصفية الجسدية بين الأخوة الذين وجدوا انفسهم اعداءا . وقد تتوج هذا العنف في اسوء مراحله من خلال انقلاب الثامن من شباط , حيث اقام البعثيون اعراسا من الدم والمذابح بحق الشيوعيين والديمقراطيين من ابناء الشعب العراقي بعد ان بداوا باغتيال غادر للزعيم الوطني عبد الكريم قاسم وكوكبة من رفاقه .
في هذا الصباح جعلنا من بسطال العسكربديلا عن المنبر البرلماني. وبقينا نعاني من حكم عسكري مقيت استمر طويلا بعد ان اطاح بكل القيم الحضارية , وفتح الباب واسعا لمجموعة من المرضى والأميين لقيادة البلد ودفعه الى الهاوية , لقد اصبحنا - كعراقيين - وسط عاصفة من الأنقلابات والأنقلابات المضادة والتصفيات الجسدية والحروب والشعارات الكاذبة والغبية التي جعلتنا خارج اطار التأريخ , ففي الوقت الذي انشغلت المجتمعات الأخرى بقضية البناء , كنا مشغولين بالهدم والتدمير والتخندق تحت يافطات نحن صنعناها بأنفسنا بحيث يأتي عبد السلام عارف ليؤسس نهجا من الحقد والعنصرية والطائفية في ادارة الدولة والمجتمع . فينفتح العنف على مصراعيه ويخيم شبح الموت على الجميع . بعد ان تجتاح قطعان الحرس القومي براءة الحياة وتقوم بانتهاكات واسعة وهمجية . يقوم عارف بانقلاب آخر على رفاقه البعثيين, وبعد ان يموت بحادث طائرة غامض , يستلم السلطة اخوه عارف الثاني , وهو رجل عاجز عن ادارة بلد كالعراق , ونتيجة لضعفه يترك الباب مفتوحا لمجيء البعث مرة اخرى , بقيادة البكر وهو عسكري مغمور وبليد لايجيد سوى متابعة المسلسلات التلفزيونية الهزيلة .ثم يستلمها بصورة مسرحية غادرة رفيقه الحزبي صدام حسين الذي يدخل البلد في آتون حروب متتالية وغزوات ومجازر ومقابر وآلام , ليسلمها صاغرا وذليلا الى الأحتلال الأمريكي , فتسقط بغداد مرة اخرى .
في العهد الملكي , كانت المواطنة قاسما مشتركا بين الجميع. المناصب الحكومية ليست حكرا لفئة او طائفة والوظيفة متاحة للجميع . هيمنة السنة على المناصب جاء نتيجة لفتوى لعلماء شيعةجعلت الشيعة يقاطعون العمل في مؤسسات الدولة في بداية تكوينها . وكان المسيحيون والصابئة واليزيديون واليهود اسوة بالمسلمين يصلون الى اسمى المراكز مستندين الى عراقيتهم اولا وعلى كفاءاتهم ثانيا . ليس هناك مناصب ازلية لرئاسة الوزارة . ليس هناك تبذير للمال العام , والقانون فوق الجميع . صحيح ان هناك طبقات اجتماعية مسحوقة . وان هناك فسادا اداريا لاسيما لدى الموظفين . كما ان هناك سياسة زراعية تكرس هيمنة رجال الأقطاع على حساب الفلاحين . وغيرها من النواقص والسلبيات التي يمكن حلها من خلال الطرق القانونية .. ومن خلال الصحافة الحرة , او البرلمان . اي الحلول السلمية التي تنطلق من فكرة ترميم البيت وتحسينه بدلا من نسفه .
لقد جاءت ثورة تموز لتحقيق مكاسب وطنية . ولكننا حينما نتأمل بشكل عقلاني بعيد عن العواطف الجاهزة والقناعات المعتقة , نجد ان هذه الثورة لم تحقق شيئا منظورا او ملموسا , فقانون 80 لم يتجسد على ارض الواقع كمنجز اقتصادي يحمي الثروة النفطية , مع انه كان من اكثر القرارات جرأة ووطنية , وبقيت ثروتنا النفطية عاجزة عن تلبية حاجات اهلها , واعني بذالك الطبقات المسحوقة , كما لم تساهم هذه الثروة في بناء اقتصاد البلد الذي بقي يعاني من العجز المتراكم . اما قانون الأحوال المدنية وهو المنجز الثاني , فقد وقفت ضده القوى الدينية , ولم ير النور . وبقيت المراة مكبلة بقيود التقاليد والأعراف الى اللحظة الراهنة .اما خروج الدينار من هيمنة الأسترليني فقد جعلت الدينار عاريا حتى تحول في عهد صدام الى اقل من قيمته ب ثلاثة الاف مرة !
لقد كانت ثورة تموز مجرد فورة انتقام , فتحت ابواب العنف على مصراعيه , واجهزت على الشرعية والقانون لتصبح البيانات والقرارات الفورية بديلا عن القوانين السارية . كما خرج العسكر من ثكناتهم ليجلسوا الى الأبد في مقاعد اغتصبوها . وقد نقلوا عقلية الثكنة وميادين التدريب الى قاعات السياسة . ويظل البلد ينوء بعبيء أخطائهم بعد ان بقي في حالة طواريء مزمنة ومستمرة.
إنّ نظرة متأملة فاحصة ومتعقلة من شرفة اللحظة الراهنة الى الماضي , نجد اننا لم نستفد من اخطاء الماضي لأننا مازلنا نصرّ على انها انتصارات , اي اننا نتمسك بالوهم ونعتبره حقيقة . ينبغي ان نعترف بان ثورة تموز لم تساهم في تقدمنا او حل مشاكلنا وانها ليست بالأنجاز الذي نفخر به .
اوتاوة /12/ تموز/ 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق.. رقصة تحيل أربعة عسكريين إلى التحقيق • فرانس 24


.. -افعل ما يحلو لك أيام الجمعة-.. لماذا حولت هذه الشركة أسبوع




.. طفلة صمّاء تتمكن من السمع بعد علاج جيني يجرّب لأول مرة


.. القسام: استهداف ناقلة جند ومبنى تحصن فيه جنود عند مسجد الدعو




.. حزب الله: مقاتلونا استهدفوا آليات إسرائيلية لدى وصولها لموقع