الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون العزل السياسي, حق أم واجب

خالد قنوت

2012 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


لا يوجد في التاريخ قانون لمحاسبة أو لمحاكمة صامتين عن مجازر نظام استبدادي أيام الثورة عليه, ذلك رغم ازدراء الجميع لهم و لمواقفهم الجبانة و المتخاذلة في التعبير عن رفضهم لما يشاهدونه أو ما يسمعون من ارتكابات بحق أخوتهم و شركاء لهم في الوطن. يقال: الساكت عن الحق شيطان أخرس. إذاً فهم فئة من الشياطين الخرس, لا تجاهر بالحق لوضاعتها و لأنها بمستوى الشياطين. ستتحول هذه الشياطين الخرساء إلى منظرين للحرية و الديمقراطية و ستفك عقدة الصمت عندهم و ستتحول لطلاقة لسان و لصراخ باسم الحقوق الانسانية لا بل سيحاسبون الجميع عن أي تجاوزات صغيرة في فترات إعادة بناء الدولة التي يهدمها الطغاة اليوم و بمشاركة كاملة من صمتهم.
تقرالأحكام القضائية في كل دول العالم, بمسؤولية شهود الجريمة عند حجبهم الحقيقة عن القضاء و يقاضيهم القانون بحكم صريح و واضح حسب الأذى الذي يتسبب فيه صمتهم أو إخفاءهم للحقيقة. مع ذلك لا يمكن محاكمة شهود صامتين عن مجازر يقوم بها نظام دكتاتوري دموي بحق شعب ثائر, فهم في حكم الساكت عن الحق نتيجة وقوعه تحت ظروف الابتزاز لانسانيتهم و لعنف الانتقام السلطوي عندما يحاولون الجهر بالحقيقة.
لكن من جهة أخرى, فإن قرار الخروج عن الصمت هو قرار شخصي مصيري لم يتخذه الثوار نتيجة لحظة عنف مباشرة فقط بل كان له امتدادات تاريخية مع هذا النظام الاستبدادي الدموي منذ تسلمه السلطة المريب و الذي يدعونا دائماً لإعادة قراءة التاريخ القريب و الظروف التي ساهمت لوصوله لقيادة دولة ذات مميزات خاصة و هامة جداً للمنطقة و للعالم كسورية, هنا أتذكر مقولة بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني: (إذا أرادت الدولة الصهيونية إن تسود فعليها أن تعمل على تسلم الأقليات لمقاليد الحكم في دول الطوق...) ألا قد يفسر ذلك, الحالة التي وصلنا إليها, سؤال للبحث و التحليل.
في الثورة السورية لم يكن مستغرباُ أو غير متوقعاً أن تظهر فئات و مجموعات سورية تدين للنظام و للأسرة الحاكمة بالولاء الأعمى حتى وصل حالة من العبودية المطلقة و النهائية, تفوق الحالة المقدسة أو الألوهية. تتدرج هذه الفئات المتعددة الديانات و الطوائف و المذاهب و الاثنيات و الايديولوجيات من الحالات الأمية العلمية و المعرفية حتى تصل إلى أساتذة الجامعات و الباحثين, أيضاً تتدرج من الطبقات المعدمة اقتصادياً و مادياً و تنتهي بكبار رجال الأعمال و المال. هذه الفئات و المجموعات ارتبطت بالنظام و مؤسساته على مدار 43 سنة من حكمه بمصالح مختلفة الأشكال, عقائدية, طائفية, اقتصادية, أقلوية و منها أمنية و سياسية.
كل ما تحدثت عنه سابقاً قد يكون قد تحدث به الكثير من المحللين و السياسيين و المفكرين, لكن بالنهاية فإن هذه الفئات و المجموعات السورية شاركت هذا النظام في الاستبداد و العنف تجاه مجموعات سورية إنخرطت في الثورة و أخرى لم تنخرط بها. و هنا أيضاً تتدرج مستويات الاستبداد و العنف الذي مارسته, فمنه التشبيح و العنف الدموي المباشر كالقتل و الأصرار على التنكيل و التعذيب و الإهانة و التمثيل بالجثث جهاراً أو مواربةً, و انتهاءً بالعنف غير المباشر كالتشبيح الإعلامي مروراً بالتحريض الطائفي و تزوير الحقائق.
أغلب الحالات السابقة هي حالات جرمية يحاسب عليها القانون السوري بقررات قضائية واضحة و صريحة و لكن هناك حالات أخرى لا يوجد نصوص قضائية فيها كحالات لا أخلاقية و لا إنسانية و بعيدة كل البعد عن الوطنية, فمثلاً أن تبرر قتل النساء و الأطفال و الشيوخ و شباب الوطن لمجرد مطالبتهم بالحرية و اعتبار ذلك خيانة و يستحقون عليها الموت و التنكيل, و أيضاً أن تزيف بالحقائق و تدعي منذ الأشهر الأولى للثورة بوجود متطرفيين و وهابيين و قاعديين و إمارات إسلامية متوحشة تدعو للتطهير الطائفي و المذهبي, و لا يخلو الأمر أيضاً من اختلاق الإشاعات و الروايات و الأكاذيب التي تخدم الروايات الأمنية.
أبطال هذه الحالات اللاأخلاقية و اللاإنسانية و اللاوطنية, هم إعلاميون و فنانون و مدعي ثقافة و أساتذة جامعات مشكوك بتحصيلهم العلمي و رجال دين و رجال أعمال فاسدين و مفسدين, طلاب جامعات أقرب لعناصر الأمن, موظفو دولة و مؤسسات غير منتجة و مفلسة, قضاة متورطون بالفساد و الرشوة, نواب مجلس شعب, دبلوماسيين داخل و خارج الوطن.... و تطول القائمة.
كيف سيتعامل الشعب السوري مع هؤلاء بعد انتصار الثورة و تحقيق أهدافها بدولة ديمقراطية مدنية تعددية تداولية؟ و عند صياغة دستور وطني جديد يقوم على صون حقوق الانسان و حق الضمير و لتبدأ بعدها انتخابات رئاسية و برلمانية نزيهة و شفافة, هل سيمارس كل هؤلاء حقوقاً ساهموا بسرقتها من أشقائهم و أخوتهم في الوطن؟ أليس في ذلك مساساً بمفهوم العدالة؟ كل هؤلاء مارسوا جريمة موصوفة بحق الوطن و الأخلاق و الانسانية و لكن لا نصوص قانونية لإدانتهم و لا يمكن لأي دولة أن تتحمل تكاليف إعتقال و حبس مجموعات اجتماعية كبيرة و خاصة تلك الدول التي تخرج من حالة ثورية أو انقلابية.
ليس لدى السوريين أدنى شك, من أن ليل هذا الوطن سينجلي و سيبزغ فجر حريتها كما القضاء و كما القدر, لأن التاريخ علمنا أن الشعوب عندما تمتلك الإرادة فلا بد أن يستجيب القدر. لكن و للمستقبل ينبغي إجراء عملية إعادة تأهيل وطني جديد لكل أبطال التشبيح اللذين تحدثنا عنهم, ليس من أجل الوطن ككل بل من أجل مستقبله و كينونيته. في مثل هذه الحالات يمكن أن نتحدث عن حالة عزل سياسي لهم قد تستمر خمس سنوات إلى عشر سنوات بالتناسب طرداً من حجم الضرر و الأذى الذي نتج عن ممارسات كل منهم أيام الثورة, بعد أن تثبت الإدانة تحت سقف القضاء العادل. نحن هنا لا ندعو لمحاكم تفتيش تنتهي بالمقاصل, و إنما عزل سياسي مرتبط بتأهيل وطني يعيد غلبة الانتماء للوطن سورية على الانتماء للأشخاص أو للأسرة الحاكمة أو للحزب أو للنظام, أو للدين أو للطائفة.
مشروعية السؤال تنبع من مشروعية العدل و الحق, حقنا على الوطن أن نحرره من الاستبداد و حقنا على الوطن أن نعيد بناؤه بمتانة و قوة و بإعادة المحبة لأبنائه بعد إحقاق العدالة و سيادة القانون. فهل إقرار قانون العزل السياسي حق أو واجب؟
خالد قنوت في 12-7-12








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - للوقاية من الأوبئة المعدية
أنور يونان ( 2012 / 8 / 22 - 02:26 )
من واجب المجالس التشريعية في سوريا الديوقراطية سن قوانين خاصة بهذه الحالات للوقاية من مثل هذه الأوبئة المعدية

اخر الافلام

.. ألمانيا تقر قانونا لتسهيل طرد مؤيدي الجرائم الإرهابية | الأخ


.. أردوغان لا يستبعد عقد اجتماع مع الأسد: هل اقتربت المصالحة؟




.. قراءة ميدانية.. معارك ضارية وقصف عنيف على حي الشجاعية بمدينة


.. -من الصعب مناقشة كاذب-.. هكذا علق بايدن على -التنحي- | #عاجل




.. -لكمات- بين بايدن وترامب .. والأميركيون في مأزق ! | #التاسعة