الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يلعن أبو هالدولة

جقل الواوي

2012 / 7 / 13
كتابات ساخرة


"يلعن أبو هالدولة" من الجمل التي يستعملها ابو هلال ميّا بكثرة ، يقولها بوضوح و صراحة ، تخرج حروفها من فمه بجلاء و قوه دون تلجلج و لا خوف، عندما ينطق بها يحس براحةِ كاهنٍ ذبحَ للتوِ كبشاً و أكل لحمه وفاء لنذر، و على سبيل التحلية يكمل:
....أخت هالحكم
....أم هالحكومة

المناسبات التي تندلعُ فيها هذه الشتائم كثيرة،أي خطأ مهما كان صغيرا و تافها من أي كان يجد فيه أبو هلال ميّا مناسبتهُ الخاصه للشتم،عجقة السير،الإزدحام، عدم وضوح لافتة إعلانية، أحوال الطقس، مزاج زوجته السيء، كل ذلك من محفزات شتم الدولة. يرتاح و يعرش الحبور على جثتهِ "كالمدّيدة" بعد أن يطلق شتيمه "تفش غله" ثم يسلم نفسه طائعا مختارلتخدير "الحمرا الطويله" يسحب دخانها كالشفاط و يحتفظ به أطول مدة ممكنة داخل حويصلات رئتيه. شتم الدولة عادة قديمة عند أبو هلال ميّا مثل التدخين رفض الإقلاع عن العادتين، قبضت عادة شتم الدولة على "قراصيبه" كما قبض التدخين على بلعومه.

ترك حقل ابيه غاضبا في يوم شتوي شديد البرد و قليل المطر، و نزل الى سفح الجبل الذي كان يعيش فيه ، أراد والدة أن يجبره على متابعة التعليم و العمل في الأرض، كره التعليم و كره الأرض و كره والده كذلك، فسب الجميع و أنحدر بسرعةِ إنحدار الجبل هاربا. في شعبة تجنيد المدينة كان الأمر سريعا كلمح البصر اصبح جنديا متطوعا، الشتيمة الأولى أطلقها عندما لامست الأقمشة العسكرية جسده، كان يحس بأن كومة من الشوك تتحرك بحده فوق جلدة عندها أطلق شتيمتة الأولى بصوت هامس، و كأن اشواك الألبسة العسكرية متعاطفة مع الدولة أزدادت خشونة الشوك مع إنطلاق الشتائم ثم تحولت الى انغراس مدبب لا يرحم.

رتبته العسكرية المتدنيه كانت شاهدا على رتب "شاهقة" العلو شاركت في لعبة الكراسي الموسيقية كان يسب الدولة فقط و لا يتعداها الى الأسماء، لم يكن خائفا و هو يقذف الشتائم و اللعاب من فمه فشتم الدولة لا يعن شيئاً محدداً،كان يجلس في وسط مدينة القنيطرة في الساعة الثامنه و النصف صباحا كان يشرب الشاي و يعب من دخان اللفائف الوطنية عندما اذاع الراديو نبأ سقوط القنيطرة هب واقفا و نظر حوله لم يسمع طلقة بندقية واحده و لم يرى طائرة صديقة و لا عدوة ثم جائه أمر بالإنسحاب الكيفي، جلس على كرسيه و سحق لفافة التبغ الوطنية تحت حذائه العسكري و بالفهم الملان و الرئة المسودة بدخان وطني صرخ:

إنسحاب كيفي يا ولاد .....يعني نركد ركيد...يلعن أبو هالدولة

في الحرب التالية كان ينبطح أرضا و رأسة مدفون بالتراب و أصوات القصف تحيط به من كل جانب رفع راسة قليلا و قد سرق لحظة سكون ليعرف ماذا يدور حولة، احضروهم الى هذا المكان بسيارات كبيرة كالغنم و تركوهم هناك و أنصرفوا لم يقل لهم أحد ماذا يفعلون، كان ينبطح عندما ينبطح الآخرون و يقف عندما يقفون و عندما أختفى معظم من كان معه انبطح و بقي منبطحا، عندما أصبح وحيدا أنفجر شاتما وهو يخرج لفافة من علبة السجائر وضعها في فمه و قبل أن يشعلها غاب عن الوعي.
أستفاق في المستشفى كل شيء حوله ابيض اللون و الناس يتراكضون كانت رجلة مرفوعة الى الأعلى و نصف جسده الأعلى ملفوفا بالشاش قيل له بأنه اصيب و أحد زملاءه أنقذه من موت محتم..تمتم شاتما و طلب سيجاره قيل له بأن التدخين ممنوع، لم يتحمل كلمة ممنوع صرخ شاتما بصوت عال سبُ الحكومةِ اشعل موجهه ذعر تفوق ما كان سائدا من فوضى وضعوا السيجارة في فمه و اشعلوها، عرف كلمة السر ،و كلما أراد التدخين رفع صوته بالشتم، الشرطة العسكرية التي كانت تتجول لحفظ الأمن طنشت على الشتائم، و رجال الأمن ذوو اللباس المدني أكتفوا بالنظر أليه من بعيد و الإشارة للممرضين بإعطائه ما يريد من سجائر.

يلعن ابو هالدولة.

صرخ بها عندما نجح ابنه في الشهادة الثانوية و لم يجد فرعا يقبل به نظرا لدرجاته المتدنية...و عندما أعاد السنة أملا في زيادة علاماته رسب...بصق في وجه ابنه و سب الحكومة و سحبه من يده الى شعبة التجنيد ليطوعه في الجيش

إزداد معدل السباب عندما تقاعد من الجيش بعد أن أستنفذ سنوات الخدمة و تجاوز "السن القانوني"، عمل سائق تكسي و قيادة السيارة هو العمل الوحيد الذي يتقنه، لم تكن السيارة ملكا له كان يعمل باليومية يقضي خلف المقود نصف النهار بنافذه مفتوحة و ساعدة الأيسر العاري يرتاح على حافتها و السيجارة أما في شفتية أو بين اصابعة أو تحرق نفسها ببطىء في المنفظة.
جمع مدخراته و استدان و سجل على سيارة أدعت الحكومة أنها ستستوردها و لكن المبلغ الذي سدده فقد تسعين بالمائة من قيمته و لم تأت السيارة، سب الحكومة و أنتقى وزيرا أو اثنين و شتمهمها شتما مقذعا، كان يحدث جميع ركابه عما فعلته الدولة به، كان الركاب يتعاطفون أو يتجاهلون و لكنهم جميعا ينزلون عندما يبدأ بسب الدولة:

يلعن ابو هالدولة..على ابو الي جابها بصرماي

سب الدولة عندما تعب و لم يقو على متابعة القيادة فجلس في المنزل حبيس التلفزيون و أستبداد زوجته، و سب الدولة عندما تزوج ابنه من اسيا بنت أبو فراس حموطه، يكره بيت حموطه كره شديدا من أجل ابو فراس هذا، كان يناديه استصغارا خازم، لأن خازم يملك نصف سيارة و ابنه نقيب بالجيش و ابنته اسيا موظفة بالإسكان العسكري.

سب أبو هلال الدولة أكثر عندما تجاوزت ابنته حياة سن الخامسة و الثلاثين و لم تتزوج، كان ينظر حوله و لا يجد غير الدولة ليسبها فيسب و يغوص حتى أذنية بالشتائم،لا يكاد عطشه الى السب ينتهي، ينظر الى اسيا بنت غريمه خازم تتمختر في بيته كأنها أخت السندريلا الكبرى، فيذوب قلبه على ابنته التي تكبر بسرعة دون أن تجد عريسا فيشتم اكثر.

الحمرا الطويلة التي تصنعها الدولة ملتصقة به لا يشتري علبة او علبتين يشتري كروز أو اثينين و ربما أكثر. كان "محنة" الدولة شديدة عندما فُقدت الحمرا الطويلة من الأسواق "بدون سبب معروف" لأن أبو هلال عندها أوذي في "أعز ما يملك"، كان يقضي نصف يومه يبحث عن الدخان و يسب الدولة إن وجده و إن لم يجده.

ابنه الأصغر ذو الستة عشر عاما،رزق به بعد آخر اخوته بعشر سنين يصر بأنه "جاء بالغلط" و لذلك هو شقي متمرد، كان يسرق كروزات الحمرا الطويلة و يفتحها بكل حرص و دقة يبدأ من البلاستيك الشفاف، ثم يفتح الجزء الكرتوي بطريقة التذويب، يخرج العلب كلها و يفتخ الغلاف البلاستيكي الداخلي و بكل مهارةِ صغار اللصوص يفتح ورق القصدير و يخرج من كل علبة سيجارتين و يعيد كل شيء الى مكانه الطبيعي، يتناول والده الكروز ليفتحه بحنق و غيظ دائمين، يأخذ علبة من الكروز و يفتها و عندما يكتشف النقص يصيح و كأنه قبض على لص بالجرم المشهود:
الله يلعن أبو هالدولة..وصلت معن لهون..عم يسرقوا السواكير

ترك أبو هلال ميّا التدخين منذ أمد بعيد تحت تاثير مرض تنفسي حاد و قلت حركته ثم أكتفى بلعب الطاولة بين الحين و الآخر أو بالإنزواء في أحدى زوايا البيت مراقبا، لم يكن يتحدث كثيرا كان يكتفي بالإستماع، و لكن ما أن يبدأ صوت الرصاص بالإرتفاع حتى يتمتم بحنق:

الله يلعن ابو هالدولة

تصيح زوجته ليعلو صوتها على صوت الرصاص:

سكوت بقا...هاي مو الدولة هدول المسلحين

يتجاهل ابو هلال كلماتها و يصمت منتظرا فترة سكون بين رشقة رصاص و التي تليها ليؤكد على ما قاله و بكل حزم:

يلعن أبو هالدولة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كـافـبـار وكـونـيأك وســيـجـار
غـسـان صـابــور ( 2012 / 7 / 13 - 20:06 )
يا سيد جقل الواوي... ما أحلى هذا الاسـم.......
بطل قصتك يمثل على ما أعتقد 95% من شعبنا السوري الطيب. وال 5% الباقي هم المنتفخون المكرشون الذين امتصوا دمــه حتى آخـر نقطة.. وبلوه بكل مصائب الفقر والفساد الذي جـرنا خلال هذه الفترة الجريحة الأليمة الأخيرة لهذا التسونامي من العواصف والهزات والزلازل الاجتماعية والطائفية وحتى السياسية...وهل سنأسف اليوم عليهم إذا حرموا من الكافيار والكونياك الفرنسي والسيجار؟؟؟... هـم قلب المشكلة اليوم.. وشعبنا الطيب لا يقبل ولا يعرف العنف... ولكن يا وجع القلب على حـرمـان هؤلاء المساكين من الكافيار والكونياك والسيجار... وكما تهرب الأسلحة من كل حدب وصوب... لا بد أن خزائنهم تمتلئ من هذه الممنوعات عن طريق تركيا أو لبنان أو الأردن...أو العراق.......
ولك مني تحية صادقة مهذبة.
غـسـان صـابـور ـ ليون فـرنـسـا

اخر الافلام

.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب


.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج




.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت


.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال




.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب