الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة إلى غابة السنديان

نقولا الزهر

2005 / 2 / 12
أوراق كتبت في وعن السجن


رسالة إلى غابة السنديان
نقولا الزهر
التيار كعادته مقطوع في هذا اليوم من الساعة الثامنة مساءً وحتى الحادية عشرة، إنني أسمع شيئاً من الموسيقى الكلاسيكية الهادئة، وأمتع ناظِرَيَّ على ضوء شمعة جديدة بالصورة التي أرسلتموها إليَّ وقد صنعت لها إطاراً في هذا الصباح ووضعتها خلف السرير.
من أجمل الأشياء لدى السجين السياسي حينما ينزِّهُ عينيه في كل صباح بصورةِ الحبيبة ورفيقةِ الأيام في حلوِها ومرِها.. ما أروعها من أمٍ وهي تحتضن سوسنةً صغيرة وإلى جانبهما نسرينةٌ بيضاء فارعة يلف جذعها زنارٌ من الجلنار.......
أخبركم بأني لا أشعرُ بظلامِ هذه الليلة ، فالشمعة ترقص متلألئة وتنهمر دموعها من الفرح. ولا أخفي عليكم أن أكثر الأشياء التي أحببتها وأنا بعيد عنكم هي الشموع، فهي عدا أنها لا تخاف احتراقها ولا حتى موتها، حياتها مزيج من الفرح والرقص والبكاء والصبر، من ميرةِِ صبرها يمتار الإنسان لينتصر على خُطَّافِ الزمان...
كيف لا تكون هذه الليلة ساطعة في كوخي الصغير الذي أنصبه كل يوم، وفي مثلها قبل أربعة عشر عاماً كان انعطافي الكبير لأتفيأَ في ظلالِ تلك السنديانةٍ العظيمة في تلالِ(قلمون)...
يا ابنتي العزيزة، ما أعانني على قهر الزمان المخطوف هذه السنديانة الوارفة الشامخة عميقة الجذور قوية الأغصان....ففي ظلالها الحياة جميلة وحلوة وعذبة رغم كل أشواكها ووديانها وهضابها.....
المرأة عــــــالمْ....
مترعٌ بالجــــمال....
حبٌ.. وخصوبةٌ.. وعطاءْ.....
ميرةٌ للأيامْ.......
سياجٌ للحقولْ.....
عُدَّةُ للأملْ.......
سِهامٌ للعواصفْ...
******

أخبركم بأنني أثقف نفسي بشكل متواصل وأهتم كثيراً بمواضيع الفلسفة والتاريخ والسياسة واللغات.. وبهذه المناسبة لا بد وأن نشكر المناضل الوطني وشيخ شباب دمشق المرحوم فخري البارودي فكان قد أوصى بمكتبته الغنية لسجن دمشق. والآن أقرأ أعمال المفكر والكاتب والناقد والسياسي الروسي (جورج بليخانوف) الذي كانوا يسمونه الشيوعيون الروس بالمعلم. يكتب بليخانوف في المجلد الرابع عن المثقفين الديموقراطيين الروس في القرن التاسع عشر. وأقرأ الآن ما يقوله بليخانوف عن الكاتب الروسي العظيم (نيكولاي تشيرنيشيفسكي)، عن طفولته وأسرته، عن أصدقائه وأقرانه، عن دراسته في الجامعة، عن نضاله الثوري ومقارعته الإرهاب والظلم والاستبداد، وعن رسالته لزوجته من سجنه في قلعة القديسين بطرس وبولس في مدينة بطرسبورغ.
يقول تشيرنيشيفسكي في رسالته إلى زوجته: " حياتي وحياتك تنتميان إلى التاريخ، ولسوف تمر مئات السنين، وإسمانا يظلان عزيزين على الشعب الذي سيتذكرهما بتقدير....."
كان تشيرنيشيفسكي صلباً على الدوام أمام جلاديه. حكم المجلس الأعلى على الكاتب الثوري الديموقراطي الروسي بالتجريد المدني مشفوعاً بأربعة سنين من الأشغال الشاقة ثم النفي إلى سيبيريا مدى الحياة. وفي ساحة ميتينسكي قُرِأ الحكم علناً بعد أن أحْضِر الكاتب إلى منصة التشهير. كان شاحباً هزيلاً ومرهقاً؛ وقف بصمت، أدار ظهره للضابط الذي يقرا الحكم، وأجريت مراسيم كسر السيف فوق رأس تشيرنيشيفسكي، وعندئذ وفي هذه اللحظة سقطت باقة ورد على السقالة، وانطلقت صيحات التعاطف من الجمهور المحتشد...
أمضى تشيرنيشيفسكي في سبيريا عشرين عاماً، وعاش حتى عام 1883 هناك، ومن ثم عاد من سيبيريا وانطلق في التأليف الأدبي والسياسي من جديد.....
وأخيراً اسمحوا لي أن أنهي لكم هذه الرسالة بكلمات الأمل الخالدة للشاعر التركي الرائع (ناظم حكمت):
إن أجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد.....
وأجمل البحار تلك التي لم نشهدها بعد...
وأجمل الأطفال أولئك الذين لم يولدوا بعد.....
أبو نسرين/عدرا 30/7/1986/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -جبل- من النفايات وسط خيام النازحين في مدينة خان يونس


.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان




.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي


.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن




.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك