الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشديد العقوبات على إيران وتغير النظام من الداخل

شريف نسيم قلتة

2012 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


جاءت العقوبات الأمريكية- الأوربية الأخيرة على طهران والتي تعد الأقسى ضمن سلسلة العقوبات الغربية على طهران منذ عام 2006، لتكون بمثابة الخيار الأخير أمام المجموعة الغربية لتشديد الخناق على إيران وإرغامها على التخلي عن طموحاتها النووية، قبل التفكير في توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية. تستهدف العقوبات الغربية الأخيرة على طهران إضعاف الاقتصاد الإيراني إلى أقصى درجة ممكنة وعزله عن الاقتصاد الدولي، وذلك بضرب الدعامتين الرئيسيتين للاقتصاد الإيراني وهما : النظام البنكي والمصرفي، قطاع النفط. ويشكل الأخير المصدر الرئيسي لما تحصل عليه إيران من نقد أجنبي. هذا في الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد الإيراني من ضعف شديد منذ أعوام جراء العقوبات الاقتصادية السابقة، هذا علاوة على ارتفاع معدلات البطالة، وغياب الاستثمارات الأجنبية، وتأكل البنية التحتية الإيرانية. ووفقاً لذلك فإن تشديد العقوبات الاقتصادية سيشل الاقتصاد الإيراني، ويحؤول دون تمكن الحكومة الإيرانية من تقديم السلع والخدمات الأساسية للمواطنين والذى من شأنه أن يزيد الفجوة بين النظام والشعب ويقود إلى التغيير من الداخل، هذا بالإضافة إلى ان الضعف الاقتصادي العام الذى سوف يصيب إيران جراء هذه العقوبات من الممكن أن يدفع إيران إلى الاستغناء عن برنامجها النووي، أو يحول دون حدوث أي تطور بشأنه. خاصة وأن معظم تقارير المخابرات الدولية تشير إلى اقتراب إيران من امتلاك السلاح النووي.

وتنطلق العقوبات الأوروبية الأخيرة على طهران من حظر استيراد النفط الإيراني إلى الاتحاد الأوروبي، أو نقل البترول الإيراني من قبل أوروبا أو بالمرور عبرها. أما العقوبات الأمريكية والتي تتعمد بالأساس إلحاق اكبر ضرر بالنظام المصرفي الإيراني فتنطلق من حظر التعامل مع المصارف الإيرانية، وتجميد أرصدة أي مؤسسة مالية أجنبية أو شركة تعمل داخل الولايات المتحدة تقوم بتبادل تجاري مع المصرف المركزي الإيراني في قطاع النفط، ومنعها من العمل بداخل الولايات المتحدة. وشمل مشروع العقوبات الأمريكية أيضًا تشديد العقوبات على وزارة الدفاع الإيرانية والحرس الثوري الإيراني وستة من كبار قادة الحرس الثوري، وعدد من المصارف الإيرانية مثل مصرف (ملت ، صادرات)، حيث تم تجميد كل الحسابات الأميركية لهذه الجهات، ومعاقبة الشركات والمؤسسات المالية سواء الأمريكية أو الأجنبية التي تعمل على الأراضي الأمريكية والتي لديها تعامل معهم؛ متهمة إياهم بالمضي في تمويل البرنامج النووي الإيراني وتصدير الإرهاب. وبالتزامن مع هذه العقوبات اعلنت "الهند وكوريا الجنوبية واليابان"، وهم من ابرز زبائن ايران في اسيا، نيتها خفض وارداتها من النفط الإيراني بنسبة10 الى 20% بعد ان كانت تفوق 800 الف برميل يوميا في 2011.

وعلى الرغم من تقليل النظام الإيراني من خطورة هذه العقوبات على الاقتصاد الإيراني، والادعاء بأن الأوروبيين هم الخاسر الأكبر من خطر استيراد النفط الإيراني، إلا أن هذا الكلام يحتوى على مغالطات كبيرة نظراً لما يعترى الاقتصاد الإيراني من ضعف شديد، هذا في الوقت الذى يدور الحديث داخل إيران عن إخفاقات اقتصادية لحكومة أحمدي نجاد والذي يبدو واضحًا من الانتقادات المتزايدة من البرلمان الإيراني لأداء حكومة الرئيس "أحمدي نجاد" ولاسيما في ما يتعلق بتأخر الحكومة باتخاذ الإجراءات التي من شأنها التقليل من التأثيرات السلبية للعقوبات الأوروبية. فبدخول هذه العقوبات الأخيرة حيز التنفيذ يتوقع أن تنخفض الصادرات الإيرانية من النفط بنسبة 50%، أي أن إيران سوف تخسر يومياً أكثر من نصف مليار دولار، وهو ما سوف يكون له تداعيات كارثية على الاقتصاد الإيراني في المدى القريب، والتي من أهمها على الأطلاق انهيار قيمة العملة الوطنية الإيرانية (الريال) أمام العملات الأجنبية الأخرى. فنتيجة للعقوبات السابقة على إيران فقد "الريال الإيراني" في عام 2011 نصف قيمته أمام العملات الأجنبية الأخرى، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 25%، ووصول معدلات البطالة إلى 15% ، والتضخم إلى 50% ، مما أضعف القوة الشرائية للمواطن الإيراني. ومن هنا فإن العقوبات الجديدة ستكون أكثر تأثيرًا على الحياة اليومية، وستتسبب بضغوط أكثر على موازنات الأفراد العاديين، لاسيما إذا ما تراجعت العملة الإيرانية أمام الدولار واليورو وهما العملتان المستعملتان في استيراد الكثير من السلع. كما أنها ستزيد من أعباء الحكومة الإيرانية الاقتصادية.

وهذا ينبئ بأن النظام الإيراني سوف يواجه خلال الفترة القليلة القادمة أزمة حقيقية، قد تهدد بقاءه وربما تضع نظام "ولاية الفقيه" في إيران على حافة الهاوية، ففشل النظام الإيراني المتوقع في الخروج من الخناق الاقتصادي الشديد المفروض عليه، من المحتمل أن يمهد الطريق إلى قيام ثورة احتجاج عارمة ضد هذا النظام لإسقاطه، فحالة الاستياء والسخط داخل إيران تتنامى يوما بعد يوم تجاه تلك النخبة الحاكمة في طهران والتي فشلت في إيحاد حلول عملية للمشاكل الاقتصادية المتراكمة خلال الاعوام السابقة.. هذا في الوقت الذى يقوم به النظام الإيراني من تقديم مساعدات مالية كبيرة لحلفائه في المنطقة ( حزب الله، حركتي حماس والجهاد الإسلامي، الجماعات السياسية الشيعية والمليشيات المسلحة في العراق). ولعل أبرز ما نتج من تداعيات اجتماعية سلبية جراء الفشل الاقتصادي للنخبة هو التوسع الهائل في الفجوة بين الأغنياء والفقراء داخل إيران. والذى كان أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع الاحتجاجات الشعبية الكبيرة في إيران عام 2009 والتي قمعتها السلطات الإيرانية بكل شراسة. وتأتى هذه الأزمة الأخيرة في إطار سياق داخلي وإقليمي مختلف قد يزيد الأمر تعقيداً للنخبة الحاكمة في إيران، حيث تتزامن هذه الأزمة مع موجات الربيع العربي التي تجتاح المنطقة ويبدو ان إيران ليست بمنأى عنه، هذا في ظل الصراعات الشديدة داخل إيران سواء بين المحافظين والإصلاحيين من جانب أو داخل التيار المحافظ نفسه، وتشكل الإخفاقات الاقتصادية للنخبة الحاكمة فرصة ذهبية للتيار الإصلاحي لحشد الشارع الإيراني ضدها. لكى تلحق إيران بقطار التغير في المنطقة.

وفى النهاية يمكن القول أن نظام "ولاية الفقيه" قد لا يصمد كثيرا أمام وطأة العقوبات الأخيرة عليه، والتي من شأنها أن تزيد من تعمق الفجوة القائمة بين النظام وشعبه. وتعجل بسقوطه مع أول موجة احتجاجات قادمة عليه، وليس النظام الإيراني بمنأى على الأطلاق عما حدث لنظام "مبارك" في مصر، ونظام "بن على" في تونس. حيث تتشابه الأوضاع والظروف بشكل كبير. وخاصة الوضع الاقتصادي المتدهور والذى كان السبب الرئيسي في سقوط تلك الأنظمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العقوبات الاقتصادية جادة لكنها مخروقة
سيلوس العراقي ( 2012 / 7 / 15 - 13:29 )
السيد الكاتب
في تحليلك وقراءتك حول كيف سيكون مصير نظام ايران في المستقبل القريب، هناك الكثير من الصحة ولكن ربما قد نسيت أن العقوبات قد اخترقت دائما، كون الاميريكان والاتحاد الاوربي لم تشتمل عقوباتهم على العراق ولبنان البلدان الرئيسيان في اختراق العقوبات ضد ايران، فبمجرد أن تتم مراقبة تطبيق العراق ولبنان بمصارفهما وتبادلاتهما الاقتصادية وتهريب العملات الصعبة من هذين البلدين الى النظام الايراني، سيكون للعقوبات الغربية أثراً أكبر وأسرع على انهيار نظام ولاية الفقيه، ويمكن للشعبين العراقي واللبناني إن كانا يعيان لمخاطر ايران عليهما وعلى مستقبلهما أن ينظموا الاحتجاجات والانتفاضات ضد النظام الايراني وضد حكومتيهما اللتين تدعمان ايران ضد الارادة الدولية، كما ان بامكان الغرب فرض بعض العقوبات القاسية على الحكومتين العراقية واللبنانية التي سيكون له مردودا سريعا وبسرعة البرق في انهاء الاقتصاد الايراني، خاصة وأن لبنان والعراق لا زالا تحت البند السابع في عقوبات مجلس الامن ، واسنادهم لايران يُعد تهديدا للأمن العالمي، تحياتي لرؤيتك حول مخاطر التساهل مع ايران وضرورة تشديد العقوبات الاقتصادية عليها

اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا