الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية الإنسانية الجزء الثاني حريات الإنسان المتعلقة بحقوقه المادية

سعد شاكر شبلي

2012 / 7 / 15
حقوق الانسان


وتقسم الحريات الإنسانية إلى قسمين رئيسين هما : حريات الإنسان المتعلقة بحقوقه المادية وحريات الإنسان المتعلقة بحقوقه المادية ، وسنتناول في هذا الجزء حريات الانسان المتعلقة بحقوقه المادية وهي :-
أ . الحرية الشخصية : وهي قدرة الإنسان على التصرف في شؤونه الخاصة دون تعرضه للاعتداء بذاته أو عرضه أو ماله ، ولهذه الحرية شروط تتضمن : -
أولا : المحافظة على كرامة الإنسان وعلو منزلته ، كما قال الله تعالى في سورة الإسراء الآية 70 : [ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ] .
ثانيا : حماية الإنسان ووقايته من كل ضرر أو اعتداء يقع عليه، ليتسنى له ممارسة حقه في الحرية الشخصية. وقد أوجب الإسلام معاقبة المعتدي بعقوبات متفاوتة ، فكلما كان نوع الاعتداء قوياً كان العقوبة أشد، ففي حالة الاعتداء على النفس بالقتل و جب القصاص، كما قال تعالى في سورة البقرة الآية 178 : [ ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ] ، أو كان الاعتداء على الجوارح بالقطع وجب القصاص أيضاً، كما قال تعالى في سورة المائدة الآية 45 : [ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ] .
ب‌. حرية التنقل: المقصود بهذه الحرية أن يكون الإنسان حراً في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنعه. والتنقل حق إنساني طبيعي، تقتضيه ظروف الحياة البشرية من الكسب والعمل وطلب الرزق والعلم وغيره ، وقد جاء تقرير حرية التنقل بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والإجماع، حين قالل تعالى في سورة الملك الآية 15:[هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ]. ولا يمنع الإنسان من التنقل إلا لمصلحة راجحة، كما فعل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في طاعون عمواس، حين منع الناس من السفر إلى بلاد الشام التي حدث بها هذا الوباء ، و لم يفعل ذلك إلا تطبيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض و انتم بها فلا تخرجوا فرار منه)، و لأجل تمكين الناس من التمتع بحرية التنقل حرم الإسلام الاعتداء على المسافرين، والتربص لهم في الطرقات، و أنزل عقوبة شديدة على الذين يقطعون الطرق ويروعون الناس بالقتل و النهب و السرقة، حيث قال تعالى في سورة المائدة الآية 33 :[ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ] .
ج‌. حرية السكن: لا شك أن المسكن هو المأوى الذي يلوذ به الإنسان بعد الله تعالى، ويجد فيه الأمن والطمأنينة ويقيه الحر والبرد ويستره عن عيون الناس ويضم أسرته ويستقبل فيه ضيوفه وتقام فيه الأفراح والمآتم والبيت وعاء التربية، والبيئة التي ينشأ الأبناء فيها وهو عنوان ومقياس لذوق رب الأسرة والزوجة بل والأسرة كافة، فإذا ما ملك الإنسان مأوى و مسكن،فلا يجوز لأحد،أن يقتحم مأواه،أو يدخل منزله إلا بإذنه، حتى لو كان الخليفة،،ما لم تدع إليه ضرورة قصوى أو مصلحة بالغة، لأن الله تعالى يقول في سورة النور : [ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) ] . وقد قارن الله تعالى، إخراج الناس من بيوتهم وطردهم منها بالأذية والضرر الكبير الذي يلحق بالإنسان، وورد في ذلك كثير من الآيات ومنها قوله تعالى في سورة آل عمران الآية 195 : [ فالذين هاجروا وأُخرِجُوا من ديارهم وأُوذوا في سبيلي وقاتلوا وقُتلوا لأكفرن عنهم سيئاتِهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار] . ولحفظ حرمة المنازل وعظمتها حرم الإسلام التجسس، فقال تعالى :(( ولا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضا )) وذلك لأن في التجسس انتهاكا لحقوق الغير والتي منها :حفظ حرمة المسكن، وحرية صاحبه الشخصية بعدم الاطلاع على أسراره. بل و بالغ الإسلام في تقرير حرية المسكن بأن أسقط القصاص والدية عمن انتهك له حرمة بيته، بالنظر فيه ونحوه.
د‌. حرية التملك: يُقْصَدُ بالتملُّك حيازة الإنسان للشيء وامتلاكه له، وقدرته على التصرُّف فيه، وانتفاعه به عند انتفاء الموانع الشرعية. وتختلف نظرة الفلسفة الإسلامية عن الرأسمالية والاشتراكية في نوعية الملكية التي يقررها اختلافاً جوهرياً .
النظام الرأسمالي يؤمن بالملكية الخاصة ويدعو لها من خلال السماح للأفراد بها ولمختلف أنواع الثروة في البلاد تبعاً لنشاطاتهم وظروفهم ، إي إن الرأسمالية تقدس حرية التملك لدى الفرد وتطلق العنان له ليمتلك ما شاء وينمي ما ملك بما شاء، وينفقه كما شاء، دون قيود تُذكر على وسائل تملكه وتنميته وإنفاقه، ودون أي حقوق للمجتمع في ذلك. ولا يعترف هذا النظام بالملكية العامة إلا بقدر ما تفرضه الضرورة الاجتماعية والتي هي حالة استثنائية يضطر المجتمع الرأسمالي على أساسها إلى الخروج عن مبدأ الملكية الخاصة من خلال استثناء مرفق أو ثروة معينة من مجالها .
فيما أهدر النظام الشيوعي قيمة الفرد وحريته؛ إذ ليس لأحد أن يتملك أرضًا أو مصنعًا أو عقارًا، أو غير ذلك من وسائل الإنتاج، بل يجب عليه أن يعمل أجيرًا للدولة التي تملك كل مصادر الإنتاج وتُديرها، وتُحَرِّم عليه أن يحوز رأس مال وإن كان حلالاً . أي إن الملكية الاشتراكية هي المبدأ العام الذي يطبق على كل أنواع الثروة في البلاد ، وليست الملكية الخاصة لبعض الثروات في نظره إلا شذوذاً واستثناءاً ، قد يعترف به أحياناً بحكم ضرورة اجتماعية قاهرة .
أما الفلسفة الإسلامية فتنظر إلى الملكية من خلال موقفها القائم على أساس مبدأ الملكية المزدوجة كونها تجيز الملكية الخاصة ليس على صيغة كونها قاعدة عامة ، وإنما من خلال السماح للملكية الخاصة لبعض رؤوس الأموال ووسائل الإنتاج، غير أن الإسلام لم يترك حق هذه الملكية مطلقة ولكنه وضع له قيوداً كي لا يصطدم بحقوق الآخرين، كمنع الربا والغش والرشوة والاحتكار و نحو ذلك، مما يصطدم ويضيع مصلحة الجماعة.وهذه الحرية لا فرق فيها بين الرجل و المرأة قال الله تعالى في سورة النساء الآية 32 : [ للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن ] . وفرض الإسلام قيوداً أخرى تتعلق بمداومة الشخص على استثمار المال؛ لأن في تعطيله إضرارًا بصاحبه، وبنماء ثروة المجتمع. وأيضًا أداء الزكاة على هذا المال إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول؛ لأن الزكاة حق المال .
كما تراعي الفلسفة الإسلامية الأخذ بمبدأ الملكية العامة من خلال ملكية الدولة لبعض الثروات ورؤوس الأموال ليس على اعتبار ذلك كقاعدة عامة . وذلك من خلال الاهتمام بمظاهر وسائل الملكية الجماعية والتي من أهمها:
أولا : الموارد الطبيعية العامَّة، وهي التي يتناولها جميع الناس في الدولة دون جهد أو عمل؛ كالماء، والكلأ، والنار، وملحقاتها.
ثانيا : الموارد المحمية، أي التي تحميها الدولة لمنفعة المسلمين أو الناس كافَّة؛ مثل: المقابر، والدوائر الحكومية، والأوقاف، وغيرها.
ثالثا : الموارد التي لم تقع عليها يد أَحَدٍ، أو وقعت عليها ثم أهملتها مُدَّةً طويلة، كأرض الأموات .
إن هذا الموقف الذي وقفته الفلسفة الإسلامية لا يعني أنه يمزج بين الرأسمالية والاشتراكية في موقفها من الملكية الخاصة والملكية العامة ، وإنما يعبر ذلك التنوع في أشكال الملكية عن تصميم مذهبي أصيل قائم على أساس وقواعد فكرية معينة وضمن إطار خاص من القيم والمفاهيم تناقض الأسس والقواعد والقيم والمفاهيم التي قامت عليها الرأسمالية الحرة والاشتراكية الماركسية.
هـ. حرية العمل : العمل هو الجهد الإنساني المبذول من خلال العملية الإنتاجية بقصد إنتاج السلع والخدمـات، وللعمل خصائص عديدة تتلخص في كونه نشاط واعي يتم تأديته من قبل إنسان يعي ما يعمل ، كونه يمارس نشاط إرادي مختار يتلقى عليه الأجر مقابل ما يبذل فيه من جهد ، والعمل مصدر للمتعة والسعادة كونه يحقق ذات الإنسان من خلاله ، رغم ما سببه من ألم وقهر، وللعمل غاية تتمثل بخلق المنافع من خلال الإسهام في العملية الإنتاجية، فإذا كان الألم يمثل تكلفة العمل فان إنتاج السلع والخدمات يمثل العائد من العمل، وإذا كان العمل لا يهدف في النهاية إلى الإنتاج فانه لا يعتبر عملا من الناحية الاقتصادية ، وهناك أنواع للعمل كونه ليس عنصر متجانس بل يختلف من مهنة إلى أخرى، كذلك يختلف داخل المهنة الواحدة . وينقسم إلى :أعمال يدوية : تعتمد على الجهد العضلي إلى حد كبير، وأعمال ذهنية تعتمد على المعرفة. ولأهمية العمل في الإسلام اعتبر نوعاً من الجهاد في سبيل الله، وهكذا نجد كثيراً من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ، تتحدث عن العمل وتحث عليه وتنوه بأعمال متنوعة كصناعة الحديد ونجارة السفن، وفلاحة الأرض، ونحو ذلك ، فقد جاء في الأحاديث النبوية الشريفة على سبيل المثال لا الحصر :
(1) إن السعي وراء المال الحلال لضمان المعيشة واستمرار الحياة واجب على كل فرد من المسلمين .كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ طلب الحلال فريضة على كل مسلم ].
(2) اقتران عمل من يكد ليحصل على قوت يومه والنبي الذي يكد لإحياء الناس. حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من أكل كد يده كان يوم القيامة في عداد الأنبياء، ويأخذ ثواب الأنبياء ].
(3) الجمع بين المجاهد لدفع الضرر المادي عن المسلمين ، والمكافح لدفع الضرر المعنوي ، إذ إن دفع الضررين كليهما مطلوب .كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ الكاد على عياله ، كالمجاهد في سبيل الله ] .
وهكذا نجد الإسلام يهتم بأمر العمل والإنتاج وتشغيل عجلة الاقتصاد الوطني إلى درجة لا تسمح بالتكاسل والتواني حتى في أحرج الظروف وأتعس الأوقات ، حيث يعد العمل في حد ذاته وسيلة للبقاء، و البقاء – من حيث هو – هدف مرحلي للغاية الكبرى، وهي عبادة الله، وابتغاء رضوانه ، وبقدر عظم الغاية تكون منزلة الوسيلة، فأعظم الغايات هو رضوان الله تعالى، وبالتالي فإن أعظم وسيلة إليها هي العمل والتضحية، وإنما نوه القرآن بالعمل والكسب للتنبيه على عظم فائدته وأهميته للوجود الإنساني، وأنه أكبر نعمة من نعم الله على الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ


.. لحظة اعتقال طالبة رفعت علم فلسطين بيوم تخرجها في أمريكا




.. مجلس الشيوخ الأميركي يرفض مقترح بايدن باستقبال اللاجئين الفل


.. موريتانيا الأولى عربيا وإفريقيا في حرية الصحافة | الأخبار




.. الأمم المتحدة تحذر من وقوع -مذبحة- جراء أي توغل إسرائيلي برف