الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حمامة گلَوِي !!

عمّار المطّلبي

2012 / 7 / 15
الادب والفن


في عصر أحد الأيّام، أطلّ مذيع تلفزيون الشباب مُبشِّرا المشاهدين ببرنامج خاصّ في الذكرى السنويّة لرحلة ( باص) جورج گلَوي إلى العراق .. و قد كانتْ تلكَ فرصة طيّبة لرؤية هذا الرجل الشهم، و هو يتجشّمُ عناءَ رحلةٍ طويلةٍ في الفيافي و القفار، كسراً للحصار، في باص إنكليزي ذي طابقَين، حاملاً ما خفّ وزنُهُ و غلا ثمنُه، للكبار و الصّغار، الذين أمضّهم الانتظار !
لمْ يكنْ في ذلكَ الفلم التسجيلي ما يُثير، منْ مشاهد للصحراء، و أفخاذ اللحم المشويّ، و منشورات عن الرّحلة تُوزَّع في صباح القاهرة على العُمّال المُبكّرين. أمّا ذلك الاستقبال المُبالَغ به في البوّابة الحدوديّة ( طريبيل) فيُثير الخجل و الغثيان، و يملأ القلبَ حزناً منظرُ الأطفال البائسين وهم يتراكضون في ضواحي بغداد، وراء ذلك الباص المُترنّح الأحمر .. مشاهد تُذكّر الإنسان بالجنرال مود و هو يدخل بغداد، فتدفعهُ للتساؤل: في أيّ زمنٍ نحنُ يا تُرى ؟!!
وحينَ رأى السيّد گلَوي مظاهر الحفاوة تلك، مدّ يدَهُ بمبادرةٍ كريمةٍ منه، و أطلق حمامةً بيضاء إلى سماء بغداد .
شعرت تلك الحمامة ( بنت لندن ) بالحريّة و هي تنطلق كالسهم في الفضاء، لكنْ إلى أين؟!
دارت الحمامة المهذّبة و دارتْ في سماء بغداد .. شاهدت ( الليدي) منْ عليائها الأطفالَ الحفاة يبيعون السكائر و العلكة و أكياس النايلون، و سمعتْ أيمانَهم المغلّظة بأنّ تلكَ الأكياس غير مُعادة ( تصنيع عسكري) ، و سمعتْ أحدهم يصيح بلهفة ( عمّي إشتري .. الله يخلّيك ) .. إنّها لا تعرف العربيّة بالطبع، لكنّها أحسّتْ بضيقٍ عارم حين سمعتْ تلك الكلمات .
و واصلتْ حمامة كلَوي طيرانَها، فرأتْ رجال البلديّة و في أيديهم الهراوات، يُطاردون مجموعة من أصحاب ( البَسْطيّات ) ، فحسبتْهم يؤدّون في الهواء الطلق إحدى المسرحيّات، لكنْ حين سالت الدماء، و حُمِلَت الأجساد إلى ( البيكبات )، أصابها الجنون، فانطلقت تسير بسرعةٍ وثبات، فكان في استقبالها مبنى الأمن العامّة في البلديّات، و سجن الرضوانيّة و سجن الأولمبيّة، و سجن الاستخبارات، و سجن المخابرات .. كلّما عبرتْ في طيرانها سجناً، استقبلها سجن، و كلّما تخلّصتْ منْ ورطةٍ، وجدتْ نفسَها في ورطات، حتّى ضاق صدرُها و اشتدّ لهاثُها و سالتْ دموعها ، و هي بعدُ في اليوم الأوّل، فكيفَ إذا امتدّ بها العمرُ ، مثلنا، سنواتٍ و سنوات ؟!!
المهمّ أيّها السادة و السيّدات، أنّ تلك الحمامة، حين اشتدّ تعبُها، و لمْ تعدْ تقوى على الطيران قرّرت الهبوطَ، و أسلمَتْ أمرَها لِربِّ السموات !
و كان الأمرُ هذه المرّة سهلاً، فبغدادُ، و الحمدُ لله ، فيها غابةٌ منَ النُّصبِ و الجداريّات !!
يُقال إنّ حمامة گلَوي البيضاء، هبطتْ على واحدة منْ تلك الجداريّات من غير أنْ يراها أحد. كان اللّيلُ قد عسعسَ، و المصابيحُ المُطفَأةُ في سُبات، بسبب القطع المُبرمجِ ( مكرمة ) قاهر الظلُمات !!
ذرَقَتْ حمامةُ گلَوي أوّل ذرقةٍ لها على الجداريّة، و نامتْ أولى لياليها في بغداد، لكنّها تمتمَتْ قبل النّوم عبارةً أخرى، غير عبارة ( گُدْ نايِتْ ) التي اعتادتْها في لندن، عبارة مؤلمة ، قالتها بغضبٍ و ضجر:
ـ ماذا فعلتَ يا مستر گلَوي؟!!

نُشِرَتْ و أُذيعَتْ في 26 تمّوز 2002

حمامة كلَوي بعد 2003 م

يُروى أنّ حمامة گلَوي المسكينة لجأت إلى المنطقة الخضراء هرباً بحياتها من التفجيرات و مسدّسات كواتم الصوت و الاغتيالات ، و يُقالُ إنّ تلك الحمامة قد انتهتْ مقليّةً و (محشوّة ) باللوز و الجوز و الفستق و الكشمش على إحدى الموائد التي يُقيمها في ليالي رمضان الحاج إبراهيم الأشيقر الجعفري للمُتعفّفين من رؤساء الأحزاب و النوّاب الفقراء ، تقرّباً إلى الله و طلباً لثوابه، و ( ترطيباً للأجواء ) كما اعتاد الحاج المُحسن إبراهيم الأشيقر أنْ يقول كلّما اختلف ساستنا على تقاسم عوائد الصدقات، عفواً أعني الصفقات !!!
و اليوم كلّما رأيتُ كرْشَ نائبٍ أو مُتحاصص، لا أملكُ إلاّ أنْ أتذكّر حمامة گلَوي المسكينة، مردّداً بصوتٍ عالٍ أسيف:
سِرْطوها الجماعة !!!!!!!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لايااخي استاذ عمار ظننت ان استراليا حررتك من علا
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2012 / 7 / 15 - 21:25 )
تحيه رقيقه من صديق قديم يحبك من مقهى السنترال حتى لحظات من سفرك الميمون الى استراليا وكان فرحا انك لم تتورط مع جماعة علاوي ابو البلاوي الذي كان يدفع لكل من يدخل العراق في موكبه 13 ورقه تقطع نصفها وتسلم لمن يصل بغداد بصفة مؤيد لقائد ضروره جديد
قراءت بتذوق مقالتك او بالحقيقه نصك الادبي الجميل واعتقدت ان تشخيصك لللكام الشره كلوي توصل الى حقائق جديده
انا لاادافع عن الجعفري لانني اصلا لااحترم سياسيي المصادفات
ولكنني احقد على اصحاب الاجندات الفاشيه كاءبن الحرام البلوشي ابن قاتل فلاحي العمارة ومن ناحيتكم المشرح بالضبط-انا كنت شاهد عيان كيف ان التختور هاشم علاوي -حينما كان رئيسا لصحة العمارة في عام 52 وانا كنت موقوفا في المستشفى بسبب المرض-ترك علاوي فلاحنا المشرحاوي ينزف دما بفعل اصابته بفاله في منطقة حساسة من جسمه دون اخراجها لانه طلب 25 دينارا وتعرف ال25 د ع حينئذ كان مردود 6 سنوات للفلاح الجنوبي المنهوب اقطاعيا وتسولت عائلة الفلاح حتى الظهر في اسواق العمارة ولكنها لم تجمع الا 16 دينارا ولكن ابو المرشح لعودة البعث علاوي ابو البلاوي لم يوافق على المبلغ فمات جويعه اليس الاجدى ادانة علا


2 - لا ياعزيزي الدكتور صادق
عمّار المطّلبي ( 2012 / 7 / 15 - 23:16 )
الدكتور صادق الكحلاوي :
أنا أدنتُ الجميع يا عزيزي .. لم أستثنِ أحداً .. و أنا متحرّر من أيّة أجندة سوى حبّ وطني و شعبي.
لم أكنْ في عمّان أكتب سوى ضدّ الطاغية صدّام و نظامه العفن باسمي الصريح كما تعرف حضرتك ، و الحقّ أنّي لم أر الرجل، أعني الدكتور أياد علاّوي سوى ثلاث مرّات .. و لم يحدث أن طلب منّي الكتابة عنه، أو تمجيده ، بل و لمستُ في المرّة الأولى التي رأيتُها فيها بساطتهُ ولا أقول تواضعه حتّى لا تتّهمني بالانحياز إليه .
أمّا عن حادثة الفلاّح ، فالله أعلم بها ، و من غير المعقول أنْ أصدّق بها لمجرّد أنّكَ تذكرها .. أليس هذا هو المنطق السليم ؟
و ماذا فعلتْ حكومة المحاصصة و النوّاب للعمارة أو البصرة أو الناصريّة .. هاهي اليوم صحراء جرداء ينهبون نفطها .. كلّهم بلا استثناء .. علمانيّون زائفون و متديّنون كاذبون، مَنْ في السلطة و مَنْ هو خارجها !!
في الختام أنا عرفتكَ و لم أنسكَ .. فقد كنتَ غايةً في اللطف معي حين كنتُ في عمّان .. أشكركَ و أتمنّى لكَ السعادة.


3 - چاي العبّاس!!
عمّار المطّلبي ( 2012 / 7 / 16 - 18:54 )

أودّ أنْ أصحّح عبارة وردتْ في تعليقي
و لمستُ في المرّة الأولى التي رأيتُها فيها بساطتهُ
و لمستُ في المرّة الأولى التي رأيتُهُ فيها بساطتهُ
أودّ أيضاً أنْ تقرأ لي موضوعاً نشرتُهُ قبل أيّام ، بعنوان:
چاي العبّاس
تجدهُ بسهولة على الكوكل ..
مع تحيّاتي للعزيز الدكتور صادق .

اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب