الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آلام امرأة غزية

سونيا ابراهيم

2012 / 7 / 16
سيرة ذاتية


أكتب هذه القصة وأنا أعلم أن آلام المرأة الغزية لن تنتهي إلى الأبد ..

كنت قد اضطريت أن أحاول ايجاد بعض الأصدقاء على شبكة التواصل الاجتماعي – فيسبوك. وصرت على تواصل مع مجموعة من الأصدقاء الذين قد أتوا لزيارة غزة مع قوافل التضامن لدعم الشعب الفلسطيني ، وفك الحصار المطبق علينا منذ ما يقارب خمسة سنوات . و وجدت الكثيرين ممن ينشرون صوراً على حوائطهم لدعم فلسطين ، وأما آخرين كانت لهم صور شخصية مع غزيين ، في أماكن قاموا بزيارتها أثناء تواجدهم القصير في غزة .
ظليت أتحدث إلى الكثير منهم ؛ لأحدثهم عن قضيتي كامرأة غزية تصارع الحياة تحت ظل الأيام المنسية في قطاع غزة . وقد يبدو كلامي في البداية رومانسيا ً؛ حتى أني وجدت من هؤلاء الأصدقاء من يدعون بالصبر لأهل غزة ؛ ثم أحدهم الآخر يتحدث إلي عن أهمية النضال السلمي ، و دور مؤسسات المجتمع المدني .
أما القليل منهم فحاول أن يتحدث إليّ عن غزة ، وكيف أن السلطة الوطنية الفلسطينية هي متورطة منذ سنوات طويلة في الفساد ، والفلتان الأمني ، وكأنهم يعرفون الحال جيداً كما كنا نعيشها تحت حكم السلطة سابقاً .
وجدت نفسي في يوم من الأيام الكثيرة - التي قضيتها وأنا أتحدث لأشخاص يعيشون في العالم الافتراضي ، وهم أصدقاء لي على صفحتي الشخصية - أتحدث إلى رجل في الأربعينات ، لا يبدو عليه إلا أنه واثق من أني كنت أخطط للخروج من غزة . ولم أرسل إليه طلب الصداقة إلا عندما أعجبت بصورته الشخصية " أوقفوا القتل في غزة " ، ثم تأكدت بظنٍ غبي ، ومتسرع أنه يستطيع مساعدتي . وأصبحت بكل هذا التردد ، والظن المريب أتحدث إليه ، وأحدثه عن كل ما يريد معرفته عن غزة ، ووجدت أنه مطلع إلى حدٍ ما على كل الأمور .
ولقد كان واثقاً مما كان يسأل عنه ، حتى أنه سألني في احدى رسائله عن معوقات خروجي من غزة ، واستطاع - بغباء المراهقات ، الذي كنت أعاني منه - وبخبث رجلٍ يعلم جيداً أني يائسة من وضعي في غزة ، أن يجعلني أثق فيه ، وتتالت بعد ذلك رسائله ، التي كان يتمنى لي فيها " يوماً رائعاً " .. لم أركز كثيراً فيما كان يحاول أن يثبته ، وظليت أتجنبه معظم الأوقات ، لأنه لم يخطر ببالي ما كان يخطط له ذلك الرجل العجوز .
*************************
في شهر سبتمبر ..
كانت المشاكل العائلية قد بلغت درجة من السوء ، التي لا يمكن حلها بأي طريقة للنقاش أو الحوار ، واستطعن إخوتي المتزوجات السيطرة على الورثة ؛ حيث استعملت إحداهن زوجها كورقة ٍ للضغط على والدتي ، ثم بعد ذلك نقلوا العدوى لوالدتي ، التي أصبحت تدافع عنهن ، وأقنعت نفسها كالعادة بأن تتصرف في توزيع الورثة دون أي حقٍ أو مساواة .
في آخر الشهر فقدت حقي بالورثة ، وطلب مني المحامي ، الذي قرر أن ظروفي في هذا المجتمع القبلي لن تسمح لي بأن أطالب والدتي بحقي في الميراث ، طالما ما زلت أعيش في منزل العائلة " دون زوج " !! وكأنه كان يحاول أن ينصحني بالصبر على الظلم ، ومن ثم الموت من أجل النسيان ، أو فقدان الذاكرة ، الذي للآن لم أستطع تجاهله .
وفي غزة حيث انتقلت إلى هذا المنزل ، وأنا عمري أربع سنواتٍ ، لم أشعر إلا بالغربة ، وخنقتني ظلمة أيامي ...
أذكر في المرة الأولى التي زرنا بها منزلنا البعيد ، وكان قيد الانشاء وقتها ، وكان يقع بعيداً عن حي عائلة والدي ووالدتي ، وكيف أني صرخت وطلبت من والدي ، الذي كان تركني حينها في السيارة ، و أغلق نوافذها ، ألا أتحدث مع أي أحدٍ من الجيران .
والدي لم يشعر بالحزن حينها ، ربما كان ذلك لأنه ظن أن هذا المنزل ، الذي بناه بعيداً عن عيون الأقارب وازعاجهم ، سيحقق له سعادةً ، ثمرة عمل سنين طويلة في الغربة ، قبل أن يحلم ذلك الحلم الكئيب .
كنت ما زلت في الرابعة من عمري ، وكنا ما زلنا نقيم في منزلنا الواسع في مكة ، حينما استيقظت من النوم ، ووجدت والدتي ، والدي ، وأخي الأكبر يقطعون الصور ويرمونها في أكياس سوداء في سلة المهملات . ولما سألت أختي عما يحدث ، أخبرتني وعيناها تخبآن خوفاً من المجهول : لن يسمحوا لنا في المطار ، باصطحابِ كل هذه الصور ، عندما نرحل من هنا !
********************
في شهر أكتوبر
كنت قد بدأت أشعر بالخوف من تلك العلاقة ، التي كونتها مع الصديق المتضامن مع غزة عن طريق المراسلة ، وأذكر الآن مقولة رددها صديق لي : " عدوٌ في الوطن ، ولا حبيب في الغربة " .
استأت كثيراً وأنا أفكر أنه لا مستقبل لهذه العلاقة ، وأنا ما زلت أعيش غربة في وطني الممزق ، مع عائلتي التي لا تشعر بأهمية وجودي طيلة الوقت ، واضطريت أن أخبره أني لن استطيع أن أكون صديقة له إلى الابد ، وتحججت حينها بأني أعلم أنه سيأتي يومٌ ما وهو يريد أن يكمل حياته ، أو يدخل تجربة مع شريكة تعيش معه في نفس بلده ، وليس مثلي تبعد عنه مئات الأميال ، والليالي .
خفت منه ، وأنا أوقع نفسي في علاقة عن بعدٍ ، وأنا أحاول أن أخبئ عنه ذلك السر ، الذي ظل يلاحقني . كان حلماً رأيته في شهر أغسطس ، وكان ذلك قبل أن أكون قد كشفت له عن شعوري تجاهه .
حلمت أنه كان يعانق امرأة أخرى في المطار ، رغم أنه كانت تربطه علاقة صداقة بي . أزعجني ذلك الحلم ، وكان لدي الجرأة حينها أن أقول لنفسي : لقد رأيت في منامي رجلاً أربعينياً " عجوزاً " يخدعني ، بعد أن أوقعني في حبه .
لسوء الحظ ، استطاع أن يقنعني أن أكمل علاقتنا عندما أخبرته في أكتوبر بأني لا أريد أياً منا أن يظل بعيداً عن الآخر ؛ حتى أنه وعدني بأنه سيجد طريقةً ما ، ويساعدني على لقائه حقيقة وجهاً لوجه ، كما لو كنا نعرف بعضنا ، وأردنا هذا الشئ منذ عدة سنين .
وظلينا نتراسل ، ونتحدث عن الوضع في غزة ، وعن كل شئٍ ، إلا تفاصيل الحياة في الخارج ؛ حيث كان يعيش في بلدٍ حرٍ بعيد عن الهموم ، التي كنت أواجهها في غزة ، منطقتي التي دمرتها الحروب والنزاعات منذ عشرات السنين ، دون أن يفاتحني بأهمية الانتقال إلى حياة أفضل بعد ما عرفه عن معاناتي مع العائلة التي نبذتني منذ أن ولدت أنثى سمراء البشرة ، لعائلة تفضل الشقراوات !!
وكانا فصل الخريف ، والشتاء هما فصلي علاقتنا ، وابتدأت علاقتنا تتطور ، و أنا أظن أنه سينتقل في الحديث قريباً عن علاقة جدية ، بعيداً عن هذه المراسلات ، التي كانت بدأت تسبب بالقلق ، والتوتر لي .
بعد أن انتهى عقد عملي في شهر سبتمبر ، ماتت كل آمالي بأن يتم تمديد العقد ، حتى أني بدأت بمراسلة متضامنة مغريبة ، تعرفت إليها بعد أن رأيت صورها مع المتضامنين ، الذين كانوا في غزة من مدةٍ غير طويلة . ظننت أنه ذلك في الوقت ، الذي بدأ يراوغني بدون قصد ، كان يجب علي أن أجد من يساعدني في الخروج من غزة بأسرع وقت . وجدتها منذ بداية حديثنا ، تعبر عن حبها لغزة ، وعن رغبتها بزيارة غزة في أقرب فرصة ممكنة ؛ حيث أنها كانت تركت صديقها الغزي ينتظرها حتى موعد زيارتها في الشهور المقبلة .
************

وفي شهر نوفمبر ، كنت أخرج بشكلٍ يوميٍ إلى مقهى الانترنت ، وهو المكان الوحيد ، الذي يقضي فيه معظم الخريجات والخريجين أوقاتهم ؛ لتعبئة طلبات الوظائف ، و إرسال السيرة الذاتية ، أملاً في وظائف قليلة ، دون أي آمالٍ أو طموحٍ في حياة يشعرون بها بالسعادة ، والأمان .
و رغم أني لم أنهِ إجراءات شهادتي الجامعية ، بل كنت قد تمكنت من الحصول على إفادة خريجة ، أستعين بها في حال اتصلوا لمقابلتي ، وجدت أني غير مكترثة لإنهاء أي اجراءاتٍ روتينية مملة ، لأني لم أستطع الحصول على أي مبلغٍ نقدي من والدتي ، و لم تكن تعلم أن إجراءات الشهادة قد تتطلب مني مبلغاً من المال علي تسديده مسبقاً .. وكل هذا لم يوترني في الحالة ، التي كنت فيها أقدم لوظائف لا يطلبون فيها الافادة إلا لعقد قد يستمر لمدة ثلاثة شهور ، دون أي أملٍ في التمديد . واصلت ارسال سيرتي الذاتية ، وتعبئة الطلبات ، وعندما سألت عن رغبتهم بمتطوعين ، وجدت أنهم مكتفيين بالعدد المتواجد لديهم .. حتى في غزة ، لا يوجد حاجة لمتطوعين ؟؟ ومن شدة غيظي كنت أتساءل كم من لعنة يجب علي أن أتعامل معها بشكلٍ يومي ، فقط لأني أعيش في هذه البقعة التعيسة من الأرض !

شهر نوفمبر ، بالنسبة لي كان يعتبر شهر الأحداث ، الغربة ، والألم ، والوحدة ، وانا لا أجد من عائلتي سوى العنف المعنوي ، والجسدي .
وحتى جاء ذلك اليوم المشئوم ، ووقعت على قدمي اليسرى بعد يومٍ طويل قضيته ، وأنا أركض من مكانٍ إلى مكانٍ ، أبحث عن عمل تطوعي دون أي أجر .
انتفخت قدمي يومها ، ورفضت نصيحة صديقي بالمراسلة ، بأن أذهب إلى الطبيب ، كان ممرضاً ، وعندما أخبرته أن قدمي كانت زرقاء شعرت بأنه لا يفهم لماذا كنت مترددة من رؤية الطبيب !
آخر ما كان ينقصني حينها ، هو حجة مرض تمنعني من الخروج من منزل عائلتي الكئيب ، حجة تجعلني أقضي أربع وعشرين ساعة ، وأنا أعض أظافري ، وأراقب الحيطان ، التي لا ينفذ من خلالها أي حلم ، أو صوت للنجاة .
كانت وحدها الساعات الثمان ، التي أقضيها كل مساء ، مع انقطاع التيار الكهربائي ، تكفل جنوني ، وضجري من منزل يخلو من معالم الحياة ، وكانت والدتي تستمتع ، وهي تتحكم في مصروف المنزل ، دون أي حق ، وتقرر معاقبتي أنا ، وأختي الصغرى ، بألا تزودنا بإضاءةٍ خفيفةٍ طيلة المساء . وكنت في كثيرٍ من المرات أضطر أن أضئ الفنار الصغير ؛ لمساعدة أختي في ترتيب جدولها المدرسي ، قبل مجئ موعد نومها .
******************

ووقعت المشكلة في اليوم التالي ، من حادثة القدم اليسرى ، التي ظلت منتفخة ، وأنا أصرخ ، لأن أخي منعني من إرسال أختي الصغرى لشراء الحليب ، ورفع العصا ، التي من سوء حظي ، تكون دائماً موجودة أمامه وقت حصول أي شجار ، وكما حدث في السنة الماصية ، كسرها هذه المرة على وجهي ، وسالت الدموع ، والدماء ، تغطي عيني اليمنى ، والنظارة مكسور نصف زجاجها على عيني والجزء الآخر تناثر من شدة الضربة .
البكاء والدماء ، التي لم تتوقف وأنا أصرخ ، وهو يحاول أن يمنعني من الخروج من المنزل ، لأنه كان واثقاً أن هذه المرة سأقدم بلاغاً إلى الشرطة .
خرجت بصعوبة ، وهو يهددني بأنه لن يسمح لي العودة إلى المنزل ، وطلبت سيارة تاكسي ، وانهرت ، وأنا أحاول أن أتلاشى نظرة الركاب ، وتساؤلاتهم ، وسألتني امرأة طلبت مني ان أمسح بقية الدم عن وجهي : هل هو زوجك ، الذي سبب لكِ هذه الاصابة ؟
لم أجبها ، وانما ظليت أبكي بصمت ، وقمت بتقديم البلاغ ، وتحملت قلة ذوق مخبرين الشرطة التنفيذية في المدينة ، التي لم أعد أجد لنفسي مكاناً للصراخ فيها !! لم ولن أكره مدينة في حياتي مثلها !
اتصلت بي أختي بعد أن كنت قدمت البلاغ ضد أخي ، ووثقته بتقريرٍ طبيٍ كدليلٍ لاثبات الاعتداء بالضرب .
وصلت أختي إلى حالةٍ يائسةٍ ، وهي تحاول أن تجرني معها إلى منزل العائلة ، بعد ان أخبرت والدتي بأني كنت في مركز الشرطة . وعندما يأست أختي من اقناعي ، قررت أن تخرج من منزلها ؛ لتزور والدتي لمدة أسبوع ، و حزمت أمتعتها هي وابنتيها ، وزوجها ، وتركتني في منزلها دون أي مفتاح ؛ لتمنعني من الخروج في غيابها .
صمدت لأسبوع وأنا أشعر بالوحدة في منزل أختي البارد ، وأنا أنتظر ماذا ستقرره الشرطة في حالة أخي ، الذي تكرر اعتداءه عليّ منذ ما يقارب سبعة سنوات .
صديقي بالمراسلة كان موجوداً ، لمساندتي برسائله ، وظن أحياناً أني أريد التخلي عنه بسبب حالتي النفسية والجسدية المعنفة .
***********
ما انتظرته لم يحصل ، وقد استطاع أخي أن يخرج من الحبس بوساطة له مع الشرطة المحلية في أقل من أربعٍ وعشرين ساعة !
عدت إلى منزل العائلة ، وكم أتذكر وقتها كيف أن والدتي ، وأختي الصغرى إلتزمتا الهدوء في غرفتيهما ، وكأنهما يدّعيان النوم .
عدت إلى منزل العائلة ، وأنا لا أدري أين أخبئ الدموع من وجهي ، الذي شقه أخي فوق عيني اليمنى ، وكسر نظارتي ، وانا أحاول أن أحمي نفسي من العصا ، التي كسرها على جسدي ، وللسنة الثانية على التوالي ...
يأتي إلى غزة الكثير من المتضامنين ، ولم أسمع يوماً أن أحدهم حاول إنقاذ روحاً بائسةً ، وكانت معظم زياراتهم من أجل الدعم النفسي ، وكأنها زيارات استطلاعية لا أكثر ، ولا أقل !
ربما لأني لم أكن مشهورة ، و غنية ، ولم أملك الأصدقاء ، الذين يفكرون بطريقة مختلفة عن والدتي ، وأخي .. خفت أن أتعرض للابتزاز ، وقررت الصمت .
ظل صديقي يلح بأسئلته ، وظليت أنا أعبر عن قلقي له في رسائلي ، ومن خوفي من الشرطة ، التي أطلقت سراح أخي ، ومن قلة فرص العمل ، ومن ثم خوفي من أن تكتشف عائلتي لجوئي إلى المكتبة ؛ لأجعلهم يظنون أن لدي فرصة عمل .
وأنا ما زلت أعيش في غزة ، أصبحت صديقة لصديقي بالمراسلة بالطريقة التي كان يختارها ، ولم أستطع أن أجعله صديقي كما أشاء ، وشعرت حينها بأني ظليت أراسله من على درجات السطح الباردة طيلة فصل الشتاء لكي لا أظل وحيدة .. ولم يكن لدي حينها خيار آخر ، من المكوث في الجو البارد ، وعائلتي تقطع عليّ كابل الانترنت ، لتزيد من محاصرتي وتعجيزي . كأنهم أرادوا أن يطبقوا عليّ صمتهم بحصار آخر ، يفرضونه داخل غربة الوطن .
وظليت مع صديقي لفترة طويلة ، أراسله بعد عودة التيار الكهربي ، الذي كان يؤثر انقطاعه لمدة طويلة على اتصال الشبكة .. وكانت الشبكة ، ورسائله هي النافذة الوحيدة ، التي أخرج منها إلى العالم البعيد ، الذي تمنعني عائلتي ، ثم غربتي من الوصول إليه ، دون أي جراح أو معاناة .
**********
شعرت بالضجر ، وهو يرسل إليّ صورا لأعلام فلسطين ، ومن ثم صور مدينة غزة ، وكأنني لا أعيش في هذه الغربة ، التي كان يأخذ صوراً لها من مجموعات فلسطينية ، ويعيد إرسالها إلي ، لافتة محبة في العلاقة التي لن تتحقق - حسب رغبته - إلا وأنا في هذه الظلمة .
ولاحظت من حديثي معه أن الكثير من المتضامنين كانوا يدعموننا لأنهم كانوا ضد سياسات بلدانهم الرأسمالية ، فكانوا يحاولون مناصرة شعبنا العالمثالثي ، وهم يرسلون إلى غزة قوافل من بلدانهم الحرة ، حتى يمارسوا ضغوطاً على حكوماتهم ..
*****************

أما الرجل الأربعيني فكان رقيقاً ، ودافئاً برسائله ، ولكن ذلك لم يمنع أبداً خوفي من أن يتحقق ذلك الحلم الذي حلمته ، وهو يُقبل امرأة أخرى في المطار !!
وفي كثير من الأحيان كنت أنقطع عن مراسلته لمدة يوم أو يومين ، وذلك بسبب انقطاع التيار الكهربائي ، وخاصة في أكثر أشد أيام الشتاء برودة . وكنت أحياناً أشعر بأنه لا جدوى من انتظاري على ذلك الدرج ، الذي أغرقته الأمطار ، وأنا أحاول أن أصل إلى العالم الافتراضي ، والطيران الاسرائيلي يؤثر على الارسال .
حتى أنه عندما كان يتصل بي على التلفون ؛ حيث كان متاحاً له مكالمة واحدة مجانية كل شهر على فلسطين ، استغل معظم مكالماته ليعبر عن حبه ودعمه لفسلطين ، دون أن يتطرق إلى أي موضوع جدي بيننا ، حتى أني لم أكن أعلم ما كان يجب علي أن أخبره . كلماته كانت تشعرني بالضيق الذي أتجاوزه برغبتي في الحرية المطلقة ، من ظلم العائلة ، وفقر الحال ، وضياع حقوقنا كشعب يملك حق تقرير المصير ! وظننت حينها بتفكيري المتواضع أني اذا سمحت له أن يعبر عن حبه لفلسطين بكل شعاراته عن حاجة العالم لثورة - اشتراكية عالمية - ، فإنه سيساعدني على إيجاد ملاذٍ آمنٍ معه ، بعيداً عن الظلم الذي عانيته منذ صغري ..
وكنت في كثير من الأحيان أربط بخيالي بين صوره التي يرسلها إلى عن فلسطين ، والصور التي سألتقطها معه في بلده الحر ، صور كثيرة رسمتها بخيال امرأة تعيش تحت ظلم العائلة الأبوي ، والقمع السياسي !
لم أدرك يوماً عندما كنت أخبره - خلال مراسلتنا - عن القصف وصوت الطيران الذي يحلق على مستوى منخفض ، بأنه شعر بأي ألم أو خوف ، بل أنه كان دائماً يصر على متابعة الحديث ، وجعلني ذلك أظن أحياناً أنه لا يفكر بالموضوع على الاطلاق .
شعرت بغرابة الأمر وكيف أنه لم يشعر بالظلم أو الخوف الذي كنت أعيش تحته ، وحيدة ومنبوذة في مجتمعي الفقير ، وأعيش تحت تهديد يومي من كل النواحي التي تحيط بي ، وهو ما زال يحافظ على رباطة جأشه ، دون أي محاولة لمساعدتي .
وبدأت أشعر بالضجر من الصور التي كان يرسلها ، دائماً صور عن مدينتي ، وعن الشاطئ ، وعن التراث ، وكأني لست أنا التي تعيش في غزة ، تلك الصور التي كان يحصل عليها من مجموعات تدعم فلسطين ، ثم يعيد إرسالها إلي ، وبدأت أسأل نفسي السؤال نفسه : هل أنا نافذته إلى عالم ضيق ، حزين ؟؟ وهل يضحي وهو يقبل بي ، وأنا التي أعيش في بلد مهمش على الخريطة ، بينما يعيش هو في بلد حر ، جدرانه غير مغلقة الأبواب ؟؟ هل هو من يضحي ، وهو لا يبذل مجهوداً للوصول إلى الشبكة ، بينما أنا المهمشة في مجتمعي ، والمعنفة من أسرتي أنتظر رجوع التيار الكهربي ؛ لأطمئنه أني لم أمت بعد ؟؟
أنا التي كنت أقول قبلها بأني اذا تنازلت أكثر ، وأنا من هي الضحية ؛ فإن ذلك سيؤدي بي إلى التهلكة ، ولكني معه لم أكن سوى امرأة وحيدة كل حياتها تسير بلا أي معنى ، ويتعلق جزء تخفيه عن الآخرين في صندوق أسود ، تضيئه عندما تتحدث إلى رجل يكبرها أكثر من عشرين سنة في العالم الافتراضي . لم أجد أكثر منه وقاحة عندما كان يخبرني أنه كان يوزع مناشيراً لدعم فلسطين في مظاهرات ضد الاحتلال ، في مدينته البعيدة ، وأنا كنت أراجع ذكريات طفولتي الحزينة ، التي كنت أبكي فيها آلاماً، و وحدتي أكثر من أشعر بالانتماء لهذه البلدة التي قزمتها عائلتي ، وقادة باعوا بلدي ، ومن ثم النافذة التي يطلقون عليها العولمة التي لا أحصل منها على أي شئ سوى مزيدٍ من الصور !

النهاية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
مجدى زكريا ( 2012 / 7 / 16 - 10:07 )
عزيزتى سونيا
انت فى مأساة حقيقية قلبى معك
لا تدعى هذه الامور تدمرك تماما
صراحة انى خائف عليك بعد قراءة مقالك
وبالاكثر خائف عليك ليس من الذين حولك بل من نفسك
نصيحتى
تصالحى مع نفسك اولا ثم تصالحى مع المحيط الذى حولك
مالا تسنطيعين تغييره فأقبليه مؤقتا
حتى تصير الامور اكثر احتمالا بالنسبة اليك
وهناك اقتراح
لماذا لا تلجئين الى مصر
لكن يجب ان تعرفى وتثقى فى اشخاص يساعدوك
حتى لا تقعى بين الذئاب


2 - شكرا على تعليقك
سونيا ابراهيم ( 2012 / 7 / 16 - 12:56 )
عندما تترك العائلة ، والمجتمع ، والوطن المرأة دون دعم أو أدنى حقوق ، وتتحول مؤسسات المجتمع المدني ، لكي تغطي على جرائم المؤسسات والقوانين التشريعية ، فانه يجب عليك أن تخاف على المجتمع باسره !


3 - شكرا لك عزيزي
سونيا ابراهيم ( 2012 / 7 / 16 - 13:02 )
كل من طلبت مساعدتهم ، وهم العادة صحافيات أو كاتبات ، كن قد هربن إالى الخارج ، بعد مشكلة الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني ، ومنهن من كن لديهن مشاكل مع عائلتهن بسبب بعض ما يكتبنه ، والاخريات كانت لديهن مشاكل مع حكومة حماس ..حالتي صعبة وأنا في غزة ، لا استطيع حتى أن أكتب بإسمي الحقيقي ..
أشكر اهتمامك ,,


4 - شكرا لك عزيزي
سونيا ابراهيم ( 2012 / 7 / 16 - 13:03 )
كل من طلبت مساعدتهم ، وهم العادة صحافيات أو كاتبات ، كن قد هربن إالى الخارج ، بعد مشكلة الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني ، ومنهن من كن لديهن مشاكل مع عائلتهن بسبب بعض ما يكتبنه ، والاخريات كانت لديهن مشاكل مع حكومة حماس ..حالتي صعبة وأنا في غزة ، لا استطيع حتى أن أكتب بإسمي الحقيقي ..
أشكر اهتمامك ,,

اخر الافلام

.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب


.. حماس: لن نتنازل عن مطلب الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة




.. لأول مرة منذ بدءِ الحرب على غزة.. الولايات المتحدة توقف شحنة


.. من يكسب ثقة ترمب بعد اختلافه مع نائبه السابق مايك بنس؟




.. قصة ستورمي دانيلز.. اتهامات لترمب بعلاقات مشينة