الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة زعيم يُسمى عبد الكريم

حيدر محمد الوائلي

2012 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



في أحد صباحات العراق الماضية، الخالية والفارغة إلا من الظلم والجور والسياسات الفاسدة...!!
في صباح 14/تموز/1958 لم يكن يوماً عادياً فقد كان يوماً شاهداً على العراق والعراقيين أن جائكم زعيم الفقراء، وشعاره أن (لا) لزعيم الفاسدين و(لا) لزعيم الظالمين، و(نعم) لزعيم الفقراء...
في أحد صباحات العراق المليئة بالقيح والدم جاءت صوتٌ من الأفق أن جاءت فسحة أمل في الزمن الصعب فقد جاء عبد الكريم...
زعيم فقير وبسيط يحكم بلد غني، ويبقى على بساطته وفقره، هذا زعيمٌ عجيب...!!
زعيم ساهم بنقلة كبيرة في المشاريع الخدمية والعمرانية والمعيشية في جميع مدن العراق حيث له ولليوم وبعد عشرات السنين على رحيله هناك له بصمة وأثر عمراني في كل مدينة من مدن العراق، فهو جاء من أجل ذلك لا من أجل السلطة والتقاتل عليها ولو كان كذلك لما أنصفه التاريخ وذكره بخير.

إذكرولي زعيماً حكم العراق الحديث وذكره التاريخ بخير مثلما ذكر عبد الكريم الذي دخل السلطة براته، وخرج منها بنفسه وبجيبه بخس دراهم معدودة كانت هي جميع ما يملك...!!
لا أرصدة بنوك لا سرية ولا علنية، والغريب أنه مضى ولم يكن بإسمه داراً يسكنه، فقد قضى سنين حكمه بدار أخيه، يطبخون له الأهل بقدر (سفري) بسيط...!!

سموه الناس (زعيم الفقراء) و(الزعيم الأوحد) و(الزعيم) و(أبو أذان)...!!
ولأبو أذان قصة لابد أن تُذكر ففيها شجون...
يُحكى أن امرأة كانت تلملم بطابوقات لبناء بيت العائلة الواقع في أحد الأحياء المنسية المعزولة في بغداد وهي مدينة الثورة الحالية –مدينة الصدر-، وكانت مدينة الثورة لم تبنى بعد، وصادف أن مرّ موكب الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة والمتكون من سيارة واحدة وربما سيارة تتبعه لحماية منزله...!!
فلفت انتباه عبد الكريم تلك المرأة فأمر بإيقاف الموكب الرئاسي (سيارتين) وترجل ليسأل المرأة حول ما تفعله بتلك الطابوقات في تلك الساعة وفي ذلك المكان المتروك...؟!!
ولم تتعرف عليه المرأة فلقد كان الزعيم عادياً كبقية الناس فنهرته عندما سألها حول ما تفعله...!!
فطلب منها الزعيم بهدوء وتروي توضيحاً...!!
فردت عليه (كفيان شر ملة إعليوي) قائلة له: (يكولون أبو إذان راح يبني هاي المنطقة)...!!
تقصد بأبو إذان عبد الكريم قاسم حيث الحقيقة تقال أن للرجل أّذنين بارزتين وفي العراق من يكون شكله كذلك فيسمى على الفور أبو إذان...!!
ضحك الزعيم ملأ فاه وقال لها بالنص : (أبو إذان إذا كال شيء يسويه)...!!
وإنصرف عبد الكريم وهو يضحك ضحكاً عالياً وحتى حين تحرك موكبه فلم يكف عن الضحك المستمر لوصف المرأة إياه (أبو أذان)...!!
هذه القصة رواها سائق عبد الكريم قاسم الشخصي.
وبالفعل حوّل الزعيم بأصراره المعهود تلك المنطقة المتروكة لأكبر تجمع سكني في بغداد، ولازالت لليوم يشكل ساكنيها حوالي ثلث سكان العاصمة بغداد أو أكثر...

زعيمٌ قتلته الوحوش البعثية في يوم أسود وبحثوا عن شيء ليلطخوا بها سمعته في وسائل الأعلام فعجزوا عن ذلك...!!
فتشوا في رصيده من الأموال فوجدوه لا يملك سوى راتبه...!!
فتشوا في درجه وملفاته الشخصية عن مؤامرات وتامر على الشعب وصفقات سرية فلم يجدوا...!!
بحثوا عن ليالي حمراء يقضيها مع غانيات وأموال تبعثر في السهرات، كأكثر الزعماء والقادة فلم يحصلوا على شيء...!!
فبُهتوا بهتاناً مبيناً...!!

تخيلوا أن القائد العام للقوات المسلحة العراقية ورئيس الوزراء وقائد الثورة وراتبه راتب زعيم عسكري (عميد) ولم يتقاضى غيره...!!
تخيلوا زعيماً لدى مقتله بحث البعثيين في جيوبه فلم يجدوا سوى دينارين وهي بقايا راتبه الذي هو كل ثروته...!!
تخيلوا قائداً لم يملك بيتاً لنفسه وقضى فترة حياته متنقلاً من مكتبه في وزارة الدفاع وبيت أخيه الذي إتخذه مسكناً...!!
تخيلوا أن زعيماً قام بثورة وهو رافض لإراقة الدماء ولقد تندم ندماً شديداً على مقتل الملك الراحل فيصل الثاني والعائلة الملكية ورئيس الوزراء نوري سعيد وأبدى ندمه لمّا سألته أمه وعاتبته عن قتله (للسيد) وتقصد الملك فيصل الثاني، فدمعت عين عبد الكريم موضحاً أن الناس من فعلت وليس هو من أراد ذلك، ولم يأمر بذلك...!!

تخيلوا زعيماً يأكل في مائدة رئاسية في مطعم رئاسي في حي فقير من أحياء بغداد يرتاده الفقراء والجنود وأكلته المفضلة هي (الباجة)...!!
وللباجة قصة لابد أن تُذكر ففيها شجون...
في أحد الأيام كعادته دخل ذلك المطعم الشعبي وكان فيه بعض الجنود (أبو خليل) ودخل القائد العام للقوات المسلحة ليأكل حاله من حالهم، فأرتبك الجنود فطلب منهم أن (ياخذون راحتهم) ولمّا أكل الباجة قال مخاطباً من كان في المطعم من جنود والناس (اليوم مستلم راتب وحسابكم واصل)...!!

عاش عبد الكريم عيشة الفقراء، ومات ميتة الفقراء، فأحبه الفقراء...!!
كان يداري الناس فهو جاء من أجلهم حيث قوله الشهير: (قمت بالثورة من أجل الناس)...
لم يعرف أحداً ما هي عشيرة عبد الكريم قاسم ولمّا سأله أحدهم وأبدى أهتمامه بالعشيرة والمحاباة فقام الزعيم بإقالته على الفور لأنه أحس منه ميلاً لأهواءه الشخصية على حساب سلطة الشعب فالمسؤول في تظر الزعيم في خدمة كل الناس أجمعين...
لم يكن عبد الكريم حزبياً رغم كون عهده ملتهب بحماس الشيوعيين وهوس القوميين وطمع البعثيين...

لم ينقطع عبد الكريم عن رجال الدين المتنورين ويأخذ بنصيحتهم ولم يزرهم للدعاية ولأخذ الصور التذكارية، ولقد قيل: (إذا رأيت العالم على باب الحاكم فقل بئس العالم وبئس الحاكم، وإذا رأيت الحاكم بباب العالم فقل نِعم العالم ونِعم الحاكم).

عاش عبد الكريم من أجل الناس وقام بالثورة من أجلهم وقتلوه وهو يصرخ بحياة الجماهير...
تواضع وكان بسيطاً ويحب الجميع ويقضي حوائج الناس، فأحبه الناس...
بل حتى صفح وعفا عن قاتليه المجرمين وهو القائل (عفا الله عمّا سلف) ولكنه عفا عن وحوش لم يأخذوا درساً من تلك الروح الجميلة لعبد الكريم ليعودوا فيقتلوه شر قتله ومن من...؟!
من قبل زميله عبد السلام عارف الذي عفا عنه عبد الكريم رغم حكم الأعدام الصادر بحقه ثلاث مرات...
يعفو عنه ثلاث مرات لتامره، ويقتله من اول فرصة سنحت له...!! يا للعار...!!

عبد الكريم روح خير بين وحوش شريرة، ورفض أن يتقاتل الناس من أجله لكراهته إراقة دماء الناس فقضى نحبه وهو صابر وينادي بحب العراق، وبشعار نفط العراق للعراق، فحاربته الدول العظمى وغضبت عليه...

رحمك الله يا زعيم الفقراء العادل، في يومٍ عز في الرجال...!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لن ينساة التاريخ
هوزان خورمالى ( 2012 / 7 / 16 - 23:37 )
رحمة اللة وليكتب التاريخ لة وماعلية

اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي