الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كره الحبّ عند العرب خواطر بمناسبة عيد الحبّ

رجاء بن سلامة

2005 / 2 / 12
العلاقات الجنسية والاسرية


طالما تغنّى الرّجال العرب بالعشق في أشعارهم وأخبارهم، ولكنّهم لم يفقدوا في الواقع عقولهم وبوِصلاتهم، ولم يتغنّوا أبدا بعشقهم لزوجاتهم، لأنّ الزّوجة يجب أن تبقى خاضعة لقوانين النّكاح التي تحدّدها الشّريعة، لا لقوانين الحبّ الذي لا يكاد يكون له قانون، كما تقول أغنية كارمن الشّهيرة : "الحبّ ابن للبوهيميّين، لم يعرف أبدا القوانين"...
وقوانين الشّريعة نعرفها، ولن نتردّد في قول الحقيقة عنها رغم كثرة ما يقرع أسماعنا في كلّ مكان وكلّ منتدى وكلّ بوق إعلاميّ من شعارات، وكثرة لجوء أنصارها من الجبناء إلى البريد الألكترونيّ، يخفون خلفه أسماءهم ليرسلوا شتائم لا تفضح إلاّ قصورهم الفكريّ والأخلاقيّ. إنّ شعارات "الإسلام كرّم المرأة"، و"الإسلام ساوى بين النّساء والرّجال"... ممّا ينطبق عليه المثل الشّعبيّ : "معيز ولو طاروا". أي أنّ الإسلام كرّم المرأة وساوى بينها وبين الرّجل وإن اعتبر الرّجال قوّامين على النّساء، وإن أمر الزّوجة بطاعة زوجها وأباح للزّوج تأديب زوجته تأديبا يصل إلى الضّرب، وأباح له تطليقها والزّواج بغيرها إلخ...
الشّريعة الإسلاميّة، شأنها شأن أغلب الشّرائع القديمة، لم تكرّم المرأة، بل "كرّمها" الشّعر والغزل : أنطقها عمر بن أبي ربيعة ومدحها، وشبّهها بشّار بن برد  بأصنام الجاهليّة، ووله بها العذريّون وأخطأوا في صلاتهم من أجلها، وبكوا حبّا وهم يحاولون الصّلاة لخالقهم... ولكن، عموما، عندما "كرّم" الشّعراء المرأة فقدت صفاتها باعتبارها جسدا وموضوعا للرّغبة : أصبحت لها صفات اللّه باعتباره الآخر المطلق الغيريّة، أو التبست بوجه القانون المخيف : يضغط القانون بسلطته على العاشق ليحوّل متعته إلى متعة مازوشيّة بامتناع المتعة، أو تضغط صورة الأمّ، وهي "المرأة الأولى" حسب التّحليل النّفسيّ، لتجعل الحبيبة، أي "المرأة الأخرى"، مستحيلة ممنوعة، وتجعل الحبّ تأثّما وتفنّنا  في الألم وعجزا عن الحبّ... ولذلك، فباستثناء بعض الإشراقات المعزولة، كان العشق حبّا مكفهرّا مريضا على نحو ما سبق أن بيّنه الصّادق جلال العظم بطريقة شيّقة ومبسّطة.
ولكنّ الحبّ يتناقض مع الإيديولوجية الفحوليّة التي تنبني على السّيطرة لا على فقدان السّيطرة، ولذلك بدأت النّرجسيّة الفحوليّة تتنامى على نحو ما بيّنته في كتابي المتواضع عن "العشق والكتابة"* : بدأ الحطّ من شأن العشق، بعد قرون حافلة بدواوين الغزل وكتب العشق وخرافات العشّاق. ففي القرن العاشر سخر المتنبّي من الغزل وفضّل المطيّة على المرأة، والرّحلة عبر الصّحراء على الحبّ، وفي القرن الثّاني عشر اعتبر الإمام الغزالي النّكاح سبيلا إلى "كسر الشّهوة والإنجاب"، واعتبر العشق ضلالا وتدهورا و"مرض قلب فارغ لا همّ له..." وفي القرن الثّالث عشر كتب ابن الجوزيّ كتابا في "ذمّ الهوى"، وفي القرن الرّابع عشر، ولأوّل مرّة في تاريخ كتب العشق عند العرب، نسب مغلطاي العشق إلى النّساء...
إلى أن نصل إلى اليوم : إلى هذه العباءات السّوداء التي تحوّل النّساء إلى دويبات أرضيّة لا وجه لها، أو تحوّلهنّ إلى كتل من اللّحوم التي تمّ بيعها في المزاد القبليّ, وهذه الخمارات التي تنشر حنينا مرضيّا إلى الأكفان البيضاء والجثث الملفوفة والقبور المجصّصة...
أجساد المحجّبات لو تأملّتموها لقرأتم عليها اللاّفتات الموالية : ممنوع الغزل، ممنوع الحبّ، ممنوع النّظر، ممنوع اللّمس... وإن كان شيء من هذا مسموحا به، فمن خلف الحجاب، وتحت شعار "وإن عصيتم فاستتروا"، أو تحت شعار : إن عصيتم، فلا تتركوا أحدا يعصي من بعدكم...
واليوم، ورغم كلّ خطط مقاومة الإرهاب ومنتدياته ومؤتمراته، يظلّ فقهاء الإرهاب ذوي صولة وجولة في كلّ ما له صلة بالنّساء والرّجال والحبّ والكره والجنس.. ويطلّ عبدة تانتوس (إله الكره والموت) من الوهّابيّين، وممّن يتشبّه بالوهّابين، ليفتوا في إيروس وشؤونه وليحرّموا الاحتفال بعيد الحبّ، حتّى يبقى الرّجل قوّاما وتبقى المرأة هذا الكائن الذي لا يكاد يستحقّ الحياة، ولا يكاد يستحقّ الظّهور، وتنبعث من جسده رائحة الجحيم والطّين المسنون.
واليوم يبلغ البؤس الجنسيّ والعشقيّ عند العرب المسلمين هذا الحدّ : مثقّفوهم ومستنيروهم يطالبون بتقنين ونمذجة هذا النّوع من البغاء الذي يسمّى بـزواج المتعة، والضّالعون منهم والضّالعات في قضيّة المرأة، والنّاشطون منهم والنّاشطات في حقوق الإنسان، والمثقّفون الأحرار والمثقّفات يلوذون بالصّمت عندما تذكر أمامهم بداهة حرّيّة الإنسان الرّاشد في إقامة العلاقة التي يريد مع من يريد، وبداهة حقّ الإنسان في أن يكون سيّد جسمه وقلبه ووجهه ويده ولسانه.
وهؤلاء جميعا، لا تكاد تجد منهم واحدا يترك الخوض في الحجاب والخمار والحلال والحرام ليقوم بأنشطة بسيطة جدّا : مدح جمال الوجه العاري والشّعر العاري، وذكر محاسن الملابس القصيرة اللّطيفة التي لا تشوّه الجسم و لا تعوقه عن الحركة، وذكر قبائح الحجاب والجلباب والنّقاب والخمار، وذمّ إهانة النّساء يتحويلهنّ  إلى ناقلات لشعارات الهويّة، ولافتات للموانع القبليّة.  
                                                
rajabenslama@yahoo,fr

* "العشق والكتابة : قراءة في الموروث"، كولونيا، دار الجمل، 2001.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريهام بالشيخ وهي حرفية في تقطير الزهر والعطرشية والورد


.. رانيا منصور واحدة من نساء محافظة نابل




.. تمثال نهضة مصر


.. بالرغم من مشقته وصعوبته للمرأة الدور الكبير في موسم الحصاد




.. حراك الماء رمز يعكس هوية تاريخية لنساء فكيك