الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذابح بورما .. هل هي حقيقية ؟!

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2012 / 7 / 16
حقوق الانسان


يتداول الكثيرون على مواقع الفيسبوك ومنذ أشهر عدة صورا لمذابح مروعة، يقولون أنها بحق المسلمين في بورما، وفي ذيل كل صورة طلبٌ لنشرها وتعميمها، مع تعليقات متنوعة تنادي بالثأر للضحايا، ووقف أعمال التطهير العرقي، وإدانة حكومة بورما وشعبها البوذي .. شخصيا لم أتفاعل مع هذه الحملة الدعائية الموجهة، لسبب واحد بسيط هو أنني لم أصدقها؛ وقد أثارت في نفسي العديد من التساؤلات، وانتظرت كثيرا حتى أتبين الحقيقة، قبل أن أعلق عليها.

قد تكون هناك في إقليم ميانمار أحداث شغب، أو أعمال عدوانية ذات طابع عرقي أو طائفي، أو صراع على السلطة، أو مطالب شعبية جوبهت بالقمع والتنكيل ... وهذه تحدث كل يوم، وفي مختلف بقاع العالم، وعادة يتم تغطيتها إعلاميا، ويتجاوب معها المجتمع الدولي بصورة أو بأخرى. لكن من الصعب التسليم بأن مذابح مروعة تجري بحق المسلمين هناك، وقد تجاوز عدد القتلى الخمسين ألف، ومنهم من يقول المائة ألف .. ولم تقم أي وكالة أنباء محترمة بنقل أي خبر عن هذه المذابح المزعومة !! وكل المعلومات التي بحوزتنا مصدرها مجهول، وهي غير موجودة إلا على شبكة الإنترنت وصفحات الفيسبوك، وحتى الصور المنشورة، يُلاحظ أن مصدرها الإنترنت، ولم أجد صورة واحدة موقعة باسم مصورها، أو باسم وكالة أنباء معروفة، وهي صور غير واضحة، ومجتزأة. وبعد البحث تبين أنها التقطت لأحداث أخرى جرت بعيدا عن بورما، منها صور لزلزال هاييتي، أو لكوارث حصلت في الصين وغيرها.

المعلقين على الصور يلعنون المحطات الفضائية ووكالات الأخبار والصحف والصحافيين على تقصيرهم، أو على تواطئهم مع عمليات التعتيم الإعلامي، ويتهمون الغرب (أمريكا، ومنهم من يتهم الصهيونية) بأنهم السبب في هذا التعتيم، وإخفاء الحقيقة عن الناس !! ولكن هل من المعقول أن أمريكا قادرة على منع كل صحافيي العالم من تغطية خبر بهذا الحجم ؟! ولماذا سيهتم الغرب بتقديم الغطاء للحكومة البورمية وتشجيعها على ارتكاب هذه المجازر ؟ وهل فقد العالم فضوله لمعرفة الأخبار ؟ وهل فقد كل صحافيو العالم أمانتهم المهنية ؟ بل وفقدوا طموحهم في الحصول على سبق صحفي ؟! علما بأن جميع المجازر وحتى الأحداث الصغيرة الأخرى يتم نقلها للعالم فور حصولها. فلماذا ستكون بورما استثناء عن القاعدة ؟!

وما حدث في بورما باختصار، أن أصل الصراع هناك عرقي أكثر منه طائفي، وهو محصور في ولاية اسمها "راكين"، بين مسلمين من أصول بنغالية يطلق عليهم "الروهينجا" يتركزون في الشمال، وبوذيين من عرقية "الراكين" يسكنون جنوب الإقليم، وحدث أن قام ثلاثة مواطنين من الروهينجا باغتصاب فتاة بوذية وقتلها، فقام البوذيون بالثأر لها بقتل عشرة من المسلمين، فاندلعت أعمال شغب عنيفة متبادلة، أدت لمقتل ما يقارب خمسين شخصا من الطرفين، بالإضافة لحرق بيوت ومساجد ومعابد بوذية، ما دعى الحكومة لإعلان حالة الطوارئ لتطويق الأحداث.

وفي خلفية المشهد يظهر أن مسلمي الإقليم (الروهينجا) وعددهم نحو 800 ألف مواطن محرومون من حقوق المواطنة، ومضطهدون وممنوعين من السفر، وتتعامل الحكومة معهم كلاجئين، وهم يحاولون الهجرة إلى بنغلادش منذ زمن، لكن الحكومة البنغالية ترفض استقبالهم. خلافا لبقية مسلمي بورما الذين يزيد عددهم عن الستة ملايين، ويتمتعون بحقوق كاملة، ويتعايشون بسلام مع بقية الطوائف.

والحقيقة أن حال الروهينجا لا يختلف شيئا عن كثير من الشرائح الاجتماعية والإثنية في البلاد العربية، والذين يسمونهم "البدون"، فضلا عن الأقليات التي يتهددها خطر الانقراض، بالإضافة لمئات الآلاف من الضحايا الأبرياء الذين قتلوا ظلما في حروب طائفية جرت رحاها في البلدان العربية، والأولى أن يتم التركيز على مثل هذه الظواهر التي تعد فضيحة إنسانية على جبين الحكومات العربية وكل القوى الطائفية.

ونحن طبعا، ضد اضطهاد أي إنسان، أو تعذيبه أو حرمانه من حقوقه، وندين بأشد العبارات قتل أي إنسان مهما كانت ديانته أو عرقه. لكن تضخيم المأساة التي حصلت في ميانمار يدل على أن هناك من يريد صرف الأنظار عن قضايانا الحقيقية، وتشتيت الجهود بعيدا عنها، والتعتيم على ما يحدث في المنطقة، وكأنهم يريدون لنا أن ننسى أن فلسطين ما زالت محتلة، وأن شعب سوريا يُذبح، وأن العراق بات كومة أنقاض، والسودان تم تقسيمه، وأمريكا تعربد في المنطقة بلا حسيب، وأن مشروع الربيع العربي موشك على الفشل ..

ومع ذلك، فهذا لا يعني أنه لا توجد مشكلة في بورما، أو أنها انتهت تماما، فالمستقبل يحمل كل الاحتمالات، ولكن ما كشفته قصة بورما، أن هناك من يسعى دوما لخلق حروب افتراضية، الأعداء فيها افتراضيون، وهم عادة بعيدون، وأسهل منالا من العدو الحقيقي القريب منا جدا. والحقيقة المؤسفة الأخرى التي كشفتها أن مجتمعنا ما زال عاطفيا، يسهل تجييشه في مثل هذه الحروب الوهمية؛ ذلك لأن البعض يصدق كل شيء بسهولة، والبعض الآخر يتساوق مع مثل هذه الأهداف، وحتى بعض المثقفين لا يدركون أن الكلمة والخبر أمانة ومسؤولية، ويتوجب الحذر والتيقن قبل نشرها. لكن المأساة أن صفحات الفيسبوك هي الساحة المثلى لنشر الأباطيل، والحقائق على حد سواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مذابح قديمة متجددة بتواطؤ دولي
يوسف سلامه ( 2012 / 7 / 16 - 21:39 )
http://ar.arakanonline.com/
هذا موقع ميانمار العربي لمن يبحث عن الحقيقة


2 - كلام جميل
هوزان خورمالى ( 2012 / 7 / 16 - 22:02 )
عاشت ايدك كلام جميل ومنطقي شكرا لتوضيح وعلية ان ارسل خبرك با امانة لمن متوهم بجرائم بورما


3 - اقلام مسمومة
بورما ( 2012 / 7 / 17 - 16:51 )
لم يجد ادعياء الانسانية المزعومة اعداء الدين كامثالك سوى التضليل والتدليس
لا لشيء سوى ان الضحايا من المسلمين والقتلة الاشقياء على غير ملة
هذا الحقد الاعمى على الاسلام وخيانتكم العظمى لامتكم لن يطول وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون


4 - الصديق عبد الغني سلامة المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 7 / 17 - 17:07 )
تحية وتقدير
شكرا على هذه النافذه التي فتحتها على مشكلة قديمة يُراد لها ان تتحول الى قضية لتنبيه اخرين
الغرض نفس غرض احتلال افغانستان وتركيز التطوع لمحاربة العدو الملحد وتوجية الانظار عن قضية المنطقه الملتهبة قضية الشعب الفلسطيني البطل
انهم يريدون من هذه القصة ربما الصين والشيشان وسننتظر القادم من التطورات
اكرر التحية لك اخي وصديقي الغالي


5 - لست معك
بورماااا ( 2012 / 7 / 17 - 18:22 )
أخي العزيز بما أنك تقول أنه لا يوجد مصادر لكل ما ينشر فكيف تناقد نفسك وتنشر بنفس الموضوع وبقصه مختلفه أين مصادرك؟؟؟؟

معلوماتك معظمها غير صحيحه مثلا فالروهينجا ليسو فقط من أصول بنغاليه أقليه منهم من أصول بنغاليه

((العجيب في الأمر هو أن أكثر المسلمين الاركانيين ينحدرون من أصول عربية حيث يعود نسبهم إلى المسلمين في اليمن والجزيرة العربية وبعض بلاد الشام والعراق والقليل من أصول فارسية. ويوجد أيضاً عدد آخر ولكن أقل بقليل من أصول بنغلاديشية وهندية)) من ويكيبيديا والمصدر http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%85%D8%A7

((كلمة -روينجية- مأخوذة من -روينج- -اسم أراكان القديم- وتطلق على المسلمين المواطنين الأصليين في أراكان، وهم ينحدرون من الأصول العربية والمور والأتراك والفرس والمنغول والباتان والبنغاليين)) من ويكيبيديا
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%86%D8%AC%D9%8A%D8%A9

http://en.wikipedia.org/wiki/Rohingya_people

أنا معك فقط بنقطه أن معظم الصور ليسه من بورما أما غير ذالك فأنت تحاول كتابت مقال فقط للكتابه واظهار انك مثقف ولا تنحدر وراء اي معلومه وتأتي بالعكي


6 - هلا بالصديق عبد الرضا
عبد الغني سلامه ( 2012 / 7 / 17 - 21:27 )
أخي وصديقي عبد الرضا
شكرا على تفضلك بالتعليق
بالفعل ذكرتنا بأيام الحرب الأهلية في أفغانستان والتي أصبحت حينها القضية المركزية للعالم الإسلامي والأمريكي
ثم تبين أنها لم تكن أكثر من صراع على السلطة بين قوى قبلية موغلة في التخلف
طبعا نحن ضد قتل الأبرياء والمدنيين في بورما وغيرها ولكن لا نسمح بتأجير عقولنا وتصديق كل ما يقال
الدول العربية فيها ممارسات عنصرية ضد فئات من الشعب أكثر بشاعة وخسة مما يتعرض له مسلمو بورما، وعلينا أن نخجل من مهاجمة الآخرين قبل أن ننظف أنفسنا من هذه الممارسات
اللاإنسانية
تقبل محبتي واحترامي


7 - سبب المشكلة .. وأصل العلة ؟
سرسبيندار السندي ( 2012 / 7 / 19 - 19:43 )
بداية تحياتي لك ياعزيزي عبدالغني سلامة وتعليقي ؟

1 : إن سبب المشكلة هو قيام ثلاث شبان من مسلمي الروهينجا بإغتصاب فناة بورمية بوذية فقام أهل الفتاة بالهجوم على من فعلو ذالك وقتلوهم ، فقام المسلمون بالهجوم على قرى البوذيين وقتلو سبعة منهم وحرق قراهم فكان ما كان ؟

2 : لماذا يخرس لسان المسلمين عندما يقوم أتباعهم من جحافل الغوغاء والإرهابيين بسلب ونهب وخطف بنات وأبناء ألأخرين وتفجير دور عبادتهم ومساكنهم وحتى منهم مسلمين معتدلين ، هل يضنون أن عالم اليوم أعمى وأخرس لايرى ولايقوى على التمييز والكلام ؟

3 : تساءلي لكل ذي ضمير من الذي أنقذ مسلمي البوسنة والهرسك من أيدي الصرب ، فلولا الغرب وقواته لما كان لمسلمي البوسنة والهرسك اليوم من وجود ، والسؤال هل يشكر المسلمون الغرب على ذالك ، طبعا لا لإنهم معتادون على الغدر والخيانة ونكران الجميل بدليل الواقع والتاريخ وبدليل جعل البوسنة والهرسك اليوم ملاذ أمن لفلول القاعدة والإهابيين المسلمين ، علما أن مسلمي البوسنة والهرسك ماهم إلا بقايا من الغزاة ألأتراك ؟

4 : ويبقى السؤال ألأهم ، هل حلال عليكم ذبح وقتل وتشريد وترويع ألأخرين ، وحرام عليهم ، سلام ؟