الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وعيد المرسي ومآله القريب

مصطفى مجدي الجمال

2012 / 7 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في توقيت مبكر جدًا عن سابقيه بدأ محمد المرسي نفس مسيرة السادات ومبارك.. في البداية كان الادعاء بسعة الصدر واحتضان الكل.. إلى آخر التوصيفات التي يدبجها كتاب خطابات الرئيس حتى يقدموه في صورة مصقولة وملساء لرئيس واسع الأفق رحب النفس.. وفي العادة كانت أنياب الرئيس تظهر بعض فترة لتهدد وتمزق المناوئين لسلطانه..

لكن يبدو أن الطريقة المشكوك فيها التي نالت بها جماعة الإخوان المسلمين منصب الرئاسة (ضغوط أمريكية ودعاية دينية ورشاوي انتخابية وتزوير صريح ومغطى..) وبفارق ضئيل جدًا، مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وتداعيات الصراع مع المجلس العسكري على ساحة القضاء.. كل هذه الأزمات والاحتقانات جعلت الرئيس الجديد يفقد أعصابه مبكرًا..

سيسجل التاريخ أن خطبته بالكلية الحربية كانت الطلقة الأولى في مسلسل الوعيد والتهديد المتصاعد الذي ربما يصل قريبًا إلى اعتقالات، وربما حملات تأديب للمعارضين على أيدي ميلشيات الإخوان، والسلفيين أيضًا إن استمر شهر العسل بين الجماعتين.

قال المرسي صباح 17 يوليو: (أقول للذين يتطاولون ويجرحون الناس، وهم عدد قليل جداً، وهم من أبناء مصر ولهم كل الحقوق، أقول لهم "لا يغرنكم حلم الحليم". إننا يمكن بالقانون، وبالقانون وحده أن نردع، ولكنني بكل الحب أفضل علي ذلك وقبل ذلك الحب والألفة والعود الكريم إلي الحق)- انتهت الرسالة التهديدية.

وبتحليل هذه العبارة المصوغة بعناية سنجد أولاً كلمة "المتطاولون"، وهي ترمي إلى رفع مكانة الرئيس والتحقير من منتقديه، رغم أن المعارضين فيهم قامات عالية جدًا يندر أن يكون في جماعة الإخوان المسلمين من يدانيها.

ثم تأتي المفارقة من وصف هؤلاء "المتطاولين" عليه وعلى جماعتهم بأن "عددهم قليل جدًا".. فإذا كان هذا صحيحًا فما الذي يزعج رئيس الجمهورية منهم؟ نحن هنا بين احتمالين لا ثالث لهما: إما أنه لا يقول الحقيقة وعددهم بالفعل كبير جدًا أو مرشح للزيادة الكبيرة، وإما أن تأثيرهم- على قلتهم- كبير جدًا، وهذا ينفي الادعاء الأول بأنهم "يتطاولون"، وإنما هم في الحقيقة في المكانة الأعلى.

المشكلة الحقيقية للمرسي وجماعته على مستوى ممارسة السلطة، وبالأحرى السلطوية، أن الأجهزة الأمنية ليست موالية له "بما فيه الكفاية"، ومن ثم هي لن تكون مرحبة بأن تكون أداة في يد مكتب الإرشاد الإخواني لملاحقة خصومه السياسيين.. كما أن المرسي لا يستطيع النزول فورًا بجحافل من ميلشيات الإخوان- المسلحة أو العزلاء- قبل عام أو عامين مثلاً، لتأديب الخصوم السياسيين أو قمع التحركات الطبقية.. فأقصى استخدام لها سيكون لحماية منشأة رئاسية أو نيابية أو..، أو لتنظيم المرور والإشراف على جمع القمامة وحل المنازعات اليومية في الشارع، وإن كانت ميلشيات السلفيين قد تسرعت بالنزول إلى الشارع لفرض "مكارم الأخلاق"..

وبالطبع لن يقف الجنرالات في الجيش متفرجين على مرسي إن لجأ إلى هذا النوع من الحلول.. أما تهديده باللجوء إلى القانون فهو يتناقض مع الصراع المتفجر بين جماعة الإخوان والكثير من أعضاء الهيئات القضائية الذين تتهمهم جماعة الإخوان بالانتماء "للدولة العميقة".. أي أن تهديد المرسي هذا باللجوء للقضاء "فشنك" فيما يظهر..

غير أن اللفتة الأخطر في خطابه قد وردت فيما بين السطور، وفحواها محاولة إضفاء نوع من الحصانة أو القداسة على منصب الرئاسة، فأي نقد له يمكن اعتباره تطاولاً، وهكذا فهو ينزلق أو يتوجه بإرادته وإرادة جماعته نحو النهج المباركي الكريه، أو نحو النهج المتمسح في الدين الذي يريد أن يجعل من الحاكم شخصًا غير مقبول المساس به..

أظن أن المشكلات الضخمة التي تنتظر المرسي كي يحلها لا يمكن أن تحل في سنوات، بينما هو تسرع في دعايته وتحدث عن مائة يوم.. كما أظن أن رهانه على قدوم الدول الخليجية وتركيا باستثمارات ضخمة إلى جانب جزء من المحفظة الاستثمارية للتنظيم الدولي للجماعة، لدعم نظام حكم الإخوان لن يتحقق في أمد قريب، وإن تحقق فلن يكون قادرًا على حل سريع لمشكلات الاقتصاد المصري المستفحلة.. خاصة وأن طبيعة هذا النوع من الاستثمارات يميل إلى التوجه لقطاع الخدمات، وخاصة المضاربات المالية والعقارية..

أما رهانه على الولايات المتحدة فمحدود الفعالية، بسبب الأزمة المالية العالمية وما تفرضه على أحجام ومقاصد المعونات، وربما تزايد القلق في الدوائر الغربية من "مغامرات" الولايات المتحدة مع "حركات وحكومات الإسلام المعتدل".. كما أن الانخراط الأمريكي الأكبر مع الإخوان سيتطلب من الإدارة الأمريكية ترضية إسرائيل بمكاسب وتطمينات ستضع المرسي وحكومته في حرج شديد..

خلاصة الموقف أن المرسي في وضع لا يحسد عليه.. فهو في صراع قاسٍ مع الجنرالات، على الرغم من كون الجانبين من قوى الثورة المضادة، ومن عدم وجود خلاف نوعي بينهما على السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية.. إلا أن هناك خلافًا محتدمًا على الحصص وعلى الخروج أو البقاء الآمن..الخ

والمرسي في موقف بالغ الحرج أيضًا، لأن "ثورة التوقعات" التي أشعلتها حملته الانتخابية والإعلامية بعد انتخابه وسط قطاعات مهمشة وغير واعية سياسيًا.. سرعان ما ستتحول إلى سورة غضب وبعجلة أكثر تسارعًا.. وهو ما يعترف به الإخوان ضمنًا من خلال إصرارهم على المجالس النيابية التي يحتلون أغلبيتها مع السلفيين.. كما أنه من المتوقع إن قيض لهم الاستمرار في صياغة الدستور أن يضعوا فيه بنودًا انتقالية تسمح باستمرار الرئيس وهذه الهيئة أو تلك بعد اعتماد الدستور..

وربما تزداد مصاعب المرسي "بالنيران الصديقة".. إذ يبدو أن نهم مكتب الإرشاد للسلطة والثروة يجعله متعجلاً من أمره دون مراعاة للوضع الدقيق لسفيرهم في قصر الرئاسة.. بل قد يكون هو نفسه الورقة التي يمكن المغامرة بحرقها لصالح ورقة أخرى هي خيرت الشاطر مثلاً الذي يتلمظ لنيل ما يظن أنه يستحقه بوصفه اللاعب الأكبر في صنع ثروة وقوة الجماعة في العقدين الأخيرين..

إذن من هذه اللحظة فصاعدا.. نتوقع من المرسي أن يشترك بنفسه في تهديد المعارضين، وألا يترك المهمة لكوادر في جماعة الإخوان أصبحت مثل الأوراق المحروقة هي الأخرى، كصفوت حجازي وصبحي صالح والبلتاجي والعريان والبرنس والحسيني وأبو بركة..الخ.

ستشهد الشهور المقبلة تخبط المرسي على جميع المستويات، وكلما ازداد التخبط "سيفقد الحليم حلمه" على حد تعبير المرسي، وسيرتفع منسوب فقدان الإخوان لأعصابهم، وسيلجأون إلى استعراض العضلات والقمع المعني والمادي.. وبالأحرى سيتطاولون على المعارضين الذين لعبوا الدور الأكبر في الثورة، ولكن جنى مكتب الإرشاد ثمارها لأسباب عديدة..

فهل يدرك الوطنيون الديمقراطيون والثوريون مغزى وعيد المرسي.. ليتحركوا فورًا بحثًا عن سبيل لحماية الشعب من تغول جماعة معادية للتنوير وللمواطنة وللوطنية وللعدالة الاجتماعية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التيه
احمد مجدى ( 2012 / 7 / 17 - 21:05 )
مساكين بعض اليساريين في مصر --احساسهم بالعزله والعجز دفعهم الي تخبط
يدعو الى الشفقه -فها نحن نجد بعض فلول الحركه الشيوعيه الذين لم يتركوا اي اثر بالحياه السياسيه عل مدي 30 عام--نجدهم يرددون تفس ادعاءات انصار مبارك ان مرسي نجح بضغوط امريكيه--تاملوا معي هذه الاضحوكه امريكا تتدخل لاسقاط احمد شفيق احد رموز الاستقلال الوطني وتحدي الهيمنه الامريكيه والذي يسير عل نهج مبارك الزعيم الوطني الذي اطاحت به امريكا عن طريق عملائها بميدان التحرير
اليس هذا هو التسلسل االطبيعي للمنطق الذي يقف وراء راي الكاتب


2 - لا تسلسل ولا خلافه
مصطفى مجدي الجمال ( 2012 / 7 / 17 - 21:14 )
هل تنفي تصريحات كلنتون؟ وهل تنفي تصريحات الشاطر عن تحالف استراتيجي مع أمريكا؟ أما الإساءات الشخصية في حديثك فلن أرد عليها


3 - يسار 2012
احمد مجدى ( 2012 / 7 / 17 - 21:42 )
الشعب يريد احمد شفيق


4 - مستوى الحوار
مصطفى مجدي الجمال ( 2012 / 7 / 17 - 22:52 )
الأخ المذكور مصمم على إلصاق اسم أحمد شفيق بكل من يعرض مرسي.. وهذا لا يليق بحوار سياسي.. وأطلب منه أن يرجع إلى كتاباتي وإلى المقال الحالي نفسه الذي يؤكد معارضتي لجناحي الثورة المضادة.. وأسمح لنفسي بالتوقف هنا عن المهاترة


5 - ما بين السطور
احمد مجدى ( 2012 / 7 / 17 - 23:14 )
مرسي نجح بالتزوير وبالضغوط الامريكيه
اذن الشعب يريد احمد شفيق الذي راح ضحيه التزوير والضغط الامريكى ضد الاراده الشعبيه التى اثبتت تمسكها بنظام مبارك ورجاله


6 - ما بين السطور
احمد مجدى ( 2012 / 7 / 17 - 23:15 )
مرسي نجح بالتزوير وبالضغوط الامريكيه
اذن الشعب يريد احمد شفيق الذي راح ضحيه التزوير والضغط الامريكى ضد الاراده الشعبيه التى اثبتت تمسكها بنظام مبارك ورجاله


7 - طرائف يساريه
هانى عبد العليم ( 2012 / 7 / 18 - 07:00 )
المجلس العسكري الذي عينه مبارك يتدخل لتزوير الانتخابات لاسقاط شفيق مرشح
المجلس العسكري وتلميذ مبارك
امريكا تتدخل لاسقاط شفيق مرشح نظام مبارك الذي ارتمي في احضانها ودعمته لمده 30 عاما ووصفه كبار المسؤلون في اسرائيل بانه كنز استراتيجى لاسرائيل
وامريكا
وفي انتظار المزيد من الطرئف

اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت