الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الأصوليات ..

عمرو اسماعيل

2005 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


الأصولية هي ظاهرة فكرية وليست خاصة بدين معين أو ايدلوجية معينة والفكر الأصولي غالبا ما يتصف بثلاث صفات وهي أنه فكر شمولي ملتزم بالنصوص التي يؤمن بها ومنحاز تماما الي هذه النصوص ..
و الفكرالشمولي يعني أن جميع الأسئلة التي تفرضها الحياة الخاصة والعامة تجيب عنها تعاليم الدين أو الأيديولوجية التي يؤمن بها الأصولي.
و الألتزام بالنصوص يعني أن النصوص المقدسة تؤخذ حرفيا، دون الدخول في تأويل أو تفسير وما يصاحب ذلك من استكشاف ملابسات أو طرح تساؤلات وغير ذلك.
والانحياز يعني الرفض المطلق لأي مساءلة لتلك المبادئ التي يعتقدها الأصولي، ورفض كل ما عداها.
ومعني هذا أن الأصولية ليست صفة خاصة بالأسلام بل هناك أصولية علمانية وأخرى دينية يهودية كانت أو مسيحية أو أسلامية.
و الإسلام رغم أنه يقدم للإنسان تعاليم توجه حياته بأكملها، لكنه يضطر على الدوام للدخول في حوار مع الواقع التاريخي، ونصوصه المقدسة تحتاج إلى التفسير. ومن هنا طورت الشريعة عددا من العلوم كمقاصد الشريعة والقواعد الفقهية مثل الضرورات تبيح المحظورات.. وأسباب النزول، وفرز النصوص: ما هو تشريع وما هو غير تشريع، والتي هي فرع من القول ببشرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، إلى جانب نبوته، وإن نبوته لا تلغي بشريته، وإن لكل مجالها.
وهكذا سمح الإسلام بالتفكير في مبادئه تفكيرا عقلانيا مع اعتبار الواقع دوما، وتشهد بهذا نصوص عديدة من واقع حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمشكلة الكبري في الفكر الأصولي الديني سواء المسيحي أو اليهودي أو الاسلامي أنه يعبر عن تجربة عميقة بالأزمة، وهو يرى أن سبب الأزمة التي يمر بها المجتمع هو الانحراف عن المبادئ التي نزل بها الوحي، وتحققت في جماعة مثالية، والطريق الوحيد للخلاص من الأزمة هو الرجوع إلى تلك المبادئ الإلهية.
و المشكلة لا تقف عند حدود هذا التفكير والتشخيص، بل تتعداه للفعل المطلوب لحل الأزمة بعد معرفة سببها لدى هؤلاء، وهو هنا: كيف يتم الرجوع إلى تلك التعاليم؟
ففي حين يتم تلمس طريق الفعل في أداء العبادات ليصلح الله حال الأمة، كما يتجلى لدى الكثيرين من خطباء المساجد في عالمنا الإسلامي الذين يلحون دائما على أن المشكلة أننا ابتعدنا عن شريعة الله فحلّ بنا ما بنا، ولن يصلح حالنا "حتى يكون عدد المصلين في الفجر كعددهم في الجمعة"، مما يعني أنهم يتصورون الحل ميتافيزيقيا وسحريا في آن واحد.
في المقابل تكون الإجابة على السؤال عند جماعات العنف بالعمل المسلح والجهاد ضد الداخل والخارج، وإن كان هذا الفعل قد يبدو أكثر واقعية لكنه نتيجته في الحقيقة أكثر كارثية!
وهذا الفعل أكثر كارثية للعالم أجمع ليس فقط علي أيدي جماعات العنف المسلح الأسلامية ولكن ايضا علي يد أتباع الفكر الاصولي المسيحي واليهودي مثل المحافظين الجدد في أمريكا وسيطرتهم علي أدارة بوش ودفعهم هذه الأدارة الي شن الحروب ضد أتباع الفكر الأصولي الأسلامي فيما سمي بالحرب ضد الارهاب والفكر الأصولي اليهودي الذي يمثله اليمين المتطرف في اسرائيل والذي لايؤمن بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وحصولهم علي دولتهم المستقلة .. هذا الحق الذي تؤيده كل المواثيق الدولية ..
وما يحدث في العالم الآن هو صراع أصوليات وليس صراع حضارات .. عكس ما يقول صامويل هانتينجتون .. فالحضارات لا تتصارع ولكنها تتكامل وتستفيد كل حضارة من الأخري لتصب في النهاية لصالح الأنسانية .. أما صراع الأصوليات فهو يضر بالأنسانية وينشر أفكار التطرف والتعصب والكراهية بين الثقافات والأديان والحضارات ..
ومن الملاحظ في جميع الأديان و الأيديولوجيات أن العنف المسلح هو تطور للأصولية .. سواء في الغرب أم في الشرق .. فالفكر الأصولي النازي أطلق شرارة العنف في الحرب العالمية الثانية .. والفكر الأصولي الشيوعي الذي أدي ألي احتلال أفغانستان والفكر الأصولي لليمين المتطرف في اسرائيل هو الذي أطلق شرارة العنف عند الفكر الأصولي الأسلامي .. أنها حلقة شيطانية من العنف تبدأ شرارتها بسبب فكر أصولي أيديولوجي وديني وينتج عنها صراع دموي بينه وبين الأصوليات الأخري .
وقد تكون هناك أسباب داخلية أخري ساعدت علي ظهور الأصولية الأسلامية التي تؤمن بالعمل المسلح منها:
- فشل محاولات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي والأسلامي.
- السخط على الحكومات المسؤولة عن تعثر مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعن حرمان الشعب من المشاركة في القرارات السياسية المهمة.
- النظام العالمي الظالم، حيث القوى الغربية لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها الأنانية، ومعاييرها المزدوجة التي تضر بمصالح الشعوب الإسلامية والعربية.
ولعل أوليفيه روا في كتابه الاسلام المعولم قد اصاب جزءا من الحقيقة في اعتبار تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به يشكلان تمظهرا للحركة العالمية المناهضة للعولمة تحت عنوان "الإرهاب الديني".
وهو أيضا اصاب كثيرا من الحقيقة في قوله "إن النظم العلمانية الشمولية في العالم الإسلامي هي التي فرّخت الشباب الذين قاموا بعمليات في جاكرتا بإندونيسيا وبالدار البيضاء المغربية ومومباسا الكينية والرياض السعودية وجربة التونسية".
ولعل نفس المفهوم يفسر نشأة الحركات الإسلامية بدءا بحركة الإخوان المسلمين أم الحركات، والتي كانت ردا على إنهاء الخلافة الإسلامية.
وبمعزل عن شعور المسلمين بأنهم مستهدفون عالميا، فإن العامل المشترك بين الحركات الإسلامية الراهنة لا يأتي من الدين فحسب، وإنما من الموقف التاريخي الذي تجد نفسها فيه مع كثير من الشعوب غير الإسلامية، وهو موقف التبعية للدول الصناعية الغربية، والبحث اليائس عن توجه يعينها على التحرر، وأداء رسالتها.
ومن كل ما سبق يتضح لنا أن لفظ أصولي لا ينطبق فقط علي الأصولي الاسلامي ولكنه ينطبق علي كل من له فكر شمولي متعصب يرفض الآخر في أي دين أو ثقافة وهذا الفكر الاصولي هو السبب في ظهور العنف المسلح .. سواء علي يد جماعات أو أفراد أو حتي دول .. وأن مايحدث في العالم الآن هو في الحقيقة صراع أصوليات .. وهي اصوليات ستفني نفسها في النهاية .. وسيكتشف العالم أجمع كما اكتشف بعد الحرب العالمية الثانية أن العنف والحروب لن تؤدي ألي نتيجة وأن السبيل الوحيد لأنهاء العنف هو العدل علي مستوي كل شعب علي حدة وعلي مستوي العالم كله من خلال نظام عالمي جديد لا تسيطر عليه دولة واحدة ويراعي الخصوصيات الثقافية والدينية لكل دولة دون أن يعني ذلك أن هناك ثقافة أو حضارة متفوقة ..
أن الحضارة الحقيقة هي التي تتفاعل مع الحضارات الأخري والتي تتكامل معها والتي لا ترفض الآخر أو تتعالي عليه وما أحوجنا جميعا لنصل الي عالم أكثر أنسانية أن يفهم كل الأصوليين من كل الأديان و الأيديولوجيات أن الوسطية والاعتدال وتقبل الآخر والتعاون و الديمقراطية الحقيقية علي مستوي كل دولة علي حدة وعلي مستوي العالم كله هي السبيل الأمثل ليحصل الجميع علي حقوقهم ..
لقد آن الأوان لأمريكا والغرب واسرائيل ولنا نحن في العالم العربي أن نفهم أن الأصولية لن توصلنا الي نتيجة .. ولكن السؤال من يبدأ .. الشعوب أم الحكومات أم المنظومة الدولية الممثلة في الأمم المتحدة ..
من وجهة نظري الشخصية أن البداية للخلاص نهائيا من صراع الأصوليات الذي أوصل العالم كله الي هذا العنف الدموي يبدأ من المنظومة الدولية من خلال الوصول الي حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية .. ثم من خلال كل الأحرار في العالم لأقناع الأدارة الأمريكية أن تبنيها للأصولية المتمثلة في المحافظين الجدد وطريقة تفكيرها العسكرية في محاولة فرض الهيمنة الأمريكية علي العالم .. لن يجعلها تكسب الحرب علي الارهاب ..بالعكس سياستها تغذي الأصولية في باقي العالم وخاصة الأصولية الاسلامية التي تؤمن بالعنف كوسيلة للتغيير .. وهناك ايضا دور مهم لكل عقلاء العالم العربي وهو التأكيد علي وسطية الاسلام واعتداله وتسامحه وتقبله لكل الحضارات و الأديان الأخري .. واقناع الحكومات العربية أن الحلول الأمنية للأرهاب وحدها لن تؤدي الي نتيجة دائمة ولكن يجب أن تواكبها تنمية اقتصادية واعادة توزيع الثروة بطريقة عادلة ومشاركة سياسية لكل قوي المجتمع و تأكيد حقوق المواطنة بصرف النظر عن الدين أو المذهب أو الطائفة .. بدون هذا التحرك السريع والأيجابي لكل أحرار العالم وعقلائه فسيطول صراع الأصوليات وتزداد معاناة الشعوب .. ولكن في النهاية لن يصح ألا الصحيح و ستفني الأصوليات نفسها في هذا الصراع وتنتصر الأنسانية في العالم .. أنها حركة التاريخ وحتميته .. لنا الله ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستيف بانون.. من أروقة البيت الأبيض إلى السجن • فرانس 24


.. فرنسا: حزب الرئيس ماكرون... ماذا سيقرر؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. أوربان يزور أوكرانيا ويقترح وقفا لإطلاق النار للتعجيل بإنهاء


.. فرنسا: التعايش السياسي.. مواجهة في هرم السلطة • فرانس 24 / F




.. كبار جنرالات إسرائيل يريدون وقف الحرب في غزة حتى لو بقيت حما