الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية الى أين؟

هادي فريد التكريتي

2005 / 2 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


المتابع للقوائم الإنتخابية لاحظ هذا العدد الكبير من المرشحين ، وهذه، طبعا،حالة صحية بعد أن زال كابوس البعث ـ فاشي الذي جثم على صدور المواطنين وخنق إنفاسهم لأكثر من أربعين عاما، وهذا نتيجة منطقية لهذا الواقع الذي جرد فيه الناس من كافة الحقوق المدنية ،كما لوحظ أيضا الكثرة من القوائم الإنتخابية المتعددة أسماؤها وإتجاهاتها، ولو دققنا النظر في اسم كل قائمة وبرنامجها الإنتخابي لوجدنا هناك قواسم مشتركة بين أغلب القوائم من حيث التوجه والأهداف ،فالقسم الغالب والكبير هي قوائم ذات إتجاهات دينيةـ طائفية ، سواء أكانت حزبية أم مستقلة، وقسم آخر ذو اتجاهات قومية ، كردية ، عربية ، تركمانية ، اشورية وغير ذلك من قوميات أصغر ، كما أن هناك قوائم ذات اتجاهات ديمقراطية بشكل عام ،إلا أن البعض منها ذات اتجاهات حزبية ،علمانية ، ليبرالية ، يجمعها قاسم مشترك اسمه "الديمقراطية"،وحتى قوائم ذات اتجاهات اسلامية الا انها اعطت لنفسها تصنيفا ديمقراطيا أيضا، وهذا مؤشر هام وإيجابي على تعلق الناس بالديموقراطية ورغبتهم في تبنيها..هذا ما كانت عليه القوائم الإنتخابية بشكل عام،رغم وجود قوائم أخرى تمثل شرائح وشخصيات اجتماعية مختلفة ومتعددة من المجتمع وضعت نفسها خارج نطاق الأحزاب والتكتلات ،إلا ان بعضها قد اطلق على قائمته صفة الديمقراطية لينأى بقائمته عن تهمة الطائفية أو العنصرية ، وهذا دليل آخر على أن التيار الديمقراطي كان عليه أن يتصدر القوائم الإنتخابية بشكل موحد وأكثر جدية وإيجابية في التعامل مع كل من يعتقد أنه منحاز لهذا التيار، هذا التنوع والتعدد للقوائم وتنافسها فيما بينها يأتي لسبب هام جدا،وخطير أيضا ، من حيث أن الخيارات والتوجهات التي سيرسمها هذا المجلس المنتخب و المسار الذي سيسلكه العراق مستقبلا والمجتمع العراقي ككل ، ستتحدد اختياراته المستقبلية وفق ما سيقرره الدستور الدائم ومسار تشريعه،وهذا الدستور هو اهم واخطر وثيقة عراقية على الإطلاق ستحدد أفاق تقدم وتطور العراق اللاحق، فإما ينطلق العراق من قمقمه المظلم ، المحجوز فيه سابقا، حيث فضاءات الحرية والإبداع ، أو تعيده الى المربع الذي كان فيه في عهد الدكتاتورية البعثية لتسلمه الى دكتاتورية طائفية ـ سلفية أبشع، لا تؤمن بتطور ولا بعلم الا ما توافق مع معتقد الحاكم ،الفرد،المتربع على سلطة القرار دون شرعية دستورية، من حيث كونه مشرعا ومنفذا أيضا، ومن هنا تأتي أهمية هذه الإنتخابات،وبسبب هذا الأمر ايضا كان التحشيد الطائفي، الشيعي ،باسم المرجعية، ولهذا السبب أيضا ، جاءت المقاطعة الطائفية ، السنية ،المدعومة بالتهديد قتلا أوتفجيرا لكل من يقترب من الصندوق الإنتخابي، من قبل ما يسمى "بهيئة علماء المسلمين "(والتي هي في حقيقتها لا تمثل بالمطلق طائفة السنة ، إنما تمثل بعض العناصر السنية المشبعة بالطائفية والتي كانت متحالفة مع النظام السابق ، من حيث كانت بوقه ومرجعيته في حشد التزوير والتزييف)"و لعدم قدرتها على المنافسة سلميا وديمقراطيا ، في طرح أفكارها وأهدافها، ولعلمها ومعرفتها بعدم شرعيتها في الحديث باسم "السنة"رغم أنها مشغولة بأمورأخرى ، ليس أقلها إيواء المجرمين القتلة والتخطيط لتفجير السيارات واختطاف الأبرياء وذبحهم ..
كل الناخبين الذين صوتوا لهذه القائمة أو تلك كانوا مجبرين على اختيار قائمة بعينها،وفق توجيهات مسبقة أووفق تصور واختيار ما إلا ان الكثير من الناخبين ذوي الإتجاهات الديمقراطية والعلمانية ، الذين لا يؤمنون بالطائفية ولا بقومية معينة ، هؤلاء كانوا مترددين ومحتارين في الإدلاء بأصواتهم بسبب كثرة القوائم الموسومة بالديمقراطية ، سواء أكانت القوائم حزبية أم مستقلة ..ترددهم وحيرتهم نتيجة خلل فاضح في عدم وحدة التيار الديمقراطي،وعدم تجانس شخوصه وممثليه،أما كان الأجدر بهذه القوائم أن تتآلف مع بعضها البعض لتتمكن من المنافسة ولتحقيق أداء ونتائج أفضل ؟ ألا تعلم هذه القوائم أن تعددها في مثل هذا الوقت ولهذا الغرض بالذات لايشكل ظاهرة إيجابية بقدر ما يدلل على التمزق والتبعثر ؟ لماذا لم تجر حوارات مسبقة بين هذه القوى التي تدعي الديمقراطية وبين الأحزاب ذات التوجهات الديمقراطية ؟
من المعروف عن الحزب الشيوعي العراقي بأنه كان ،وما يزال على ما أعتقد، من الداعين الى التعاون والعمل مع الأحزاب والقوى السياسية العراقية بمجملها الوطنية والطائفية والقومية، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة ، سواء أكانت هذه الأحزاب والقوى ذات نهج ديمقراطي أم لا ، وكثيرة هي الممارسات من هذا النوع التي خاضها الحزب ،حيث كان فاعلا في لجنة العمل المشترك التي ضمت كل تلاوين الشعب العراقي ، والتي أعتبرت في وقتها أكبر إنجاز تحققه المعارضة العراقية في الخارج في توجهاتها لإسقاط النظام ، كما مساهمته في الجبهة الكردستانية أغنت تجربته في مسألة وحدة التيار الديمقراطي بغض النظر عن توجهات القوى المؤتلفة في هذه التوجه، ثم هناك لجنة تنسيق التيار الديمقراطي ،والتي لازالت قائمة ، على ما أعتقد، فلماذا لم توجه الدعوة لقوى هذا التيار ويتم الحوار مع كل شخصيات ورموز هذه القوائم الإنتخابية ذات التوجهات الديمقراطية للإتفاق على قائمة موحدة ،أوحتى عدة قوائم تختصر هذا العدد الضخم من القوائم بدل هذا التشرذم الذي جاوز عدده ثلث مجمل القوائم المشاركة في إلإنتخابات ...أي مصيبة ستلحق بهذا البلد نتيجة لعدم الشعور بما سيؤل اليه الوضع لاحقا ..!إن من يطلع على التقريرالسياسي الصادر عن المجلس الحزبي إلعام السادس للحزب الشيوعي العراقي ،كونفرس الشهيد سعدون المنعقد في بغداد لليومين23ـ24 ك1 من العام 2004 يجد فيه تشخيصا دقيقا للواقع العراقي المؤلم، ومن خلال مجلس الحكم واطرافه ، تقول فقرة من التقرير السياسي (وبفعل نزعات التسلط والإستئثار وتغليب المنافع السياسية الضيقة من جانب بعض الأطراف الوطنية العراقية تلكأ البعض في توسيع دائرة تعاونها القائم وتأسيس وحدتهاوفي تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر الوطني المنشود)ثم يقول (وانخرطت في هذا المجلس"مجلس الحكم"القوى المؤهلة لإنقاذ الوطن ...وهي القوى ذاتها التي كان حزبنا تحالف معها بصورة أو بأخرى في مواجهة الدكتاتورية ومن أجل الإطاحة بها ..)ثم يقول (إن عملية انتخاب مندوبي المحافظات الى المؤتمر شهدت العديد من الإنتهاكات للتعليمات والضوابط المقرة، وإن هيئات مشرفة وبعض أعضاء الهيئة العليا ومؤسسات سياسية ودينية وغيرها ساهمت فيها ...)إن هذه الإنتهاكات الخطيرة التي يتحدث عنها التقرير، لهذه القوى التي يشير اليها، وحدها كافية لأن تنزع مصداقية الأنتخابات اللاحقه ، فإذا كانت كل هذه الإنتهاكات والخروقات هي لمجيئ مجلس وطني شكلى لفترة وجيزة (ليست له القدرة على التشريع ) فكيف سيكون عليه الحال في الإنتخابات التي ستشرع دستورا وتنتخب رئيسا ورئيس وزراء للبلاد؟على ضوء هذا التقرير وما فيه من خروقات كان على الحزب ،الإقدام على خطوات كثيرة ومهمة، ليس أقلها فضح هذه القوى وتسميتها ، ثم معالجة هذه الخروقات ضمن القوى السياسية ،والأمر الذي كان حريا بالحزب الإقدام عليه هو الدعوة لعقد مؤتمر لكل القوى الديمقراطية ، على الأقل لترتيب البيت الديمقراطي وما سيفعله في الإنتخابات المقبله ـ التي أجريت في 30 كانون الثاني 2005،وتحت الفقرة :سادسا: "من أسباب تعقد الوضع " يقول التقرير :(ضعف التنسيق بين القوى والأحزاب السياسية ، وعدم ارتقائه الى مستوى المخاطر المحدقة ،وتغليب بعض القوى مصالحها الضيقة ، ممايسهل لأعداء التغيير الديمقراطي عرقلة العملية السياسية..وفي هذا السياق نجدد الدعوة عبر كونفرسنا اليوم لتنشيط آليةالتشاور والتنسيق بين القوى الوطنية العراقية ، كي تأخذ دورها المنشود بالتعاون مع الحكومة المؤقته، في تفعيل مساهمة جماهير الشعب في ارساء الأمن والتصدي لقوى الجريمة والإرهاب ودعم العملية السياسية) إذا كان التقرير يعترف بالتقصير فيما يخص التنسيق بين القوى السياسية إما لأنها مهتمة بترتيب أوضاعها الخاصة ،وإما لا يهمها من الأمر سوى ما تحققه من مكاسب مادية، فكيف ستتوجه الى ألأمور العامة ،وتسعى لحل مشاكل الجماهير الأمنية والمعاشية،..التقرير طرح وشخص نواقص كثيرة إلا أنه لم يطرح القضية"اللاحقة " وهي الإنتخابات ووحدة القوى الديمقراطية.. .!
إن القوى ذات التوجهات الطائفية دخلت في حوارات مسبقة مع قوى قريبة منها في توجهاتها ،وعبئت الشارع حتى المرجعيات الطائفية ،ساهمت في إنحيازها، لقائمة بعينها، رغم إدعاءات الحياد وعدم التدخل ،من أجل ألا تحقق القوى العلمانية والديمقراطية نجاحا يؤثر على ميزان قواهم ومنافسيهم عند صياغة الدستور، إن ما نسمعه الآن من أن صياغة الدستور وانتخاب الرئيس وتعيين رئيس الوزراء سيكون توافقيا،ربما سيكون هذا،إلا أنه سيكون من باب "جبر الخواطر " كما يقول المثل ومن باب التصدق على المتسولين بما هو فائض عن الحاجة،وليس كمن يأخذ حقا له عن طريق شرعي ،تسانده فيه وتدعمه قواه التي يمثلها، والتي هي مقتنعة بما سيفعله من أجلها عندما يلتئم غدا هذا المجلس ،أما إذا تحقق ما نقرأه ومانسمعه ،من تصريحات منسوبة الى مرجعيات طائفية، من أن الشريعة هي المصدر الوحيد لتشريع الدستور فستكون الطامة الكبرى على الشعب العراقي ،وسينسف هذا كل نضالات الشعب العراقي وتضحياته ضد الفاشية البعثية، وقوانينه الجائرة التي قيدت الشعب والوطن بقوانين فاشية ـ عنصرية وطائفية ، جعلت العراق وشعبه في الدرك الأسفل في سلم الدول الأكثر تخلفا في العالم،وبموجب القوانين الجديدة ،ليس الضرر سيلحق حرية الرجال وتكافؤ فرصهم في الوظائف العامة، التي ستكون من حق الفائز بالكعكة، كما هو كائن عندما توزعت الحصص الطائفية ، بل ستكون المرأة هي الخاسرألأول ولها الحظ الأوفى في هذه الخسارة ، حيث ستعاد بقوة الدستور الجديد والقوانين الفرعية التي سيتم تشريعها الى عهود التخلف وعصر الحريم ، وسيكون الحديث عن الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة والفدرالية وحرية الرأي والرأي الآخر ،وحرية الرأي والمعتقد، ومساواة المرأة بالرجل ، لها ماله، وعليها ماعليه ،وضمان حقوق الأقليات الدينية والطائفية والقومية، وحقوق الإنسان في عقيدته وإيمانه، حديث خرافه، ولن نجد لها وجودا حتى في المتاحف ،إن سيكون لهذه المتاحف وجود..على الحزب الشيوعي أن يلعب دورا أكبر بعد ،وحتى قبل ، أن يلتأم المجلس التشريعي، للتوافق مع التيار اليساري بشكل خاص والقوى الوطنية والديمقراطية بشكل عام ، من أجل ألا تمرالقيود التي ينوي التيار الطائفي أن يقنونها ويجعلها ربقا في أعناق العراقيين .. وإلا لا أحد يعرف نهاية لقعر المستنقع الذي سنغوص فيه...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: فكرة وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة غير مطروحة ق


.. استقبال حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة




.. أسرى غزة يقتلون في سجون الاحتلال وانتهاكات غير مسبوقة بحقهم


.. سرايا القدس تبث مشاهد لإعداد وتجهيز قذائف صاروخية




.. الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يترشح لانتخابات الرئ