الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون الأحزاب السورية، وما تسرب منه

سعد الله خليل

2005 / 2 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إذا صح ما تسرب من أنباء، وتناقلته بعض المواقع، والمنظمات (المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سوريا) عن قانون الأحزاب المزمع صدوره في سوريا، والشروط التي يتضمنها هذا القانون، للترخيص للأحزاب بالعمل. فقد لفت نظري شرطان، أرى أنهما هامان، وإيجابيان، ومن الضروري فرضهما، وتحققهما في كل حزب يسعى إلى التفاعل مع الناس في كل بقعة من الوطن، لتحقيق مصالحهم، التي هي بلا أدنى شك، أعلى وأهم من مصلحته، كي يكون حزبا سورياً بحق، لا حزبا محليا، دمشقيا أو حلبيا أو ساحليا، وكي لا يكون خادما لفئة دون أخرى، أو مذهب دون آخر، بل على قاعدة: الوطن بثرواته وسياساته وتوجهاته، لجميع أبنائه، على اختلاف منابتهم ومذاهبهم ومشاربهم.
وأول هذه الشروط التي سُربت أو تسربت: أن لا يقل عدد الأعضاء المؤسسين (الهيئة التأسيسية) لحزب ما، عن مائة وخمسين عضوا، ينتمون إلى جميع المحافظات السورية. وهو شرط ضروري للحد من تفاقم الوضعية القائمة، مع التأكيد أنني لا أتهم أحدا، ولا أدافع عن أحد، بل أصف حالة مرضية قائمة، أخذت تتفشى بسرعة في السنوات الأخيرة، خاصة مع انتشار الانترنت، مما حدا ببعضهم أن يضيف لميزات ومهام هذا الاختراع العجيب، ميزة ومهمة جديدة، أسماها (الانترنت لتفقيس الهيئات واللجان والمنظمات)، فكلما التقى ثلاثة أو أربعة أشخاص، خاصة في الدول الأوروبية، لهم الطموحات والرغبات ذاتها، أنشأوا منظمة أو هيئة، واختاروا لها اسما مؤثرا، وافتتحوا موقعا على الانترنت، وأصدروا بيانا تأسيسياً، تحدثوا فيه باسم الوطن، وادعوا التعبير عن هموم وتطلعات أبناءه،، ثم لا يلبثوا أن يخطبوا باسم العرب كافة، والمسلمين عامة، دون أن ينسوا وضع الحلول الدائمة للأمن الأوروبي، والقضية الكشميرية، والوحدة الصينية، والانتخابات الأمريكية، علهم بعد ذلك يحق لهم طلب المساعدات.
هل من الطبيعي، بل أليس من المعيب أن توجد أحزاب لا يزيد عدد أعضائها، وربما يقل، عن عدد سنوات عمرها؟ أي أقل من عدد العاملين في أية جريدة محلية عربية صغيرة. وهل من الطبيعي أن يكون أكثر من نصف هؤلاء الأعضاء، من أبناء أسر المؤسسين؟ وهل من الطبيعي ألا يكون لهم في عدد من المحافظات، عضوا واحدا يتحدث باسمهم؟ وأن يكون أصغر الأعضاء سناً في هذه الأحزاب، قد ناهز الخامسة والخمسين من العمر؟ لولا أن الله قد منَّ عليهم بأولاد وأحفاد يعدلون الشريحة العمرية في أحزابهم تلك!! ولا أظن أنه ضرب من التعجيز، بل حبذا، لو أضيف لهذا الشرط، شرط آخر، وهو أن تعطى هذه الأحزاب مهلة عام كامل، كي يصل عدد أعضائها إلى ألف عضو، أو يلغى ترخيصها. وإلا ما قيمة وأهمية ودلالة حزب لا يصل عدد أعضائه إلى الألف، في بلد عدد سكانه أكثر من ثمانية عشر مليون نسمة؟
أما الشرط الثاني فهو: حظر إنشاء أحزاب على أسس عرقية أو دينية. وهذا الشرط نقلة نوعية هامة، يحقق المساواة بين المواطنين، ويتماشى تماما مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يحظر كل أنواع التمييز بين البشر، ويحض على مناهضتها، ومنها التمييز العرقي والقومي والديني.
إن سوريا بلد الهجرات والحضارات المتعاقبة والمتجاورة، أشبه ما تكون بلوحة فسيفسائية، غنية بتعدديتها وتنوعها، فيها عدا عن الأثنيات والمذاهب، أكثر من ستة عشر دينا وقومية ، عاشوا جميعا على أرضها، جنبا إلى جنب، في المزارع والقرى والمدن، متعاونين متآلفين متحابين، ولا أظن أحدا من أبنائها، يرى مصلحة، أو يجد مبررا، في تمزيق هذا المزيج المتجانس الرائع، الذي يغني بعضه بعضا، إلى كنتونات ودويلات. لأن سوريا ملك لكل السوريين، ولا يحق لفئة أو طائفة أن تدعي امتلاكها جزءا ما، أو منطقة ما.
لهذا فإن مجرد التفكير بقيام أحزاب على أساس عرقي، يعني رغبة وتصميما على تمزيق الوطن الذي لن يتسع دويلات لكل هذه القوميات! وإن اتسع! سيكون اضطهاد الآخر، وإذلاله، وسلب بيته وأرضه، أساس هذه ال كنتونات، والعداء الدائم والحروب المستمرة بين أبنائها، سيكون شغلها الشاغل، وسياستها.
إن حظر تأسيس أحزاب على أساس ديني، خطوة شديدة الأهمية، سبقت سوريا فيه، دول عديدة في المنطقة، عربية وإسلامية، منها على سبيل المثال تركيا وتونس ومصر. ومسألة الاعتقاد والانتماء الديني، مسألة ظنية ذاتية، ووراثية، إذ لم يختر أحد في بلادنا دينه، فدون ذلك جز الرقاب، وكل منهم يعتقد بصحة ظنونه، وخطل ظنون الآخرين، دون أن يمتلك الدليل العلمي على ذلك. ومع هذا فكل حزب ديني يتوهم أن الله فضل أتباعه على الآخرين، وسخر الآخرين لخدمتهم، وأعطاهم الجنة وحدهم، لا ينازعهم فيها دين أو ملة أو مذهب، كما أعطاهم من العلم والمعرفة والحقائق، ما لم يعطِ غيرهم، وأنه دون غيره، يمتلك الحقيقة المطلقة، وأن ظنونهم هذه، مثال يجب أن يُحتذى، ومن يخالف، أو لا يقبل هذه الظنون، إنما يخالف الله، ومن يخالف الله كافر، والكافر يهدر دمه، وتُباح أمواله ونساءه، عقابه الموت وعذاب الدنيا والآخرة. كما نظرت الأحزاب الدينية إلى الناس على أنهم مسلوبو الإرادة، قاصرو الفهم، لا يملكون الحق والقدرة على تغيير ظروفهم، وصياغة قوانينهم، وأسلوب حياتهم. من هنا فإن الأحزاب الدينية في سعيها للانقضاض على السلطة والإطباق عليها، أو التي تقبض على عنقها، بما تحمله من ظنون وادعاء، أداة تمزيق للشعب والوطن، لا وحدة. ومعول هدم لهما، لا بناء.
أخيرا. حبذا لو أضيف لقانون الأحزاب هذا، بندا يؤكد على دور المرأة، ومشاركتها. وبندا آخر يحظر على الأحزاب استخدام ألفاظ الاتهام والتخوين، والألفاظ النابية والعنيفة، والطنانة والرنانة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وثائقي -آشلي آند ماديسون-: ماذا حدث بعد قرصنة موقع المواعدة


.. كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط




.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري يعلن مقتل جنديين


.. مقطع مؤثر لأب يتحدث مع طفله الذي استشهد بقصف مدفعي على مخيم




.. واصف عريقات: الجندي الإسرائيلي لا يقاتل بل يستخدم المدفعيات