الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التشكيل والموسيقى بالمغرب: إمكانيات البحث حول إيقاعية اللوحة ولونية النغم

محمد ربيعة

2012 / 7 / 20
الادب والفن


بسبب من بقاء الموسيقى أسيرة منطقة العتمة ، وبقاء التشكيل سجين سيادة العقلية التحريمية كما تبين ذلك الكتابات التي تناولت قضايا الفنين داخل النسيج الثقافي العربي ، فإننا ولتناول القضية داخل مجالنا المغربي نرجع الى الخيط الناظم لتفكيرنا في كتابتنا هذه حول الفن التشكيلي والقائم حول بحث التمفصل في العلاقة بين التشكيل والموسيقى في تجربتنا المغربية لأنها تمدنا بوثائق التفكير والتأمل.
لقد شكلت الموسيقى والتشكيل باعتبارهما فنين عانى من إقصاء سوسيولوجي في النسق الثقافي المغربي باعتباره جزء من البنية الثقافية العربية التي طبعته من جهة ، حيث كانت السيادة للخطاب الفقهي المعادي للاجتهاد، وتمكنه بفعل عوامل متعددة –وأساسها هي عوامل سياسية – يضع للعامة "في الدين ما يبغض إليهم العلم ويبعد بنفوسهم عن طلبه " كما يقول الشيخ الإمام محمد عبده ، وكان من نتائج ذلك ان اقفل باب الاجتهاد ، وفتحت على مصراعيها أبواب الجمود ، التي أنتجت مفاسد طبعت مجتمعاتنا بالجمود ، حتى ان صارت لاصقة علينا أننا مجتمعات رافضة للتجديد والتغيير . ومن بيان اثر ذلك هو اشتهار خطاب ثقافي قائم على ثنائية المتقدمين والمتأخرين ، هذه الثنائية التي أنتجت الجملة الشهيرة " ليس في الإمكان أبدع مما كان ، وأصبح كل الفقه وأتباعه هو الحرص على مقاومة الإبداع، باعتبار ان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، وقولهم " نعوذ بالله ان تذهب عقولنا الى غير ما ذهب اليه متقدمينا" فأصيب العقل بالشلل كما يؤكد ذلك "الإمام محمد عبده" بسبب التوهم ان أبواب الاجتهاد قد أغلقت في وجوه المتأخرين.
وكان من جراء ذلك أن الموسيقى والفنون كلها اختارت طريق الانسحاب الى المناطق الظلية ، وان استمرارها لم يكن ممكنا الا بسبب عدم قدرة ذلك الخطاب الكابح على قتل الحيوية في الإنسان ، بفضل المكون الأساسي فيه وهي البيولوجيا باعتبارها الحاسم في وجودنا ككائنات حية ..فصمود الفرح فينا ، وصمود الرغبة في الحياة والتمتع بحقنا في هذا الوجود. وحق الإنسان في اللهو ولو ان هدا المتاع الى حين ، هو ما سمح للفنون بالمحافظة على الاستمرار رغم الطبقات الكثيفة من التكلس الفكري الذي أصاب كل بنياتنا الأخرى بالجمود.
علما ان صدمة اللقاء مع أوروبا التي استعمرتنا ،قادنا إلى اكتشافنا لعناصر قوتها ، وتخلخل كل التصورات التي توارثناها ، رغم ان كل البعثات التي أرسلت الى الديار الأوروبية سعت بعد عودتها الى ضرورة تمثل رؤى مختلفة عن تلك التي استمرت عبر تاريخيتنا ، لانه تم إقصاء تلك البعثات بل وإدانتها بالتخلي عن شخصيتها وتقليد أولئك الذين لن يرضون علينا الا بإتباع ملتهم ، دون التمييز بين الاستفادة من مبتكراتهم وتعلم علمهم لانه علينا "تعلم العلم ولو كان بالصين"، وبالتالي انتصرت القوى التي ولا زالت الآن تحاول العودة تحت مسميات مختلفة بدعوى المرجعيات .. ورغم انتصار هذه على المستوى التمثلي للقيم الا ان تلك الصدمة سمحت للجميع بان يتجاوز المعيقات ، وان يتخذ الفن صورا أخرى للحضور ، فلم يعد الحضور الفني مجرد تحقق لمنتجات الصناع الحرفيين المهرة ، والذي استفادت منه فقط الفئات التي كانت تتولى تدبير الأمور ، وحصرته في حق من حقوق الخاصة يجب ان يمتنع عن العامة .
وبالتالي فقد فتح للعامة المجال للاستفادة من تلك الثروات الفنية عبر الفنون التي احتضنتها الزوايا والمتمثلة في الأذكار وتلاوة القصائد والإنصات بانخراط عميق في تلك الإيقاعات التي أنتجتها الثقافة "الشعبية" او الثقافة " الوحشية" او الثقافة العميقة فينا والتي صاغت نوعا من قدسيتها في ذلك الخضوع الايجابي لسلطة الصوت والإيقاع والذي تمت محاربته من طرف "الإسلام المتعالم" بدعوى الطرقية والهرطقة ..على مستوى نصوص الفقهاء.
وعلى مستوى التشكيل، فبالرغم من سيادة تحريم رسم الصور ذات الظلال تحت طائلة ان الرسامين سيسالون عنها يوم القيامة وسيطالبون ببعث الروح فيها ، فان العين وفنون العين اختارت ان تناور وان تمارس تقيتها فابتدعت الأشكال التعبيرية المختلفة التي سجلها المهتمون بالفنون الإسلامية ، وحاولوا بفعل سيادة التصور الجامد ان يحاصروا عطاء الإنسان المعتمر للمنطقة الممتدة على طول جنوب بحيرة المتوسط و شبه الجزيرة العربية بان ذلك فنه ، واثبت لهم ذلك وان لا حق له في الخروج منه.أولئك الذين أرادوا ان يسجنوا إبداعية هذا الكائن الثقافية، باعتباره منتج فقط للفنون التحتية او الظلية اما الفنون الراقية فمن اختصاص كائنات الجزء الشمالي للمتوسط... وبالتالي فكلا التصورين الأول لأصحاب الجمود الفكري داخل النسق الثقافي العربي والثاني لأصحاب الانمحاء الكلي في ثقافة الآخر وانخداعهم..حاولا ان يفرضا على المنتمون لفئة العامة إقصاء ممنهجا من حقهم في التمتع بالفنون الراقية بدعوى عدم قدرتهم على التجريد ، وأرادوا بآليات الإقصاء الثقافية او المادية جعلهم أسيري تلك النظرة ..
وامام هاتين السلطتين المعرفيتان أبدعت الثقافة "الشعبية" مجالات تعبيرها وسبل تحقق وجودها ، فكان ما سميناه سالفا بالتعبير في الأماكن المعتمة ..ورغم استقواء مفاهيم مثل المشروعية ، و سيطرة الفقهاء وفتاويهم على حياة الناس ، فان الفن استمر معبرا عن وجوده وكان كل همه هو تحقيق الوجود ولو في درجاته الدنيا ..
والسؤال الذي يثار لماذا أمام هذا الثراء التعبيري في الألوان والتعابير الموسيقية لم يفكر كل من الموسيقي او التشكيلي المغربي في فنيهما ، و أيضا في العلاقة الممكنة بين الفنين ..
كل ما يمكننا استذكاره هو ان المغرب فتن بألوانه وأضواءه وحرارته الفنانين الأوروبيين الذين جاؤوا اليه سواء في زيارات ارتبطت بالحركات الاستعمارية ومصاحبين للقوى العسكرية التي اكتسحته او أولئك الفنانين الذين جاؤوا بعدما استوطن الاستعمار أراضينا فأتوا يبحثون عن ينابيع جديدة بعدما جففوا واستثمروا الى أقصى الحدود منابعهم ..يبحثون عن نور وضوء منعدم لديهم.. عن إمكانيات صوتية مغايرة للتي ألفوها..جاءوا يبحثون عما يلقحون به أبنيتهم التي انتهت إلى التكرار... فالتشكيليون والنحاتون والمهندسون حلوا بنا في سعي الى تمثل واكتشاف فن لا يستخدم مادة واحدة من اجل وظيفة واحدة ، ولكن عن فن يستخدم مادة او مواد بتعابير متعددة من اجل وظائف متعددة ..منها ما هي لذات الإبداع الفني في ذاته ، ومنها من يخدم غايات أخرى ...
وموسيقيا اكتشفوا ان مجال بيئي يؤثر في الأصوات الصادرة عنه، وان كل ثقافة حاولت ان تكون حاضرة وتسجل تميزها بالنسبة للثقافات الأخرى وان تعلن عن ذلك الوجود بصيغ تجعل لها شخصيتها المتميزة ..
ولم تشذ اي بلاد او ثقافة عن ذلك..وحيث ان موقعها وسطي جغرافيا فانها كانت معبرا وحقلا للتثاقف و التلاقح بين كل الثقافات الوافدة او العابرة ..وذلك ما منحها سلاحها الذاتي لتقف ضد كل محاولات التحجيب و جعلها تخضع لنسق ثقافي واحد، كل حجته انه يمتلك مشروعية من نفوذ الفئات التي استأثرت بسلطاته ، كما استأثرت بان لا مصدر للتشريع غير قراءته وتأويلاته الوحيدة للنص الديني، وكان اي اكتشاف مغاير لذلك النص وانفتاحيته مصيرها الإقصاء ، وبالتالي تصير غير معبرة عن الفرقة الوحيدة التي اعتبرت ذاتها انها الفرقة الناجية والمبشرة بالتمتع بخيرات الحياة وما بعد الحياة.
أمام كل الضغط استمر المغاربة الذين قاوموا اي إرغام على إخضاعهم للدولة العليا التي تصدر أحكامها من أنقرة، محافظين على دولتهم ، وبالتالي على إنتاج قيمهم الثقافية ببعدها الانتربولوجي المتعدد..سواء في تميزهم بحفلاتهم وأعيادهم و موسيقاهم وإيقاعاتهم وأهازيجهم بل وحافظا على الأشكال التي تعود الى ما قبل مجئ الديانات التي اعتمرت بلادهم ..كما شكل ذلك القاعدة التي استوعبوها ووعوا انها تمنحهم تميزهم والمتجلي في قبولهم لكل التيارات التي تفد عليهم لانها تضيف لتراكمهم بعدا آخرا وحافظوا رغم قساوة الجغرافيا ، منتجين لفقه آخر مغاير للفقه المشرقي يسمح له بالحق في التعبير عن بهجة وجودهم ..فأبدعوا فنونا صوتية وبصرية شكلت وتشكل لنا مصادر استلهام تبيح لنا ان نصرخ بأعلى صوتنا اننا سنفكر في فنوننا بل وعلينا ان ننجز ذلك ان أردنا فعلا إدراك ذواتنا ..
وبالتالي فالتجارب الفنية التي عاشها ويعيشها فناناتنا وفنانوننا التشكيليون ، ونفس الامر بالنسبة لموسيقيينا وتجاربهم تفرض علينا ان ننجز تفكيرا ولو اوليا في فنوننا ..ولا سبيل لنا سوى الانفتاح على تفكير الثقافات الاخرى ومساءلتها دون السقوط في الرفض المطلق او القبول اللاواعي لثقافات الاخرين ..
علينا ان نفكر في حالات فرحنا المختلفة دون وهم بالسعادة الساذجة في ميدان التفكير و المتمثلة خاصة في اتخاذ احكام قبلية او استعاراتها من بنيات ثقافية مغايرة ..اننا ورغم ملاحظاتنا حول بعض المواقف السلبية التي احاطت وتحيط بنا الا ان تفكيرا ممنهجا ودقيقا في المجالين يؤكد ان التفكير في التشكيل وجد عددا من الممارسين له يحاولون انتاج افكار اولية حول مطلبنا هذا سواء اختلفنا او اتفقنا مع رؤاهم ، بينما في الموسيقى نجد ان الكتابات تناولت ظواهر تميل الى الطرب اكثر مما مالت الى الابداع والتفكير الموسيقيين، ولقد نشطت تلك الكتابات خاصة بعد سبعينات القرن الماضي ، وهي غير النوازل التي تناولت وقائع افراح المغاربة منحصرة مابين التحليل والتحريم .والتي نجدها في كتاب النوازل الكبرى الجديدة " لابي عيسى سيدي المهدي الوزاني المتوفى عام 1346ه ...
وبالتالي فهي كتابات تناولت حياة المطربين او أشكال فنية غنائية سواء تعلق الأمر بمطربين أفراد او ملحنين كالكتاب المتعلق بالراحل عبد السلام عامر،او التي تناولت مجموعات غنائية مثل "ناس الغيوان " نموذجا دراسة جنون مبارك ، او تلك التي تناولت الموسيقى الاندلسية منذ كناش الحائك مرورا بما قام به " محمد بريولة" بفاس و "عبد السلام بنعبد الجليل" من مكناس و"المهدي الشعشوع "من تطوان في كتابتاهم حول الموسيقى الأندلسية ، او تناول المجالس الموسيقية بتطوان كرصد قبل سوسيولوجي" للأستاذ محمد الحبيب الخراز" .. دون البحث في الموسيقى من حيث هي أصوات وتعابير.. حيث نجد تلك البحوث قليلة جدا ان لم نقل منعدمة/ ونجد ان من حاول تناولها هو الباحث "محمد عيدون ""، او الباحث الذي لا زالت ابحاثه دون نشر وهو المرحوم الاستاذ " احمد الديلان" من خريجي المعهد الموسيقي بتطوان سنة 1969. وأبحاث المؤلف الموسيقي الراحل "مصطفى عائشة " المنشورة عبر مجلات ثقافية عربية .. والتي تناولت قضايا موسيقية دقيقة في الفلكلور المغربي ،.
اما بخصوص العلاقة بين الآلات الموسيقية والتشكيل فنجد الدراسة التأملية والمعبرة عن خواطر ذاتية حول الكمبري او الآلات الإيقاعية للناقد الفني والمتخصص في البحوث الجمالية "موليم العروسي"..
وكل هاته الأبحاث إضافة الى تجارب فنانين صرحوا بممارسة إبداعيتهم للتشكيل تحت تأثير الإنصات للموسيقي ، و تشكيليين حاولوا إبداع أعمال بحضور موسيقيين خاصة "اهل كناوة" كما فعل" عبد اللطيف الزين .." وفنانين آخرين يتعاطون للفنين معا باعتبارهم ممارسين للتشكيل وللموسيقى ، نتمنى الحصول على تصريحاتهم ، ولو صحفية ، بخصوص التعاطي بين الفنين سواء كتجربة ثقافية فردية تكاملية ،باعتبارها تجارب بحاجة الى استحضارها وإعادة قراءتها لتأسيس مقاربة تساعدنا على فهم تمفصل العلاقة بين الموسيقى والتشكيل في تجربتنا المغربية ..وذلك ما سيضع بين ايدينا مواد مختلفة توفر لنا إمكانية تقديم قراءتنا المتواضعة لها علنا نستخرج ما يساعدنا على مواصلة كتباتنا حول ما نعتبره محررا للتشكيل من ألسر مصاصي دماء فنانينا.باعتباره فعل ثقافي بامتياز يحقق لنا النظر في الفنون باعتبارها إمكانيات للبحث حول إيقاعية اللوحة ولونية النغم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمر عبدالحليم: كتبت لفيلم «السرب» 23 نسخة


.. أون سيت - 7 مليون جنيه إيرادات فيلم السرب في أول 3 أيام فقط




.. لا تفوتوا متابعة حلقة الليلة من The Stage عن الممثل الكبير ا


.. بعد أن كانت ممنوعة في ليبيا.. نساء يقتحمن رياضة الفنون القتا




.. مهرجان كان السينمائي.. ريتشارد غير، أوما ثيرمان وإيما ستون ع