الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر الردة الطبية

نافذ الشاعر

2012 / 7 / 20
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


في كل عصر من العصور لابد أن تشيع خرافة من الخرافات، ولابد أن تسري في ثنايا ذلك العصر روح من عامة، تصبغ العصر كله بصبغة خاصة. فالخرافة تشبه المعجزة من وجه من الوجوه، لأن المعجزة عبارة عن ادعاء امتلاك الأسرار التي يعجز عن امتلاكها الآخرون؛ وهذا ما تتفق فيه المعجزة مع الخرافة. أما ما تفترق فيه عن المعجزة فهو محاولة الترويج لهذه الخرافة بأنها تقوم على أمور بسيطة يملكها الجميع ولا ينتبهون لها، وهنا تأتي أهمية الخرافة من سهولة تطبيقها، ومن عدم الانتباه لها مع أنها في متناول الأيدي.
ولو جئنا لتطبيق هذه القاعدة الآنفة، على ما شاع في هذه الأيام بما يسمى الطب الشعبي أو الطب البديل، ثم بروز عدد من الأطباء على الفضائيات المختلفة ليروجوا لهذه النوع من العلاج الذي ينادي بالرجوع إلى ما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها.. لو جئنا لتطبيق هذه القاعدة، لأدركنا أن هذه الردة الطبية كانت بمثابة ثورة روحانية جاءت في مقابل ثورة الطب المادية. وقد بدأت جذور هذه المشكلة عندما جاء العصر الحديث التي اكتشفت فيه العقاقير الكيميائية، وهجر الناس الأعشاب، وأصبح الطب عبارة عن عقاقير وأدوية بأسماء مركبة وطعوم معقدة.. فجاءت هذه الثورة المضادة بالرجوع إلى النباتات والأعشاب ذات الطعوم البسيطة والأسماء السهلة.. وأصبحت تسمع من ينادي بأسلمة الطب، أي يجب أن يكون لنا نحن المسلمين طب إسلامي خاص، هو طب ابن سينا وابن النفيس.. ومثل هذه الثورة حدثت بتناغم مع ثورة أخرى وهي إلباس السحر والعرافة والكهانة ثوبا إسلاميا، فتحولت مهنة عمل الأحجبة والتمائم للمحبة والزواج والكشف عن المسروق، التي كان يمارسها بعض الدجالين.. تحولت من مهنة كان يمارسها بعض الدجالين المحترفين، إلى مهنة يمارسها بعض الشيوخ الورعين.. وذلك في ظاهرة ما يسمى بالعيادات القرآنية، لعلاج المس الشيطاني...

إلا أن هذه الردة الطبية لم تقف عند هذا الحد بل ركب موجتها كثير من الأطباء الذين يريدون أن يلفتوا الأنظار إليهم بحركات بهلوانية وحركات استعراضية، فتجد الواحد من هؤلاء الأطباء، على سبيل المثال، يأتي يعدد فوائد البصل والثوم والزعتر.. ولا يترك مرضا من الأمراض إلا ويزعم أن البصل والثوم هو الدواء الشافي والبلسم السحري لهذا المرض، مدغدغا بهذا الدجل الطبي حواس السامع، فيحدثون في عقول الناس المفارقة النفسية التي يحدثها الشعراء والأدباء في هواة الفن والأدب..

أما السامع فيتلقى هذا الكلام بقبول حسن لسببين، الأول: سهولة الحصول على هذا الدواء الذي يجلب السعادة، ويمنيه بالشفاء. والثاني: إخراج السامع من جو الرتابة، في نظره للأشياء التافهة وإعادة النظر إليها بشيء من الإثارة والإعجاب.. أما الطبيب الذي يسرد على مستمعيه هذه الأشياء فهو يجد في حديثه ما يلفت إليه الأنظار ويثير الانتباه، فهي محاولة للفت النظر إليه بأنه مبدع قد أتى بما لم يأت به الأولون والآخرون.. وهذا مركب نقص للتعويض عن الفشل في مواكبة الطب وتحقيق الإبداع. ومن الملاحظ أن هذا الدجل الطبي غالبا ما يصدر من نماذج وأنماط نفسية معينة، ولذلك فإنك تجد نفس هذا النماذج والأنماط النفسية، لو كان مجال اهتمامها الدين، فإنها تمارس الدجل الديني في مجال الدين والوعظ فتجدهم يبحثون دوما عن الأحاديث النبوية، التي غالبا ما تكون ضعيفة، فيها جانب كبير من الخيال، ويروجون على أنها سهلة التطبيق، ثقيلة الحسنات، بين أيدي الناس لا يلتفتون إليها ولا يعيرونها أدنى اهتمام.. ثم ينشرونها على مسامع الناس، تماما كما روج الأطباء لفوائد البصل والثوم والزعتر.. من أجل تلك الدوافع نفسها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا