الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحر والسينما في غزة قد ماتا

سونيا ابراهيم

2012 / 7 / 21
الادب والفن


ينظرُ توفيق من نافذته إلى الطريق ، و ساحل غزة ممتدًا إلى الجنوب ، في دقائق طويلة لا يعرف فيها نهاية ذلك الشاطئ من نافذة السيارة .. و في أمواج البحر سرٌ ما يختبئ ويظهر مع كل موجٍ ومدٍ ، يلوح بشئٍ يشتاق إليه ثم يطفو، ويتلاشى ..

يجلس هذا المواطن البسيط في السيارة ، و عيناه تراقبان البحر ، بعد أن أنهى دوامه الممل في مكتبه الحزين ، ويفكر في الانعزالِ عن هذا العالمِ مع عشيقته في مخبأٍ قديمٍ في إحدى الكابيناتِ المهجورة . يفتشُ في عينيه وقلبه مع البحر ، ويشتاق لأن يمارس الحب في ذلك المخبأ بعيداً عن ذقون الفتاوي .

كما كان يحلم توفيق ، الذي ما صَدَق أن أنهى دراسته الجامعية ، و وجد عملاً حكومياً ظنًا منه أنه سيضمن له الحياة الكريمة ، بأن يقضي اجازته مع عائلته بعيداً عن أي شئٍ في احدى الثكنات الرملية .. هناك بعيداً عن الأسئلة مغتربٌ ، ومشتاقٌ ولا يعرف الأجوبة .. لعله يجدُ صخرتين تبعدانه عن أسئلةٍ لا يعرف اجابتها..
لا أحد يسأله وهو مع البحر: أين أنت ذاهب ؟ هل معك رخصة ؟ هل أنت لاجئ أم مواطن؟ كما لا يسأل أحد الصياد لما يصطاد ، وهو لا يستطيع الابحار إلا لمسافاتٍ قصيرةٍ داخلَ البحر.. كما أنه لا يريد أن يتذكر أنه بالكاد يستطيع أن يدفع ثمن أنبوبة الغاز ، التي تتزايد أسعارها كلَ يومٍ بسبب الفساد الاقتصادي الذي يعانيه الشعب ، ويستمتع به القادة الذين يتمتعون " بالمصداقية والشفافية " !!

يمتد الطريق ، كما يمتد شعوره بالخذلان في كل أحلامه التي كسرت أصابعها الضرائب الباهظة – و التي يدفعها من مجموع راتبه الحكومي المنقطع بين شهرين وشهرٍ آخر- ، وتلفحه روائح البحر ، في ذلك الشئ المخبأ هناك.. و لا ينظر إلى الجهة المقابلة لدقائق معدودة قبل أن تدخل به نافذة السيارة إلى الشارع المؤدي إلى مخيم المدينة.
أما هي فبعد أن نامت في مدينةٍ تَنظرُ إلى السينما على أنها "بؤرة فساد" ، واستيقظت لم تجد شيئاً من أفلامها سوى بقايا حريق ، ترك البحرُ السينما ، واتجه حلمه إلى مدينةٍ يغطيها طوفان الخوف ، حتى أن السينما غطت وجهها في بقايا الحريق ، ونامت .. لم تعرف الأفلام شيئا عن تلك السينما ، أما هو فترك البحر ، وأغرقته المدينة بطوفانها !
لم يعرف توفيق أي شئٍ عن ذلك البحر في حياته إلا الخيالات التي عكسها الظلام الأسود على البحر ، كما لم يرى شيئا من السينما إلا سخط على الفنون وعلى الحب ، الذي يدفع بدله أضعافًا على فاتورة كهرباءٍ ، وماءٍ يكاد يبلغ ثمنهما نصفَ راتبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر