الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء أسود وحوائط عازلة

أبو الحسن سلام

2012 / 7 / 22
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


" ضوء أسود " .. وحوائط عازلة


حوائط عازلة.. فلسطينية ؛ فلسطينية اختيارية ؛ وحوائط عازلة إسرائيلية قهرية وحوائط عازلة دولية سياسية إعلامية اقتصادية تجسدها العرض الفلسطيني ( ضوء أسود ) الذي قدمته فرقة المسرح الفلسطيني على مسرح مركز الحسين الثقافي الملكي بالعاصمة للمخرج الفلسطيني المخضرم " فتحي عبد الرحمن " ضمن فعاليات مهرجان المسرح الأردني الثامن عشر 2011 أما خطاب العرض فهو إعادة إنتاج غياب الفعل الفلسطيني المواجه لتلك الحوائط العازلة .
وإذ كانتا فكرة توظيف الحوائط العازلة توظيفا دراميا في عرض مسرحي فكرة مسبوقة في عرض لفرقة الرقص المسرحي بدار الأوبرا المصرية منذ سنوات بإخراج سينوجرافي للفنان وليد عوني؛ فإن خطاب العرض المسرحي الفلسطيني ( ضوء أسود ) ليس معنيا بما يجب أن يكون عليه الفعل الفلسطيني من أجل الخلاص من أنشودة البكائية الفلسطينية المزمنة عبر مسيرة مقاومتها التاريخية ضد الاحتلال الاستيطاني الصهيوني ؛ بل يدور في مدارها ؛ بما يدعو إلى اليأس وفقدان الأمل.. فالأثر الدرامي الذي يتركه العرض في نفوس جمهوره أثر يدعو إلى الإحباط أكثر من كونه إيجابيا.
والعرض ينتمي إلى الاستعراض التاريخي خطابا والاستعراض الفني أسلوبا مسرحيا ؛ فهو ممتع فنيا وجماليا ؛ ومحبط سياسيا. فهو من حيث بنية معماره الدرامي تأسس على فكرة المراوغة والهروب من مطاردات جنود الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين دون تمييز في مقابل محاولات الاختباء عبر الخنادق. ويتميز العرض بعدد من الصور الاستعراضية البديعة التي تشف عن رفاهية الحكي عن الماضي دون الانشغال بفعل الحاضر.. فالعرض يملك إمكانات تخيلية لم يوظفها في صالح الفعل النضالي الفلسطيني المعيش ؛ وتغلب عليه البكائية على الوطن السليب الممزق عبر الحوائط العازلة المادية والنفسية ، الفلسطينية الفلسطينية والفلسطينية العربية والفلسطينية العالمية ؛ وغالبية الشعب الفلسطيني يعيش حياة الشتات بين الانقسام الداخلي والتهميش العربي والعالمي .
وفي محاولة المخرج فتحي عبد الرحمن تجسيد صورة الانقسام الفلسطيني بين حماس في غزة جنوب غرب فلسطين وفتح في الضفة الغربية شمال شرق فلسطين ؛ يكشف أمام الجمهور في خلفية فضاء الصورة المسرحية أنبوبين كبيرين شفافين : يواجه أحدهما الآخر وعن طريق نفخهما بالهواء من الخارج يتمددان ويتضخمان ببطء ليشكل كل منهما جزء من نفق بلاستي شفاف ؛ سريعا ما يظهر بداخل كل جزء من الأنبوب/النفق بعض أفراد ينقلون الأشياء في عبور متقاطع ومتبادل ، كناية عن الأنفاق على الحدود بين رفح المصرية وحدود رفح الفلسطينية ؛ لتشخيص عملية تهريب البضائع والسلع – وربما الممنوعات أيضا – من مصر إلى غزة المحاصرة أو من غزة إلى داخل مصر!! فالنفق إذا لم يكن أسلوبا دراميا رمزيا لتجسيد حالة التواصل بين فلسطيني الضفة الفتحاوية وفلسطيني غزة الحمساوية ؛ وإنما كان أسلوبا رمزيا يجسد لونا آخر من ألوان الهروب من ضائقة الاحتياجات اليومية المعيشية المشروعة وغير المشروعة ؛ عبر فعل محترفي التهريب عبر الحدود .. هي صورة سلبية أيضا ؛ صورة لا تنم عن فعل مقاومة صحيحة بين الشعب الفلسطيني وعدوه الذي يغتصب أرضه ويصادر حرياته وينتهك آدميته يوما بعد يوم على مرأى وسمع العالم .
ومع أن دور الناقد يقف عند حدود توصيف مكونات العرض المسرحي الذي هو بإزائه من حيث كيفيه بنائه الدرامي والفني والجمالي والوقوف عند حد تقويمه إلاّ
أنني قلت في نفسي .. ألم يكن بوسع المخرج الفلسطيني المخضرم فتحي عبد الرحمن – الخريج القديم من المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة – دفعة د. حمدي الجابري – وقد تفتق ذهنه عن فكرة تشييد نفق شفاف أمام الجمهور أن يوظفه توظيفا إيجابيا يكشف عن فعل عسكري نضالي كبير لصورة من صور النضال الفلسطيني في غزة ؛ الذي حفر خندقا يصل إلى داخل موقع عسكري إسرائيلي وتمكن من أسر جندي إسرائيلي والزحف به عبر النفق واحتجازه ليقايض به المناضل الفلسطيني ألفا أو أكثر من أسراه المدنيين في سجون إسرائيل. عجبت من تركيز المخرج فيما تخيل حول فكرة النفق على دوره السلبي دون أن يلفته الفعل النضالي الفدائي الشجاع في استخدام النفق لأسر جنود إسرائيليين ؛ غير أنني لما راجعت عناصر بنية معمار العرض ؛ رأيت في توظيف فكرة الأنفاق توظيفا سلبيا هروبيا وجدت أن توظيف النفق لتشخيص حالة سلبية هروبية يتوافق مع طبيعة الفعل في بنية الأحداث الفرعية التي تشخص الواقع الفلسطيني الواقعي المعيش ح ليصلنا خطاب العرض على النحو الذي وصّفته في بداية مقالي هذا من أن العرض يشف عن رفاهية السرد التشكيلي الاستعراضي المشغول بتجديد ذكرى صور من ماضي الفعل الفلسطيني وحاضره في الروغان من أساليب الحصار الإسرائيلي العربي العالمي ؛ كنوع من التحايل على الحواجز والحوائط المادية والنفسية العازلة بديلا عن فعل المواجهة الفاعلة في سبيل هدم تلك الحوائط بكل أشكالها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تدرس نقل السلطة في غزة إلى هيئة غير مرتبطة بحماس|#غر


.. القوات الإسرائيلية تدخل جباليا وتحضيرات لمعركة رفح|#غرفة_الأ




.. اتهامات جديدة لإسرائيل في جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي


.. شاهد| قصف إسرائيلي متواصل يستهدف مناطق عدة في مخيم جباليا




.. اعتراضات جوية في الجليل الأعلى وهضبة الجولان شمالي الأراضي ا