الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيوم براون- وهم التحكم - القوة والسياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين

معقل زهور عدي

2005 / 2 / 14
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


سيوم براون ( وهم التحكم – القوة والسياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين ) – الجزء الثاني

ان النزوع المطرد نحو الأحادية القطبية تم تعزيزه بواسطة مؤثرين هامين :
الأول : مايسمى بالثورة في الشؤون العسكرية ( R M A) وهي التي شملت إعادة بناء القوات المسلحة الأمريكية لتعزيز قدرتها على التحرك الحاسم لمواجهة طيف واسع من التحديات بدءا بالصراعات الكبرى ومرورا بالتدخل السريع والضربات الانتقائية وانتهاء بفعاليات زمن السلم ، وقد ساعدت الثورة في مجال تكنولوجيا المعلومات على الجمع بين الدقة والسرعة والتحكم الكامل عن بعد والاستطلاع والرصد والتفوق في المعلومات والسيطرة المباشرة على ساحة القتال .( أشارت جملة التوجهات السياسية والاقتصادية في بداية القرن الحادي والعشرين الى أن الولايات المتحدة الأمريكية ما عادت قادرة على تحمل عالم مؤلف من أصدقاء وأعداء دائمين بسبب تطورات أصبحت الآن ناضجة على صعيد القدرة العسكرية ) وبصورة خاصة فان القدرة المتنامية على شن الحروب دون الحاجة الى حلفاء أو مع عدد قليل جدا من الحلفاء شكلت منعطفا في الاستراتيجية العسكرية وحافزا قويا لنمو نزعة التدخل العسكري في العالم .
الثاني : تزايد الشعور بالتهديد بعد أحداث ايلول ( سبتمبر ) 2001 ، فضرورات مكافحة الارهاب قد اندمجت بصورة تامة مع طيف واسع من الأهداف على صعيدي الأمن القومي والسياسة الخارجية وهكذا وفرت الحرب على الإرهاب حسب تأكيد بوش الصارم : ( فرصة عظيمة لقيادة العالم نحو قيم كفيلة بجلب السلام الدائم ) . أما المنطلقات الحقيقية الكبرى للسياسة الخارجية فلا يتم التطرق اليها الا في مناسبات قليلة يقول سيوم براون ( جاء منطلق الاستراتيجية الجديدة انسجاما مع حماسة كلينتون للعولمة متمثلا بالقول : أن السلوك الدولي المسؤول والظروف السياسية الخارجية المرحبة بالاستثمارات الأمريكية يسيران جنبا الى جنب مع اقتصاديات السوق والعملية الديمقراطية واحترام حقوق الانسان ) .
وهكذا فان المفهوم التقليدي للأمن القومي تمت مراجعته ليس للتعامل مع تهديدات جديدة مثل الإرهاب بل للإحاطة بطائفة غير مسبوقة من أهداف السياسة الخارجية وبصورة أوضح لدعم مصالح العولمة وشق الطريق أمامها .
ونعود الى تطور نزعة التدخل العسكري فحسب سيوم براون ( يمكن النظر الى الاستعداد الراهن لاستخدام القوة أداة من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية على أنه الحلقة الأخيرة من سلسلة التحولات الكبيرة الأربعة التي مرت بها استراتيجية الأمن القومي منذ عام 1945 ) . التحول الأول كان ردا على صيرورة الحرب ذات قدرة تدميرية شاملة بعد قصف اليابان بالقنابل النووية ، وتمثل بالتالي في اعتبار الحرب ملاذا أخيرا ودليلا على فشل الديبلوماسية ، والتحول الثاني تمثل في تطوير طيف من الاستراتيجيات والقدرات العسكرية القابلة للاستخدام بمرونة للتصدي للعدوان الشيوعي المحدود والشامل كما في حالة كوبا . والتحول الثالث كان ردا على اخفاق الولايات المتحدة في فييتنام وتمثل في الانتكاس من مفهوم الرد المرن الى حصر الحرب بأوضاع يكون فيها الأمن القومي الأمريكي معرضا للخطر . اما التحول الرابع فقد استند الى تجربة حرب الخليج وتعزز بنتائج الحملتين على كوسوفا وأفغانستان وينظر اليه باعتباره عودة لتأكيد مرحلة ماقبل حرب فييتنام . وهكذا تم تكريس القوة العسكرية ليس في مواجهة خطر يتهدد الأمن القومي بالمفهوم الضيق ولكن كأداة بيد الديبلوماسية وفقا لمفهوم موسع للأمن القومي مدمج مع المصالح النامية باطراد للعولمة .
لقد شكلت الحرب على العراق احدى أهم الحلقات في تطور نزعة التدخل العسكري وللأسف فقد تمت تلك الحرب بعد صدور كتاب سيوم براون مما حرمنا فرصة الاطلاع على تقييمه لنتائج تلك الحرب ، وفي حين كانت الحرب تصعيدا للمرحلة الرابعة في تطور نزعة التدخل فان نتائجها النهائية قد لاتكون على درجة من الوضوح فهناك ظاهرة المقاومة العراقية غير المتوقعة غير أن المنحى العام للتدخل العسكري مرشح للاستمرار والصعود في أنحاء متعددة من العالم يأتي في مقدمتها سوريا ولبنان وايران . ويتضح ذلك من تعزز مراكز الصقور في الادارة الامريكية وازدياد التشدد في لهجة التعامل مع سورية وايران ، وربما أسهمت الانتخابات في العراق والأراضي الفلسطينية في دعم وجهة نظر المحافظين الجدد واعطائهم انتصارا رمزيا بالادعاء بنجاحهم في نشر الديمقراطية ، بل ان من غير المستبعد أن تدفع الانتكاسة العسكرية الأمريكية في العراق المتمثلة في العجز عن السيطرة على البلاد رغم احتلالها ، وانعدام وجود افق لهزيمة المقاومة نحو الاندفاع لإنجاز انتصار عسكري وسياسي في مكان آخر خارج العراق كتعويض عن الانتكاسة الحاصلة هناك ولمنع تحول تلك الانتكاسة الى فييتنام أخرى تدفع الاستراتيجية الأمريكية نحو الانكفاء .
وهكذا في حين لم تتمكن المقاومة العراقية من كسر شوكة العسكرية الأمريكية حتى الآن فقد أفلحت في جعلها تنزف ، ولكن ذلك يجب أن يفتح أعيننا على احتمال زيادة خطورة وشراسة العسكرية الأمريكية بسبب جراحها في العراق .
يخصص سيوم براون الجزء الثاني من كتابه لموضوعين : الأول يتضمن فلسفة تبرير الحرب ( عودة الى تراث الحرب العادلة ) والفكرة هنا لاتقف عند حدود التبرير ولكن تتعداها الى وضع قيود ومعايير ( أخلافية ) للحرب ، وفي النهاية فان ذلك لايشكل في جوهره سوى حرص على الاهتمام بتخفيف الجوانب التي تدعو الرأي العام الى استنكار الحرب والوقوف ضدها من ناحية ووضع ضوابط تساهم في كبح جماح بعض القيادات المندفعة نحو توسيع غير مبرر لنطاق الحرب .
أما الموضوع الثاني فهو ( التحكم بالأوهام – استخدام القوة العسكرية بحصافة ) ويتضمن خلاصة مايريد سيوم براون قوله ، فبعد 11 أيلول 2001 انتهى زمن الجدل وأصبح الفرقاء المتحاورون حول استخدام القوة العسكرية الأمريكية في الخارج وحدود ذلك الاستخدام جميعهم دعاة ( عولمة عسكرية ) والتعبير ليس لي ولكنه لسيوم براون وبالتالي فعلى الفكر الاستراتيجي والعسكري الأمريكي أن يناقش ظروف وشروط المرحلة الجديدة لا أن يعيد النظر في أساسها الذي تم حسمه وكأن سيوم براون يقول : أيها الأصدقاء تعالوا للنظر كيف ننفذ ( العولمة العسكرية ) بأقل التكاليف وأفضل النتائج ، مع اعادة النظر بين الحين والآخر بالتعويل الكبير على استخدام القوة العسكرية في هذه الحالة أوتلك وفقا للنتائج وتطور الوضع المحدد . فاغراء استخدام القوة العسكرية قد يدفع في بعض الأوقات للتورط في حروب ومعارك غير ضرورية ، بمعنى امكانية الحصول على النتائج السياسية بوسائل أخرى ، وتقود تلك الحكمة الى مايسمى بديبلوماسية الاكراه . يجذب عرض سيوم براون لديبلوماسية الإكراه الانتباه باعتبارها أفضل مرجع لسياسة الولايات المتحدة الحالية تجاه سوريا وايران . كيفية التهديد بالقوة العسكرية واستخدامها بأعلى درجات النجاح تيار ملازم للأوساط السياسية الأمريكية وهو متجذر في التغييرات المنهجية الحاصلة في السياسة العالمية والشؤون العسكرية ، والدراسات التي تناولت موضوع الاكراه العسكري موجودة في معهد سلام الولايات المتحدة الخاضع لاشراف الكونغرس قام بها دانييل بايمان وماتيو واكسمان وستيفن هوسمر وآخرون في مؤسسة راند وهي تؤكد أهمية امتلاك ترسانة كاملة من ( العصي ) في جعبة المساومة الديبلوماسية مع الخصوم لدعم جاذبية اغراءات ( الجزرات ) .
وحتى لايتوهم أحد بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمد للجوء لتلك الديبلوماسية متهيبة من التدخل العسكري فقد حرص سيوم براون على انهاء تلك الفقرة قائلا بلسان غيره : ( عدد كبير من خبراء السياسة الخارجية والاستراتيجيين في الحكومة وخارجها قالوا بتأكيد حقيقة ان التهيب والجبن أمام استخدام القوة يتنافيان مع دور الولايات المتحدة كقوة عظمى في عالم ممزق بالصراعات ) ويذكر سيوم براون في مكان آخر أن كل تهديد باستعمال القوة يجب ان يرافقه استعداد جدي لاستخدامها حين لا ينفع التهديد . أما نحن كأطراف معنية بالتهديد فأعتقد أن علينا حين نضع خيارنا على أساس عدم الرضوخ للتهديد أن نأخذ بالحسبان لجوء الولايات المتحدة إلى تنفيذ تهديدها كأمر لايمكن استبعاده على الإطلاق .
ينصح الكسندر جورج الولايات المتحدة بالا تبادر الى اعتماد ديبلوماسية الاكراه ( مالم تكن مستعدة لرفع مستوى التحرك العسكري اذا لم يذعن الخصم ) . يشمل ( استخدام القوة العسكرية بحصافة ) اضافة لديبلوماسية الاكراه عناوين متعددة لايتسع المجال لذكرها بالتفصيل منها :
1- ضرورة تقييم المعايير التي تجعل من الذهاب للحرب أمرا لابد منه وتطور تلك المعايير من عقد تسعينات مابعد الحرب الباردة ، وقد ذكر سيوم براون ثلاثة معايير هي : الالتزامات التحالفية ، والواجبات الأساسية التي يفرضها النظام العالمي ، والضرورات الانسانية . يأتي التوجه الحالي لادارة بوش ليزيد التركيز على معيار ( نشر الديمقراطية ) موسعا بذلك مبررات استخدام ( القوة العسكرية بحصافة ) ، ويجري ذلك في مرحلة مابعد حرب العراق حيث لم يتح للسيد براون الفرصة لرصد ذلك التحول ، وحتى الآن يواجه ذلك المبدأ – المعيار صعوبة في اعتماده وتطبيقه لكن من الواضح ان التبشير به قد بدء .
2- الحرص على عدم مهاجمة المدنيين العزل بصورة مباشرة أو غير مباشرة . وللأسف فان وصية سيوم براون هذه سرعان ما يتبدد أثرها في مجرى التحليل حين يضع الكاتب مصلحة الولايات المتحدة كشرط لاغنى عنه لتطبيقها حيث يقول ( كانت مراعاة خطر استهداف المدنيين صعبة في حقبة ما بعد الحرب الباردة الزاخرة بالحروب العرقية والدينية التي تتميز بكثرة المتورطين فيها من اشباه العسكريين والجنود المدنيين ، يعني ذلك ان الاصرار على الاحترام الدقيق لمبدأ حصانة غير المقاتلين يجب ان يكون مستندا الى الأساس الأخلاقي والى المصلحة المتنورة والواعية والأبعد مدى للولايات المتحدة ) بل انه يضع الأساس لتدمير المبدأ السابق ( حصانة المدنيين ) في مكان آخر حين يقول :( ..وبالتالي فان الالحاح على ضرب أهداف ستلحق ضررا بالمدنيين قد يثبت أنه الحاح غير قابل للمقاومة ) . اذن فالمسألة هنا لاتعدو كونها مراجعة لمبدأ حصانة غير المقاتلين في ضوء تطورات مرحلة مابعد الحرب الباردة حيث تواجه الاستراتيجية الأمريكية قوى غير تقليدية ، وكأن سيوم براون يمهد لما تم فعليا في العراق من قتل حوالي مئة الف مدني .
هكذا فالحكمة والحصافة لاتعني دائما الالتزام بالمعايير الأخلاقية والانسانية ولكنها تعني الالتزام بتلك المعايير طالما أنها لاتتعارض مع الاستراتيجية الأمريكية وضروراتها .
ينهي سيوم براون فصله الأخير بتذكير القادة العسكريين أنه لايرغب أن تكون نصائحه الهادفة الى تشذيب وعقلنة استخدام القوة العسكرية كأداة للسياسة الأمريكية ضمن الاستراتيجية الامريكية الجديدة التي لم تعد موضع جدال ( عسكرة العولمة ) سببا في تردد صانعي القرار ( كتردد هاملت وضياعه ) فهي ليست دعوة للمراجعة والوقوف بوجه استخدام القوة العسكرية المتزايد الاتساع في العالم بقدر ما هي دعوة لجعل ذلك التدخل العسكري أكثر فعالية وأقل تكلفة وأكثر قبولا من الرأي العام في امريكا والعالم .
ان العبرة من كتاب سيوم براون لاتتضمن فقط فهم تطور أبرز المحاور للاستراتيجية الأمريكية في مرحلة مابعد الحرب الباردة ، ولكن أيضا فهم عمق واتساع التيار الذي يصاحب ( عسكرة العولمة ) ، وأن المسألة أبعد ما تكون عن صراع سياسي بين يمين محافظ ويسار ليبرالي وتلك مقدمة لابد منها لوعي مرحلة طويلة قادمة .

معقل زهور عدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟