الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عازف الكمان

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2012 / 7 / 23
حقوق الانسان


الكثير منا يتذكر قصة "كونتاكنتي" بطل مسلسل الجذور الذي عُرض في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ولكن القليل من يعرف قصة "فيدلر" عازف الكمان وصديق "كونتا"؛ سأحكيها لكم باختصار:

كان البيض يصدقون روايات تجار العبيد، أنهم اصطادوا عبيدهم من على رؤوس الأشجار، وهم يتنازعون مع القردة على ثمار الموز .. أما "فيدلر" فكان مهووسا بإثبات إنسانيته، تعلم عزف الكمان بمفرده، حتى صار عزفه شجيا ورائعا على نحو لا يصدق، لم يكن يعمل في الحقول كباقي العبيد؛ لأن سيده أراد استثمار موهبته؛ فصار يصطحبه إلى الحفلات، ويمنحه مقابل كل حفلة دولارا واحدا.

كانت طبول إفريقيا يرن صداها في جوفه، ومن بين أصابعه تقطر الموسيقى، كانت ألحانه نزفا موجعا من الحنين، أما هو فكان يخبئ سره الكبير، حتى فاض به ذات مساء، فأسر لصاحبه قائلا: اسمع يا "كونتا" لقد احتفظت بهذا السر عمرا بأكمله، ولم يعد بمقدوري أن أحتفظ به دقيقة واحدة إضافية، سأحكيه لك على أن تعدني أن لا تبوح به حتى ينقضي نهار الغد.

حملق "كونتا" به، لكن "فيدلر" لم ينتظر؛ فقد كان مذهولا من شدة الإثارة، ويكاد أن يقفز من شدة الفرح، وقال: لقد نجحت أخيرا، غدا صباحا سأرمي في وجه "وولر" سبعمائة دولار دفعة واحدة، أنا متأكد أنه سيرضى بهذا المبلغ الكبير، وسيمنحني حريتي .. نعم سأشتري مستقبلي بهذا المبلغ الذي ادخرته على مدار ثلاثة وثلاثون عاما .. الله ما أجمل الحرية .. سأسبق الريح نحو الشمال، يقولون أنه هناك بإمكان السود أن يعيشوا حياة طبيعية، سأواصل العزف على الكمان، وسأبدأ في العزف على القيثارة، سأشتري كتبا وأزهار، سأرتدي ملابس نظيفة، سيكون لي بيت صغير، تحفه أشجار السرو، وربما أربي كلبا ... أتعلم يا كونتا كم مرة راودني هذا الحلم ؟؟ كم مرة عددت المبلغ ؟؟ لقد تطلب الأمر مني العزف أكثر من تسعمائة حفلة، وتوفير كل بنس .. ألن تقول لي مبروك ؟!

كان "كونتا" مصعوقا لدرجة تمنعه من الكلام، وسرعان ما ذرف دمعة ساخنة، وقال بصوت متحشرج: يبدو الأمر رائعا لدرجة خرافية، وحضن "فيدلر" الذي خرج مسرعا يتراقص ملوّحا بيده ويبتعد شيئا فشيئا حتى ذاب في العتمة ..

في الصباح كان "كونتا" متشوقا لوداع صديقه أكثر من أي شيء آخر، انتظر حتى استوت الشمس في كبد السماء، فاستبد به القلق، بحث عنه في أرجاء المزرعة ولم يجده، سار نحو السياج، رأى تحت الشجرة بالقرب من جدول الماء حذاء صديقه، أسرع قليلا والتف من الجهة الأخرى، كانت نظرة واحدة في عيني "فيدلر" هي كل ما يحتاج لمعرفة ما حدث، لقد خبا بريقهما وراح النور من وجهه، لم يقل شيئا في البداية، إذْ كانت الدموع تنهمر بغزارة على وجنتيه، ثم قال بصوت منكسر: لقد أخبرته عن الموضوع، لكنه أجاب إذا كنت تريد شراء حريتك فإن السبعمائة دولار هي مجرد دفعة أولى، حيث ارتفعت أسعار العبيد مؤخرا، وبإمكاني أن أبيعك لقاء ألفين وخمسمائة دولار، وقال إنه علي أن أتفهم موقفه، وأمرني وأنا خارج أن أطلب من زوجتي أن تعد له القهوة.

ثم صاح بغضب "ابن الزانية" وألقى بالكمان في الجدول، أراد كونتا أن يلتقط الكمان قبل أن يغرق، لكنه لمح أنه قد تعرض لضربات عنيفة كسرت أجزاء منه على نحو يتعذر إصلاحه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم ايها الصديق العزيز
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 7 / 23 - 17:57 )
ساترك تحيتك لأخر الكلام فمعذره
لقد اخذ منه ال700دولار كعربون او دفعة اولى ليحطم ما بقي لذلك العازف الذي فقد حتى حلاوة النغم فانزل جام غضبه على كمانة الناطق الحنين
واخبر زوجته باعداد القهوة وانزوى عند حافة النهر يداعب اوتار الخيبة والانكسار والياس
لقد كان واقعيا محبطا فكان البحر امامة والسوط والابيض خلفة
كل تلك التراكمات دفعت جيفارا ليقول ما قال ودفعت الاخرين الى تلمس طريق الحرية التي تخرج من فوهة البندقية فالعزف والعازف والحرف والشاعر والسفسطة وصاحبها يزداد سعرها في سوق النخاسة
لذلك فالاراذل يشترون بالقوة والاذلال ليجعلوا من باع وارتضى يغرق في ذلة ليطلبوا منه ان تعد لهم زوجته القهوه
تحية لك اخي و صديقي


2 - الحر ينتقد ويتكلم ، والعبد يقبل ويصمت
الحكيم البابلي ( 2012 / 7 / 23 - 21:31 )
شدني عنوان المقال
وبعد القراءة شكرتك في سري كثيراً زميلي عبد الغني سلامة
الموضوع له مؤشرات ودلائل عميقة تلعب دوراً كبيراً في حياتنا المعاصرة ، ولكن مساحة الألف حرف لا تكفي للتطرق لها
فيدلر وكونتا كونتي لا يزالون يعيشون بيننا ، ولكن .. ليس المفترض بهم أن يكونوا من السود تحديداً ، العبودية لا زالت موجودة كذلك ، ولكن بصور وأشكال وحالات مختلفة عما كانت عليه قبل قرون قليلة
العبد اليوم يملك بيتاً وسيارة وكلباً ورصيداً في البنك ، لكن مفهوم العبودية لا زال يطاله وبدون معرفته
ولتوضيح الأمر أكثر أقول بأن غالبية سكان الأرض عبيد لغيرهم ، لكنهم يفهمون العبودية من خلال شكلها الكلاسيكي القديم ، يعني أن يكونوا تحت أمرة السيد وسوطه وتعليماته ، وأن يكون لهم سعر مادي ، أي يُباعون ويُشتَرَون
كل إنسان لا يُدافع عن حقوقه هو عبد
لهذا نحنُ مجتمع غالبيته من العبيد ، في الشارع والعمل والمدرسة والبيت والمرافق الإجتماعية وحتى هنا في موقع الحوار المتمدن هناك عبيد يقبلون لا عدالة ولا ديمقراطية الموقع مثلاً في تقييم المقالات وتصنيفها - بدون خبرة - وبحسب مزاجية وإنتقائية وفردية المسؤولين ، السكوت عبودية
تحياتي


3 - الحرية
هوزان خورمالى ( 2012 / 7 / 23 - 22:52 )
للحياة نغمة رائعة يتشوق الانسان لسماعة منذو ولادتة لكن ياترى هل بمقدورة سماع هذة النغمة لحزينة والمفرحة معا هل تطيعةاذانة لسماع تلك النغمة ام الحياة تصطف مع الاذان الطرشة ,عازف الكمان يبع حريتة في سبيل حرية دائمة لكن ياترى هل للحرية ثمن يا استاذ سلامة كان على عازف الكمان يدرك بان عبوديتة لن تحررة بملغ من الدولارات لا ن الحرية هي التى تصنع الدولارات ,ولم نرى يوما سيدا كاسيد عازف الكمان يذنبة ضميرة وتحركة مشاعرة يشعر بان العبودية هي حياة لكن دون الحان واغاني تعطي الحياة لذة و يعشق الانسان العيش بدل رمى كل اللات الموسقية بوجة الزمن ويستغنى عن نغمة الحياة ,عزيزي استاذ سلامة الحرية والحياة بكل معانيها بات وهما الا لمن لايتوهم يوما ما بانة البشرية قيد الاسر وعلية ان يلعن نفسة لانة اسرة حرية الملاين بااوراقة النقدية وسلطتة االعمياء الى اين نتجة نحن من عازفي الكمان بعد ان عشنا دهرا من الزمن ادركنا بان لاكمان ولا لحنة ينقذنا من عبودية البرابرة والهمج لذا علينا النضال لنزع حريتنا بيد من حديد وشجاعة دونكوشية وشكرا استاذ سلامة


4 - ثمن الحرية
عبد الغني سلامه ( 2012 / 7 / 23 - 22:59 )
أخي وصديقي عبد الرضا
لا حاجة لشكرك .. لأن مجرد قراءتك مقالاتي هي أكبر شكر لي .. وهذا من دواعي فخري أن تعلق على ما أكتب ، ربما أنك ظلمت -فيدلر- قليلا فهو كان محكوما بنظام من الصعب قهره أو تجاوزه وأنا أحاول في هذه القصص القصيرة أن أبين أشكال مختلفة لرفض العبودية
أما إذا طبقنا ممارسة فيدلر على وقتنا الراهن سيكون معك كل الحق
لأن الحرية لا تشترى إلا بالدم والتضحيات
تقبل مودتي




5 - عبودية من نوع آخر
عبد الغني سلامه ( 2012 / 7 / 23 - 23:02 )
ألصديق الحكيم البابلي
دائما أحب أن أقرأ مقالاتك وتعليقاتك
شرفتني بالتعليق على مقالتي
أتفق معك بالرأي أن للعبودية أشكال مختلفة
وفي عصر الراسمالية والنظام العالمي الجديد ازداد عدد العبيد على نحو غير مسبوق
تحياتي لك وتقبل احترامي

اخر الافلام

.. موريتانيا.. تقرير أميركي يشيد بجهود البلاد في محاربة الاتجار


.. اللاجئون السوريون -يواجهون- أردوغان! | #التاسعة




.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال


.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال




.. الحكم بالإعدام على الناشطة الإيرانية شريفة محمدي بتهمة الخيا